«توصف المحافظات الشرقية بأنها سلة الغذاء السورية، فهي تنتج معظم احتياجات القطر من القمح والشوندر السكري والذرة الصفراء، وسواها من المحاصيل الإستراتيجية، وجاءت الخارطة الزراعية السورية لتلبي حاجة السكان من المحاصيل المختلفة من جهة، وتحقق توزعها على كامل مساحة القطر من جهة ثانية، وفق ملاءمة النبات لمناخ وتربة المنطقة.

أبقت الجهات المعنية بالشأن الزراعي، في إطار سعيها للوصول إلى هذه الأهداف، على الزراعات السائدة في كل بيئة مناخية، وكادت سياساتها الزراعية أن تتطابق مع ما هو سائد، وكان نصيب المنطقة الشرقية، تبعاً لهذا التصنيف، زراعة المحاصيل الإستراتيجية، في حين اشتهرت المنطقة الساحلية بزراعة الحمضيات، ومحافظة "إدلب" بالزيتون، والمنطقة الجنوبية بالتفاح والكرز».

لعل أكبر دليل على قدم زراعة الأشجار المثمرة في محافظة "الرقة"، والشواهد الماثلة على ذلك، هي معصرة "بغديك" /100/ كم شمال مدينة "الرقة"، وهي عبارة عن معصرة قديمة نحتت في الصخور، ويعتقد أنها كانت مخصصة لعصر الزيتون أو العنب، وما تزال آثارها موجودة، كما عُثر في المنطقة على جذور أشجار قديمة تدل دلالة أكيدة أن المنطقة كانت عامرة بأشجارها المثمرة منذ قديم الزمان

ذكر ذلك المهندس "حسن السليمان"، مدير زراعة "الرقة"، خلال حديثه عن واقع زراعة الأشجار المثمرة في محافظة "الرقة"، والأسباب الموجبة لمنع زراعتها، والاقتصار على بعض الأصناف المتلائمة مع بيئة المحافظة شبه الجافة.

زراعة المشمش في الرقة

وتحدث المهندس الزراعي "علي الفياض"، رئيس دائرة الإنتاج النباتي، في مديرية زراعة "الرقة"، حول هذا الموضوع، قائلاً: «بررت وزارة الزراعة منعها لزراعة الأشجار المثمرة في المنطقة الشرقية، ومنها محافظة "الرقة"، بعدم ملاءمة الأشجار للمناخات السائدة فيها، وهطولاتها المطرية المتدنية، وحصرت الوزارة المساحات المسموح زراعتها بالأشجار المثمرة، في الأراضي الصخرية التي تزيد معدلات الهطول المطري فيها عن /250/مم سنوياً، وضمن الأراضي المستبعدة في مشاريع الري الحكومية، إضافة للحدائق المنزلية، ودعمت قرارها بأن حاجة القطر للمحاصيل الإستراتيجية المختلفة تأتي في سلم الأولوية، وتتصدر قائمة الاحتياجات الأخرى كالخضروات والفواكه وغيرها.

يبدو قرار الوزارة منطقياً ومقبولاً لجهة تأثير الأشجار المثمرة على الزراعات الأساسية، ولاسيما في المساحات المستثمرة لهذه الغاية، رغم ملاءمة بعض أنواع الأشجار المثمرة لمناخ المنطقة، وهو ما يمكن الاستدلال عليه من تجارب المحافظة في هذا المجال، والتي أثبتت نجاح زراعة بعض الأشجار المثمرة كالزيتون والرمان والدراق والمشمش».

انتشار زراعة الرمان في الرقة

وحول إجراءات الوزارة لمنع زراعة الأشجار المثمرة في المحافظة، وحصرها بالمساحات التي نص عليها القرار، تحدث لموقعنا المهندس "حمد البكار"، رئيس دائرة الإحصاء في مديرية الزراعة، قائلاً: «وزارة الزراعة وإن منعت زراعة الأشجار المثمرة في محافظة "الرقة"، ولكنها لم تهتدِ للآلية الرادعة لمخالفي هذا القرار، وهو ما يتجلى بوضوح في المساحات الشاسعة المشجرة بمختلف الأصناف المثمرة، وخاصة الزيتون، فعدد أشجار الزيتون تضاعف في السنوات الأخيرة، ووصل عددها إلى /1,8/ مليون شجرة مروية، أثمر منها /950/ ألفاً، والأشجار المزروعة بعلاً قرابة /23/ ألف شجرة، أثمر منها /9500/ شجرة، وتتركز معظم هذه المساحات على ضفاف بحيرة "الأسد".

الأشجار المزروعة، ونتيجة لعدم وجود خطة تشجير مثمر في المحافظة، لا تحظى بالعناية والدعم اللازم، ويقوم الفلاح برعاية أشجاره وفق خبراته وإمكاناته المتواضعة، ولا تقدم له الجهات المعنية أي دعم فيما يخص الخبرات الاستشارية، والأدوية والأسمدة العضوية اللازمة لها، وقد قمنا بتوجيه من الوزارة، بمسح شامل للمساحات المشجرة قبل عام /2005/، تمهيداً للحظها ضمن خطط التشجير المثمر في المحافظة».

