تعتبر دور العرض السينمائي، من المظاهر الحضارية في كافة مدن العالم، فهي من الوسائل الهامة التي تساعد على نشر الثقافة وزيادة الوعي بين الناس، ناهيك عن المتعة البصرية والفائدة الترفيهية لهم، وتعتبر سورية من الدول الرائدة في هذا المجال، على مستوى الوطن العربي، فتكاد لا تخلو محافظة سورية من دور العرض، وفي مدينة "الرقة" كان هناك أكثر من دار للسينما، شكلت على مدى نصف قرن تقريباً، جزءاً من الذاكرة الشعبية لأهالي "الرقة".

موقع eRaqqa وبتاريخ (7/2/2009) التقى الكاتب والمسرحي الأستاذ "بسام الحافظ"، الذي راح يحدثنا عن تاريخ السينما في "الرقة" بقوله: «إن الحديث عن هذا الموضوع، حديث ذو شجون، لا يشعر بمدى أهميته إلا من عاصر ذلك الزمن الجميل، وأقصد به الزمن الذي كانت فيه السينما هي الوسيلة الوحيدة للترفيه الجماعي.

وقد كان دخول السينما في بداية ظهورها، حكراً على الرجال، إلا أن سينما "الشرق" وسينما "الزهراء، قامتا بتخصيص يومي الاثنين والخميس للسيدات، وقد حافظت سينما "الشرق" على هذا الطقس، حتى وقت متأخر، ولم يكن هناك حضور للعائلات إلا في نطاق ضيق، ولم يكن يُسمح للأطفال الذين تجاوزوا سن الثانية عشر، مرافقة أمهاتهم أو أخواتهم إلى السينما، على غرار ما هو متَّبع في حمامات النساء الموجودة في مدينة "دمشق" أو "حلب"

وحكاية السينما في هذه المدينة تعود على ما أذكر، لعام /1955/ حيث تم افتتاح أول دار للسينما في "الرقة"، وقد كان مؤسسها السيد "محمد عبد القادر البرجكلي"، وكانت تدعى سينما "فؤاد"، وهي تقع في منتصف شارع "هشام بن عبد الملك"، مقابل مصرف "التسليف الشعبي" تماماً، أما اليوم فقد حلَّ مكانها مبنى جامعة "الاتحاد" الخاصة.

سينما غرناطة في الأعوام الأخيرة

وكان لهذه السينما أثرٌ كبيرٌ في نفوس أهالي المحافظة، فقبل هذا التاريخ كان الناس ينقسمون إلى قسمين، الأول من سافر إلى العاصمة "دمشق" أو "حلب" أو "حمص"، وزار دور العرض هناك، والثاني من لم تسنح له الفرصة بهذه الزيارة، وبقي يسمع عن أخبار هذه الشاشة العجيبة، من الأشخاص الذين عاينوها بأنفسهم، وهم القسم الأكبر من أهالي المحافظة، فهؤلاء كانت دهشتهم أعظم، وفرحتهم أشد.

وكان الإقبال كبيراً على سينما "فؤاد"، أما روادها فأغلبهم كانوا من أهالي المدينة، ونسبة ضئيلة كانت تأتي من الريف، لمشاهدة أفلام السينما، وقد قام صاحبها "البرجكلي" بافتتاح دار أخرى للسينما في مطلع الستينيات من القرن الماضي، وهي سينما "الشرق" الشهيرة، والتي كانت تطل على مبنى السرايا القديم، والذي أصبح اليوم مبنى متحف "الرقة".

الكاتب والمسرحي بسام الحافظ

ثم تم افتتاح سينما "الوحدة" الصيفي، في عام /1957/، والشخص الذي أسسها كان من عائلة "السويد"، التي تعود بأصولها لمحافظة "حلب"، وإن لم تخني الذاكرة كان يدعى "عبد الوهاب السويد"، وكانت تقع هذه السينما في مكان يتوسط مدينة "الرقة" يُدعى "القلَّة"، والذي يدعى اليوم بـ"دوار الساعة"، ومعنى كلمة "القلَّة" أي الشكل الدائري الذي يشبه الكرة الزجاجية التي يلعب بها الأطفال، وكانت تطلق على التقطيعات النصف الدائرية التي تتخلل سور "الرقة" الأثري، الذي كان يمرُّ في هذه المنطقة، في فترة الخمسينيات والستينيات من القرن المنصرم، وكانت هذه السينما محببة للكثير من أهالي المدينة، كونها غير مغلقة، ولهذا الأمر أهميته، خاصة في فصل الصيف الحار.

وفي عام /1959/ تم افتتاح سينما "غرناطة" في شارع "القوتلي"، ليتم بعد ذلك افتتاح آخر سينما في مدينة "الرقة"، وهي سينما "الزهراء"، وكان ذلك في عام /1960/، وكان صاحبها الحاج "جَدُّوع"، وهي تقع في أشهر شارع في "الرقة" وهو شارع "القنيطرة" والمعروف بشارع "تل أبيض"».

مبنى سينما الزهراء

ويضيف "الحافظ": «وقد كان دخول السينما في بداية ظهورها، حكراً على الرجال، إلا أن سينما "الشرق" وسينما "الزهراء، قامتا بتخصيص يومي الاثنين والخميس للسيدات، وقد حافظت سينما "الشرق" على هذا الطقس، حتى وقت متأخر، ولم يكن هناك حضور للعائلات إلا في نطاق ضيق، ولم يكن يُسمح للأطفال الذين تجاوزوا سن الثانية عشر، مرافقة أمهاتهم أو أخواتهم إلى السينما، على غرار ما هو متَّبع في حمامات النساء الموجودة في مدينة "دمشق" أو "حلب"».

وعن واقع السينما هذه الأيام، يقول "الحافظ": «من المؤسف أنه في هذه الأيام، لم تعد هناك أي دار للسينما قائمة في مدينة "الرقة"، وأعتقد أن ذلك يرجع لسببين رئيسيين، أحدهما دخول جهاز الفيديو إلى المنازل، حيث ساهم هذا الجهاز بتقليص عدد روَّاد دور السينما، أما السبب الثاني والأهم، هو انتشار جهاز "الدش"، والذي كان بمثابة الرصاصة التي أجهزت على هذه الدور، التي رافقت أهالي "الرقة" ما لا يقلُّ عن النصف قرن، فسينما "فؤاد" أغلقت في السبعينيات من القرن الفائت، تبعتها سينما "الشرق" في عام /1981/، ثم سينما "غرناطة" عام /1998/، وذلك إثر تعرضها لحريق هائل، أتى على كل تجهيزاتها، وأخيراً وفي عام /2000/ تم إغلاق سينما "الزهراء"، لتكون بذلك آخر سينما افتتحت، وآخر سينما أُغلقت، وقد تحولت كل من سينما "الشرق" و"غرناطة" لصالات لإحياء الحفلات والأعراس، بينما بقيت سينما "الزهراء"، بعد إغلاقها دونما تغيير، ولم يتم استثمار المبنى لغرض آخر».