«من النادر جداً أن تجد موقعاً أثرياً في سورية، يمتد بين محافظتين، أي أن يقع قسم منه في محافظة، وقسمه الآخر في محافظة أخرى، ولعلَّ تل "الحميضة" الأثري واحد من هذه المواقع النادرة، حيث أن يقع بين محافظتي "الرقة" و"دير الزور"، إلا أنه يتبع إدارياً لدائرة الآثار والمتاحف في مدينة "دير الزور"».

هذا ما قاله المحامي الأستاذ "محمد إسماعيل الجاسم" لموقع eRaqqa بتاريخ (17/6/2009)، والذي أعد دراسة خاصة عن تل "الحميضة" الأثري، المتاخم لقريته التي يقطنها وهي قرية "مطب البو راشد"، وبسؤاله عن واقع التل، تحدث قائلاً: «يقع تل "الحميضة" الأثري الذي يعود إلى فترة الألف الرابع قبل الميلاد، على الضفة اليسرى لنهر "الفرات"، ويرتفع عن سطح البحر قرابة /220/م، وهو يتوضع على الحد الإداري بين محافظة "الرقة" و"دير الزور"، حيث أن النصف الغربي من التل يقع في المنطقة العقارية "مطب البو راشد" التابعة لمحافظة "الرقة"، أما النصف الشرقي منه فيقع في المنطقة العقارية "جزرة البو حميد" التابعة لـ"دير الزور".

هناك دراسة أعدتها وزارة الري، تهدف إلى إقامة سد في موقع "حلبية" و"زلبية" الأثري، وقد اقترحت الدراسة ثلاثة محاور لإنشاء السد، الأول في موقع "الهرموشية"، والثاني في موقع قرية "الوسعة"، والثالث في موقع "زلبيَّة"، ومن المتوقع أنه في حال تنفيذ السد في واحد من هذه المحاور، سوف تتضرر المواقع الأثرية المحيطة بهذا السد، كتل "الحميضة"، وتل "معدان عتيق"، و"تل القصبي"، وأجزاء من موقع "الهرموشية" وتعد هذه التلال ذات قيمة أثرية كبيرة جداً وخصوصاً تل "الحميضة"، الذي يقع نصفه تقريباً في محافظة "الرقة"، بالرغم من تبعيته إدارياً لدائرة الآثار والمتاحف في "دير الزور"

وهو ذو تربة ردمية، ويبدو من الجهة الغربية والجنوبية شديد الانحدار، وخفيف الانحدار باتجاه الشمال والشرق، وبمجرد وقوف المشاهد على سطح التل، سيشاهد قطعاً من الحجر الفخاري والكلسي، وأوانٍ فخارية متكسرة، وهناك مجموعة من الحفر التي تعتري جدار التل، حيث تبدو من خلالها الأحجار الفخارية، التي تؤكد أثرية المكان بشكل لا يدع مجالاً للشك، حتى لدى الإنسان العادي غير المتخصص، وقد استدل سكان المنطقة على ذلك من خلال حفر القبور لموتاهم، حيث كثيراً ما كانت تصادفهم الكسر الفخارية المتعددة.

مشهد ساحر من فوق تل الحميضة

وتل "الحميضة" يرتفع وسط سهول منبسطة من الجهات الثلاث، الغربية والشمالية والشرقية، أما الجهة الجنوبية فهي محاذية لنهر "الفرات"، ولا توجد هناك مسافة فاصلة بينه وبين النهر، وأغلب الظن، فإن للتل أهمية إستراتيجية نظراً لموقعه المتميز على ضفة النهر، وعلى الطريق البري المحاذي لنهر "الفرات"، وأنه كان محطة مراقبة للسفن التي كانت تعبر النهر بين ضفتيه، وكذلك السفن التي تسير فيه باتجاه جريان مياهه.

ويمكن مشاهدة التل من مسافة بعيدة، نظراً لانبساط الأرض المحيطة به، والمزروعة بالمحاصيل الزراعية، وقد لعبت العوامل الجوية عبر آلاف السنين دوراً كبيراً في تغيير المعالم الأساسية الخارجية لتل "الحميضة"، وقاعدة التل يبلغ طولها من الجنوب إلى الشمال، حوالي /100/م، ومن الشرق إلى الغرب، حوالي /150/م.

هل يكشف المستقبل أسرار هذا التل

ومن الجدير ذكره، أن هناك "سينال" مساحة ينتصب فوق التل، وقد تم إنشاؤه من قبل دائرة المساحة الفرنسية، وذلك خلال فترة الاحتلال الفرنسي لسورية، كما يروي كبار السن من القاطنين حول التل، بأنه كان يوجد بجانب التل مخفر شرطة فرنسي، وبعد الاستقلال شغل هذا المكان مخفر شرطة سوري، وذلك خلال فترة الخمسينيات من القرن العشرين.

كما أن هناك بجانب التل من الجهة الشمالية، منزلاً مبنياً من مادة "اللبن" المصنوعة من الطين المخلوط بالقش، وهو منزل مسقوف بالخشب والقش، ويعود للسيد "عبد الحميد محمد الحواس"، وهو الحارس الفعلي لتل "الحميضة"، والذي يحميه من أيدي العابثين، وقد تم تكريمه من قبل محافظ "الرقة" السيد "أحمد شحاذة خليل" لما بذله من مساعدة لأعضاء الرحلة النهرية من "توتول" إلى "ترقا".

المحامي الأستاذ محمد إسماعيل الجاسم

وأخيراً لا بدَّ من الإشارة إلى أن هناك خطراً كبيراً يتهدد تل "الحميضة" الأثري، حاله كحال بعض التلال الأثرية الأخرى الواقعة في غالبيتها في محافظة "دير الزور"، كتل "معدان عتيق" و"تل القصبي"، بالإضافة لموقعي "حلبية" و"زلبية" الأثريين، حيث أن هناك دراسة لإنشاء سد على نهر "الفرات" بالقرب من الموقعين الأخيرين، ومن المؤكد أن جميع المواقع المذكورة ستغمرها مياه السد».

وفي هذا السياق يقول الآثاري "نورس محمد": «هناك دراسة أعدتها وزارة الري، تهدف إلى إقامة سد في موقع "حلبية" و"زلبية" الأثري، وقد اقترحت الدراسة ثلاثة محاور لإنشاء السد، الأول في موقع "الهرموشية"، والثاني في موقع قرية "الوسعة"، والثالث في موقع "زلبيَّة"، ومن المتوقع أنه في حال تنفيذ السد في واحد من هذه المحاور، سوف تتضرر المواقع الأثرية المحيطة بهذا السد، كتل "الحميضة"، وتل "معدان عتيق"، و"تل القصبي"، وأجزاء من موقع "الهرموشية" وتعد هذه التلال ذات قيمة أثرية كبيرة جداً وخصوصاً تل "الحميضة"، الذي يقع نصفه تقريباً في محافظة "الرقة"، بالرغم من تبعيته إدارياً لدائرة الآثار والمتاحف في "دير الزور"».