يقال بأن معنى اسم "بغديك"، مستمد من كلمة "بغدا" التركية، وتعني القمح، وبتعريب الكلمة إلى العربية يصبح المعنى "قمحانة"، وهناك رأي آخر يقول بأن اسم "بغديك" جاء من "باغ" وتعني البستان، و"دي" وتعني رأى، أي رأى البستان، وتحديداً رأى كرم العنب، لأن أراضي القرية كانت مزروعة بالكرمة، وما يدلل على ذلك وجود آثار لمعصرة خمور في أطراف القرية، وتتوضع على مسافة /2/كم في الزاوية الجنوبية الغربية منها.

وحول موقع القرية، وأهميته، وتركيبة السكان فيها، تحدث لموقع eRaqqa بتاريخ (2/2/2010) السيد "جمعة الأحمد"، رئيس المركز الثقافي العربي في القرية، قائلاً: «تقع قرية "بغديك" شمال غرب محافظة "الرقة" على الحدود السورية التركية، وتبعد عن مدينة "الرقة"، خط نظر حوالي /95/كم، وللسالك طريق "تل أبيض" نحو /130/كم، كما تقع على بعد /30/كم إلى الغرب من مدينة "تل أبيض"، وتعتبر مركزاً للقرى المجاورة لها، وتتبع لها عدة مزارع وقرى أهمها، "مزارع بغديك" الجنوبية، و"المحبة"، و"فلة"، و"كل تبة"، التي تعني بالعربية "تل الرماد"، و"آق باش"، وتعني "الرأس الأبيض"، و"العيدانية".

الموقع هضبتان جبليتان تقعان شرق وجنوب المواقع المذكورة سابقاً، تدل إحداهما أنها كانت مقبرة واسعة، وتدل الثانية أنها منطقة صناعية، ففي الأولى عشرات المدافن، كل مدفن مزود بدرج حجري، يفضي إلى قاعة تطل عليها مصاطب للتوابيت، أغلبها لتوابيت كبيرة، وأقلها لتوابيت صغيرة. مما يدل على أنها مدافن أسرية

وتقع "بغديك" في منطقة زراعية خصبة، يتجاوز معدل الأمطار السنوي فيها حوالي /300/مم، وتشتهر بزراعة القمح والشعير والقطن والكمون والمحاصيل البقولية، ويبلغ عدد سكانها أكثر من ثلاثة آلاف نسمة. ونسبة التعليم فيها جيدة، وفيها إقبال شديد نحو العلم، حيث يتجاوز عدد الطلاب المنتسبين إلى مختلف الجامعات نحو /50/ طالباً، فيهم /15/ فتاة جامعية، وفيها نحو /15/ شخصاً تخرجوا من الجامعات والمعاهد المختلفة، ويوجد في القرية مدرسة للتعليم الأساسي حلقة أولى وحلقة ثانية، ومؤخراً بني ملحق لهما، وعدد الطلاب قرابة /425/ طالباً، وفيها نسبة جيدة من المعلمين من أهالي القرية، وتكاد الأمية تنحصر في كبار السن، ولدي الأشخاص الذين لا تتجاوز أعمارهم /45/ سنة تكاد تكون معدومة.

معصرة الخمور

من مرافق القرية الأخرى المركز الثقافي، والوحدة الإرشادية الزراعية، وهاتف وحيد لعامة أهل القرية، وجامع، ومشروع لمياه الشرب، حيث أن "بغديك" الآن تشرب من ماء الفرات، من خلال مشروع إرواء منطقة "تل أبيض" المتكامل، وهناك مشروع لتشجير جبل "بغديك"، وقد أنجزت مديرية الزراعة قسماً كبيراً منه».

