يقع هذا التل على الضفة الشرقية لبحيرة "الأسد"، ويبعد عن بلدة "الجرنية"، حوالي /15/ كم، كما أنَّه يبعد عن مدينة "الرقة"، حوالي /90/ كم غرباً، وهو يجاور كل من تلي "الشيخ حسن" و"الممباقة". وتعود الطبقات الأثرية إلى عصر البرونز المبكر /3000/ ق.م، وعصر سلالة أور الثالثة /2100/ ق.م.

بدأ التنقيب الأثري في هذا التل منذ عام /1971/م، وعلى التوالي بعثتان، الأولى بعثة وطنية ركزت أغلب أعمالها في محيط التل، وضمن القرية ذات الامتداد الواسع، بمحاذاة ضفة البحيرة، وقد تكللت أعمالها بالكشف عن أرضية كنيسة من العهد "البيزنطي"، من القرن الخامس الميلادي، كان أجمل ما فيها لوحة فسيفساء تفترش وتغطي أرضية الكنيسة، وقد عمل الطاقم الفني المرافق للبعثة على ترميم وتقسيم اللوحة إلى عدة أقسام، عرضت كلها في متحف "الرقة" الوطني في القاعة المخصصة للآثار الرومانية والبيزنطية، منها (لوحة الغزال الشارد، ولوحة النمر المرقط ولوحة الثور الهادئ)، ثم قامت بعثة المركز البلجيكي للبحث الأثري, بإدارة الأستاذ "جان شارل بالتي" عام /1972/ م, بفتح أسبار في منطقة الكنيسة, أدت للكشف عن أحد الشوارع المعمدة في الموقع..

وبعد خمسة أعوام من التاريخ المذكور، باشرت بعثة ألمانية من جامعة "ساربروكن" بالتنقيب الأثري في الموقع, برئاسة البروفسور "وينفرد أورتمان"، وإشراف معهد الدراسات الأثرية الألمانية في "دمشق"، وقد ركزَّت أعمالها في القطاع "A"، حيث تبين للبعثة من خلال أعمال المسح الأثري التي سبقت عملية الحفر، أنَّ المنطقة السكنية تقع على منحدر وادي النهر، من الجهتين الغربية والشمالية، وتشغل مساحة قدرها /300×400/ م، وقد تركزت أعمال الحفر في المنحدر المطل على النهر، إذ تبين للمنقبين أنَّ الموقع في هذا الزمن قد طرأ عليه تغيرات هامة نتيجة للعوامل الجوية، كما أنَّ المنقبين استطاعوا العثور على سور المدينة، وعلى تحديد المنطقة الأثرية التي سكنت في العصور القديمة على المنحدر الغربي للتل. وفي الجهة الشمالية الغربية من التل تبين أنَّ الموقع كان محصناً بجدار سميك عرضه /25،2/م، ومدعم بأحجار ضخمة لتفادي المخاطر البشرية والطبيعية.

أعمال تنقيب أثرية

وتبين أيضاً, أنَّ هذا الجدار كان مشيداُ على الأرض الحرة مما يعني، أنَّ السكن في هذا الموقع بدأ في أوائل عصر البرونز القديم.. كما أنَّ اللقى الأثرية الفخارية التي تم العثور عليها في المنطقة السكنية, أعطت تأريخاً للموقع بأواخر عصر البرونز المبكر, وعثر المنقبون أيضاً على مقبرة من الفترة الرومانية، تمتد على مساحة واسعة، وتغطي طبقة عصر البرونز المتوسط. كانت أغلب البيوت السكنية المكتشفة تتألف من غرف ثلاث، أو أربع غرف تفصل بينها شوارع ضيقة، ولها أبواب تطل على هذه الشوارع، كما أنَّ مداخل البيوت تؤدي بدورها إلى الفسحة السماوية التي تستقبل، غرف السكن ومستودعات المؤن. وللموقع سور ضخم تتخلله بوابات ضخمة تقود إلى داخل المدينة، ومنها تتفرع أزقة وشوارع تؤدي بدورها إلى دور سكنية، ومبانٍ لحفظ الحبوب، والمواد الغذائية على شكل مستودعات "الشونة"، وفي المنطقة الجنوبية من التل، عثر المنقبون على أساسات من الحجر الكلسي الأبيض، استخدمت لتدعيم مبانٍ كبيرة، يمكن أن تكون معبد المدينة وملحقاته، وبالقرب من هذا المعبد المفترض عُثر على أحجار ضخمة, قد تكون أساسات لمبانٍ مدنية كبيرة.

المـوقـع "B" يشكل هذا الموقع منطقة مهمة جداً لأعمال التنقيب الأثري، إذ نتج عن ذلك العثور على واجهات لمبانٍ مبنية من مادة اللبن المجفف تحت أشعة الشمس تقدر, مساحتها بحوالي /25×30/م، ومطلية بمادة الجبس الأبيض، ولهذه الواجهة انحناءات هندسية، وهناك ممرات ضيقة ملحقة بها، كما أن كافة الغرف المكتشفة في هذا القطاع كانت مدهونة بالجبس الأبيض، وقد تم تأريخها إلى عصر البرونز القديم. وهذا النمط من الدهان له شبيه في معبد "نيننهرساج" في "تل الحريري"، "ماري" على "الفرات" الأدنى.

كانت الاكتشافات في هذا الموقع غزيرة ومتنوعة، حتى أنه يمكن القول إنَّ ما أكتشف في هذا الموقع يمكن أن يعطي فكرة أعم عما كان يحتاجه المواطن آنذاك، وأقصد بذلك عصور البرونز القديمة والمتوسطة, ولقد تضمنت هذه الاكتشافات المئات بل الآلاف من القطع المتنوعة, التي تمثل أوجه مختلفة للنشاطات الحضارية, وفي متحف "الرقة" الوطني مجموعة كبيرة من مكتشفات هذا الموقع، تتمثل بالدبابيس والأسلحة البرونزية والدمى الطينية والفخارية، التي تمثل أشكال بشرية، وأخرى حيوانية مختلفة، يغلب عليها من حيث الكم تماثيل الجاموس والحصان، إلى جانب الجرار، والأكواب الفخارية، التي تتميز برشاقة الشكل ونعومة الصنعة إضافة، إلى جرار فخارية بأشكال فنية رائعة ممهورة باسم صانعيها، وهناك أيضاً المباخر، ونماذج البيوت. أما مجموعة التمائم التي تم العثور عليها في الموقع, فيمكن أن نقول بكل ثقة إنها تمثل تقريباً جميع الأشكال المعروفة من أشكال التمائم، التي استعملت في واديِّ "الفرات" و"البليخ".

وإلى جانب ذلك تم العثور في " تل حلاوة " أثناء أعمال التنقيب الأثري، على مجموعة من المذابح الحجرية المصنوعة من حجر "الألباستر"، وطبعات الأختام، ومجموعة كبيرة من الخرز المنوع التي كانوا يصنعون منه عقود وحلي, يتقدمون بها لمعبد الرَّبَّة "عشتار"، آلهة الصحة والعافية والخصب والخير. كما أنه تم العثور على "فريسكات" رسوم مزينة بألوان زاهية وجميلة، ومنها لوحة قرص الشمس، وهي ما زالت في حوزة البعثة، ولم تسلمها للسلطات الأثرية.