يقع "تل الحاج" على الضفة اليمنى لنهر الفرات، وقد غمرته بحيرة "الأسد", وبعد تنفيذ عدة مواسم تنقيبات أثرية فيه بدءاً من عام /1971/ ولغاية /1973/ غمرته مياه بحيرة سد الفرات بالكامل.. ومن خلال نتائج التنقيب الأثري فيه, نستطيع أن نجمل تاريخه بدءاً من الألف الرابع قبل الميلاد ولغاية القرن الخامس الميلادي.

مكتشفات الألفين الثاني والأول قبل الميلاد: المنشآت المعمارية التي ظهرت في المنحدر الشرقي للتل, تعود إلى منتصف الألف الثاني قبل الميلاد, وقد تمثلت هذه اللقى بمجموعة من الدمى الطينية وبعض الأواني الفخارية.. كما عُثر على لوحة للربة "عشتار"، مباشرة فوق القاعدة الحجرية لجدار سور المدينة, ومن المكتشفات الأخرى قالب حجري لكبد بشري، ومنحوتة فخارية تمثل رأس أدمي حليق وملتحٍ, وينظر بعينين واسعتين نحو اليمين إلى جانب مجموعة من دمى الطيور، وربما الحمام البري.

..ويبدو أنّ هذه الفرقة الرومانية المجهولة لدينا حتى الآن، قد اضطرت لمغادرة "تل الحاج" قبل عام /88م/

ويبدو من خلال المكتشفات الأثرية بشكل عام، أنّ التل ظل مسكوناَ دون انقطاع حتى العهد الروماني, وأبانت الحفريات الأثرية التي ظلت مستمرة حتى وقف المنقبون على العهد الروماني, ويبدو أنّ السيطرة الرومانية على المنطقة بشكل عام و"تل الحاج" بشكل خاص, قد أحدثت تغيراً جذرياً في هذا التل، وخاصة بعد توقيع معاهدة السلام بين القيصر "أوغسطس" و"فراتس" الرابع، والتي بموجبها أصبح نهر الفرات حداً فاصلاً بين الدولتين الكبيرتين الفارسية والرومانية, وفي هذا الفضاء الجديد أصبحت مدينة "تدمر" وحاشيتها العسكرية المتمرسة سيدة الصحراء تتحكم بالتجارة بين الشرق والغرب, وفي هذه الفترة بالذات يبدو أنّ قمة التل قد شهدت بناء قلعة تمركزت فيها حامية عسكرية رومانية.

من مكتشفات حوض الفرات

في الموسم التنقيبي للعام /1972م/ فتحت البعثة مجموعة من المربعات في جميع أنحاء التل, ففي المربعين (M 17-M 15) تتبع المنقبون سير الخط الفاصل بين المنطقتين العسكرية والمدنية في الجهة الجنوبية.

وفي ذلك العهد يبدو أنّ السكان قد زودوا مساكنهم بأقنية تصريف من القساطل الفخارية، ويبدو ذلك واضحاً من خلال إزالتهم لجزء من الشارع لتمرير أقنية التصريف هذه. ومن خلال دراسة اللقى الأثرية التي تم العثور عليها في أحد بيوت المدينة الملاصقة للشارع العام من جهة الغرب.

لوحة تزيينية مكتفشة في وادي الفرات

استطاع المختصون بتأريخ هذا المنزل بالقرن الأول ومطلع القرن الثاني الميلاديين.. عند المربع (N-27) الذي فتحته البعثة في الجهة الجنوبية, أخذ سور المدينة المتجه إلى الجنوب يلتف نحو الشرق, ويقوم سور المدينة المشيد من مادة اللبن المجفف فوق أساس من الحجر الكلسي المتين. ويشكل المعسكر الروماني الذي أقيم فوق قمة "تل الحاج" أهمية خاصة بالنسبة للدولة الرومانية في عهد "أوغسطس".

ومن بقايا هذا المعسكر عثر على عدة أكوام من كرات المنجنيق في الجانب الخلفي من سور المدينة, وكل كوم يضم من /10 ـ 15/ كرة, كما عثر المنقبون في مربعات أخرى على عدة لوحات من الآجر مختومة باسم الفرقة الرومانية الثانية مما يؤكد حقيقة أن معسكر "تل الحاج" الروماني يعتبر من المعسكرات الرومانية الهامة. ويؤكد السيد "شتوكي" بقوله: «..ويبدو أنّ هذه الفرقة الرومانية المجهولة لدينا حتى الآن، قد اضطرت لمغادرة "تل الحاج" قبل عام /88م/».

في المربع (M-20) الواقع في خندق السور الذي يلف السور والمدينة, عثر المنقبون على جذع لعمود منحوتة من الصخر الكلسي، وعليه نقوش كتابية باللغة اليونانية, ويبدو أنها تتضمن نصوص قصيرة لأشخاص أسماؤهم يونانية ورومانية، وقد يكون النص للذكرى. وفيما يتعلق باسم المدينة، في العصور القديمة يقول السيد "شتوكي" مدير البعثة الأثرية المنقبة في التل: «..فيما يتعلق باسم مدينة "تل الحاج" في العصور القديمة فإن تكهناتنا.. بأن التل ربما يضم مدينة "إيراجينزة" الواردة في خريطة "بوتنجر" القديمة». (الحوليات السورية الأثرية).

ويبدو أنّ مدينة "إيراجينزة" القديمة كانت تشكل عقدة هامة للطرق التجارية والعسكرية بين سواحل البحر المتوسط والفرات غرباً وشرقاً، إلى جانب أنّ مدينة "منبج" في الغرب، كانت ذات أهمية كبيرة بالنسبة للدولة الرومانية.

في القطاع الشرقي من التل فتح المنقبون مربعين (AZ +/20) ومنهما استخرجت أغلب مكتشفات الألفين الرابع والثالث قبل الميلاد التي تمثلت في جملتها على مجموعة من الكسر الفخارية الملونة، من النوع المصقول والمدهون باللون الأحمر, ونجد عليها زخارف على شكل تزيينات محزوزة وبعضها مزودة بآذان مثقوبة, ومثل هذا النوع من الفخار وجد له مثيل في "تل حبوبة" المجاور لـ"تل الحاج", ويمكن تأريخ هذا الفخار إلى النصف الثاني من الألف الرابع قبل الميلاد من عصر "أوروك"..

ووجد المنقبون مجموعة لقى أخرى، من بينها دمية عيون من الحجر الكلسي يبدو عليها أثار صبغ أحمر اللون بين العينين. وفي منطقة البحث عن مسار سور المدينة ظهر فخار من النوع القديم، وبالتالي فإنه وباحتمال كبير أنّ اتساع المستوطنة الأولى في "تل الحاج" قد تجاوز الـ /300/م تقريباً.

مكتشفات الألف الثالث ق.م: استناداً إلى التقرير المقتضب من السيد "رولف شتوكي", فإنّ المكتشفات التي ترقى إلى الألف الثالث قبل الميلاد قليلة ونادرة, ومعظم ما تم العثور عليه من هذه الفترة, اقتصر على كسر فخارية تعود لأوانٍ يمكن مقارنتها مع ما عثر عليه من كسر مشابه لها في "تل حبوبة"، والمؤرخة بالألف الثالث قبل الميلاد.

إنّ ندرة المكتشفات التي تعود إلى الألف الثالث قبل الميلاد في "تل الحاج", هو مؤشر إلى أنّ التل ربما هُجر وانحط في هذه الفترة، وأنّ السكان قد تراجعوا إلى مكان آخر أكثر أماناً من مستوطنتهم القديمة.