في القرية مواقع أثرية هامة تعود إلى عصور غابرة لم ينقب فيها حتى تاريخه، ويقول عنها الباحث الآثاري "محمد العزو": «بالقرب من قرية "بغديك" تتوضع مجموعة كبيرة من المدافن والكهوف الأثرية، التي تعود إلى الفترة المسيحية المبكرة، وتقول المصادر الأدبية والتاريخية، أنه إبان ظهور الدين المسيحي الجديد، قامت الدولة الوثنية الرومانية بمطاردة كل من اعتقد بهذه الدين، لذلك فرّ الكثير منهم إلى الجبال والبراري المحيطة بالحواضر القديمة، وهناك أقاموا أماكن للعبادة في العراء الطلق، حيث كانوا يمارسون طقوسهم الدينية، كما أنهم قاموا بنحت مساكن لهم في هذه الجبال، وهو النوع الثاني الذي نسميه بالكهوف.

مدخل أحد الكهوف العملاقة

ونتيجة للتقصي الأثري في منطقة "بغديك"، عُثر على ثلاثة أنواع من الكهوف والمدافن، وأماكن العبادة، أولها كهوف السكن العملاقة، وهي منحوتة في الصخر الصلب، على شكل غرف متجاورة، استعملها المسيحيون الأوائل للسكن والمبيت، ولوحظ في داخل هذه الغرف على بعض الإشارات "الأركيلوجية"، مثل "الحنيات" داخل الغرف، كانت تستعمل لوضع الشموع والزيوت، التي كان يستعملها المسيحيون الأوائل.

النوع الثاني كهوف عملاقة، نُحتت أيضاً في الصخر، وسقوفها محمولة على أعمدة عملاقة، منحوتة من أصل الكهوف ذاتها، وفي داخلها مجموعة من الزخارف المنحوتة، والتي ترمز إلى المعتقدات الروحية المسيحية الجديدة، وفي أعلى هذه الكهوف توجد فتحات علوية، تستعمل لجلب الهواء البارد، وطرد الهواء الساخن في فصل الصيف.

شجرة تين نبتت على باب أحد الكهوف

النوع الثالث، وهي المدافن المنحوتة بالصخر، على شكل أقبية، وفيها مجسات في الجوانب الأربعة لهذه المدافن، ويولج إليها عبر فتحة أبعادها /50×90/سم، ويبدو أن هذه المدافن قد نُهبت في فترة الاحتلال الفرنسي لسورية، وهي كثيرة العدد، وتقع إلى الجانب الغربي من قرية "بغديك".

وهنا لابد من الإشارة إلى أن نوع الكهوف التي كانت تستعمل للمبيت قديمة جداً، وتعود إلى فترة ما قبل التاريخ، وقد قطنها الإنسان الأول، ويبدو أنه في الفترة المسيحية المبكرة استعملت من قبل أوائل المسيحيين مع بعض الإضافات الجديدة».

ويتابع "العزو" حديثه في السياق ذاته، قائلاً: «توجد مجموعة من المعاصر المصنوعة من حجر "البازلت"، التي كانت تستعمل في الفترة الرومانية لصناعة الزيوت والخمور، كون المنطقة كانت مشهورة بزراعة أشجار الزيتون والعنب البعلية، وتتوضع بالقرب من جبل "بغديك" المجاور للقرية، ويجدر بالسلطات الأثرية الاهتمام والتنقيب بهذه المنطقة، للعثور على مدافن ومعاصر أخرى، ودراستها، كي ترفد البحث العلمي الأثري بمعلومات جديدة عن هذه المنطقة».

وعن مغاور "بغديك"، وكهوفها في معتقدات أهل المنطقة، يقول "جمعة الأحمد": «مغارة "كن عفتار"، بمعنى وكر الضبع، وتقع على بعد /2/كم، شمال غرب "بغديك"، ولها ثلاثة مداخل رئيسية، ومداخل فرعية أخرى، ولها منور من الأعلى، ومساحتها تصل إلى ثلاثة دونمات، واللافت للنظر أن في كل مدخل من مداخل المغارة شجرة تين نبتت بشكل عفوي، ووجدت حياتها بين هذه الصخور القاسية. وفي أقصاها منافذ تنفتح على بعضها وأدراج وأحواض ومصاطب، ربما كانت للشموع أو للمواقد.