ويتابع "البكار" حديثه، قائلاً: «المتتبع لواقع التشجير المثمر في محافظة "الرقة"، والدافع وراء سعي الأهالي لتجربة زراعتها، يدرك أمرين اثنين، الأول أن معظم هذه المساحات موجودة ضمن أراضي أملاك الدولة، وسعي الأهالي لتشجيرها لم يكن من باب حب الشجرة، ومردودها الاقتصادي المرتفع مقارنة مع باقي المحاصيل، وأثرها ومنعكسها الإيجابي على البيئة، بل بدافع الاستيلاء على أرضٍ ليست ملكه، وغابت بذلك مساحات واسعة من أراضي أملاك الدولة تحت مظلة الأشجار المزروعة.

السبب الثاني لتوجه الأهالي لزراعة الأشجار المثمرة، جاء بعد موجة الجفاف التي ضربت المنطقة، والتي أثرت بشكل كبير على أدائها الزراعي، ومنعكسها السلبي على مجمل النشاط الزراعي، فكان التوجه نحو زراعة الأشجار المثمرة، كبديل يمكن على الأقل تجربته».

ويقول الباحث "حمصي فرحان الحمادة"، من أهالي مدينة "الرقة": «ليست "الرقة" حديثة العهد بزراعة الأشجار المثمرة، ففي مدينة "الرقة"، وتحديداً في منطقة "ما بين الجسرين"، كانت تزرع الأشجار المثمرة بأصنافها المتعددة، كالزيتون والرمان والدُّراق وسواها، وكانت هذه المنطقة عبارة عن حديقة خلفية ومتنفس لأهالي المدينة، وتمتد على ضفاف نهر "الفرات" وعلى طول المسافة الفاصلة بين جسري "الرقة" القديم والجديد، إلى أن توسعت المدينة وامتد الزحف العمراني ليلتهم هذه الأشجار.

لم تكن منطقة "ما بين الجسرين" الوحيدة التي زُرعت بالأشجار المثمرة، فقد كانت هناك المزارع التي أنشأتها المؤسسة العامة لاستثمار وتنمية حوض "الفرات"، وهي عبارة عن مزارع واسعة زرعت بأشجار الخوخ والرمان والدُّراق والمشمش والسفرجل، وكانت تنتج ثماراً من أجود الأصناف، وقامت المؤسسة لاحقاً بتوزيع هذه المزارع على الفلاحين، واعتماد أراضيها كمساحات شاغرة لزراعة المحاصيل الإستراتيجية».

وتحدث المهندس "مصطفى الحمادي"، رئيس مركز النخيل، في مديرية زراعة "الرقة"، قائلاً: «رغم الانتشار الواسع لأشجار الزيتون في محافظة "الرقة"، إلا أن وزارة الزراعة كان لها رأيها المختلف، إذ سمحت بزراعة النخيل الثمري بدلاً من الزيتون، وعللت ذلك بأن النخيل أكثر ملاءمة للمناطق القاحلة وشبه الجافة من الأشجار المثمرة الأخرى، وتميّز شجرة النخيل باحتياجها المائي القليل، وحددت الوزارة المناطق المسموح بزراعتها بالنخيل على ضفتي نهر "الفرات"، وعلى مسافة من /4ـ 8/ كيلو مترات جنوب النهر، ولتتسع هذه المسافة إلى /60/كم شمال النهر.

أثبتت التجارب نجاح أصناف عديدة من الأشجار المثمرة في المحافظة، وهي تلك التي تتلاءم مع تربة ومناخ المنطقة، وعلى الجهات المعنية أن تدعم زراعة تلك الأصناف، وتحدد بدقة المناطق التي يسمح بزراعتها، دون أن تؤثر على زراعة المحاصيل الإستراتيجية الأخرى، وذلك بعد دراسة فنية معمقة، ومسح إحصائي شامل للمساحات الزراعية في المحافظة، فزراعة الأشجار تنتشر في المحافظة، وبجهود فردية من الفلاحين أنفسهم، دون مراعاة للأصناف المنتجة أو المقاومة لمناخ المنطقة، ودون خبرة في كيفية معالجة العوامل الممرضة ومكافحتها، وعلى الوزارة أن تأخذ دورها في هذا المجال، وإرشاد الفلاح على الأصناف الأكثر ملاءمة من غيرها».

واختتم "الحمادي" حديثه، قائلاً: «لعل أكبر دليل على قدم زراعة الأشجار المثمرة في محافظة "الرقة"، والشواهد الماثلة على ذلك، هي معصرة "بغديك" /100/ كم شمال مدينة "الرقة"، وهي عبارة عن معصرة قديمة نحتت في الصخور، ويعتقد أنها كانت مخصصة لعصر الزيتون أو العنب، وما تزال آثارها موجودة، كما عُثر في المنطقة على جذور أشجار قديمة تدل دلالة أكيدة أن المنطقة كانت عامرة بأشجارها المثمرة منذ قديم الزمان».