وتقول الحكاية الشعبية عن هذه المغارة، أنه في قديم الزمان كان يعيش ملك ذو قوة عسكرية هائلة، ومُلك واسع، وصيت ذائع، وعند اصطدام مصالحه مع مصالح الملك المجاور له، الذي كانت مملكته في الجهة الشمالية، خاضا حرباً ضروس ضد بعضهم البعض لمدة سنوات عديدة، لم يستطع ملك الشمال القضاء على ملك الجنوب، ففكر في خطة عسكرية محكمة، فقام بحفر نفق كبير بدأ به من شمال المنطقة المرتفعة وطالت مدة حفر هذا النفق حوالي /25/ عاماً حتى تمكن من خرق هذا المرتفع الجبلي الذي يبلغ طوله حوالي /60/ كم تقريباً من الشمال إلى الجنوب، وعبرت قواته عبر هذا النفق في حالة من السرية التامة وطوقوا المملكة بشكل كامل. وتم القضاء عليها.

وحكاية أخرى تقول إن أحد الفلاحين افتقد يوماً اثنين من دوابه، ثور وبقرة، وقال أحدهم أنه رأى البقرة والثور يدخلان هذه المغارة. والغريب أن صاحب البقرة والثور رآهما في قرية قرب المدخل الشمالي لهذه المغارة والمسافة كما أسلفنا /60/ كم.

مغارة "دفه مغار"، أي مغارة الجمل، وتقع في الجبل الشمالي، وللمغارة واجهتان الأولى أوسع من الثانية، وفي الواجهتين عدة مداخل تقودان إلى المغارة التي تنفتح على بعضها بعضاً وتتلاحق، كأنما هي سلسلة من المغارات، ومساحتها لا تتجاوز الدونمين، وامتدادها الطولي أكبر من عمقها، وقد حفرت في الجبل، وتركت أعمدة حجرية ضخمة لتسندها، وتمنع سقوطها، وربما كان هذا السبب الذي جعلها تصمد زمناً طويلاً. آثار المعاول والأزاميل والأدوات المستخدمة في الحفر مازالت موجودة على شكل حزوز غليظة».

وحول المدافن الأثرية، يقول: «الموقع هضبتان جبليتان تقعان شرق وجنوب المواقع المذكورة سابقاً، تدل إحداهما أنها كانت مقبرة واسعة، وتدل الثانية أنها منطقة صناعية، ففي الأولى عشرات المدافن، كل مدفن مزود بدرج حجري، يفضي إلى قاعة تطل عليها مصاطب للتوابيت، أغلبها لتوابيت كبيرة، وأقلها لتوابيت صغيرة. مما يدل على أنها مدافن أسرية».

وعن معصرة الخمور، يتحدث "الأحمد"، قائلاً: «تقع معصرة الخمور الأثرية في الزاوية الجنوبية الغربية من "بغديك"، ويعود تاريخ هذه المعصرة إلى عصور قديمة جداً، وهي عبارة عن قطعة صخرية من البازلت مقسمة إلى عدة أحواض كانت تستعمل لعصر العنب حتى يصنع منه الخمور والنبيذ، ثم تنقل هذه الخمور إلى خزان حجري يقع جانب المعصرة مباشرة، وهو ضيق من الأعلى، وواسع من الأسفل، عمقه حوالي /10/ أمتار، حيث كان يستخدم لتخزين الخمور.

يقال إن المنطقة كانت مزروعة بالعنب حتى أن أحد الكبار بالسن نقلاً عن جد أبيه يقول إنه رأى بقايا أشجار العنب في المنطقة، وحتى الآن آثارها معروفة، وذلك حسب خطوط مستقيمة من الأحجار على التلال المجاورة لمعصرة الخمور الأثرية».