صناعة الفخار شكلت انتقالة حضارية انتشلت البشرية من العصور الحجرية ودفعتها أشواطاً كبيرة إلى الأمام، وعلى طول وادي الفرات الأوسط انتشرت صناعة راقية للفخار المزجج المعروف بالخزف، وخصوصاً في "الرقة" التي ازدهرت فيها هذه الصناعة في العصور الإسلامية لتبلغ الذروة.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 24 آب 2014، الباحث والفنان "عيد الدرويش" من سكان "الرقة"، فيقول: «سادت الرسوم والأشكال الهندسية والنباتية المنمقة الأسلوب في الخزف والقاشاني العباسي، تم تطعيمها بالخطوط والكتابات العربية، ومن شواهد هذا الأسلوب المتقن زبدية يضمها متحف دمشق الوطني، عليها كتابات توضح أنها صنعت في "الحيرة" بالقرب من "الرقة"، وتحمل خصائص تشكيلية تكاملت فيها القيمة الجمالية والدلالية بالقيمة الوظيفية، كما تنوعت أشكال أواني الخزف المنتجة في هذه المنطقة، وظهرت فيها أنواع الزخارف المختلفة من رسوم آدمية وحيوانية وكائنات خرافية».

من أنواع الخزف الإسلامي المعروف نوع ينسب إلى مدينة "الرقة" على نهر الفرات، وقد تداولت أيدي التجار السوريين كميات كبيرة منه امتلأت بها الأسواق، وهي التي تشاهد اليوم في المتاحف والقصور

ويضيف: «كما كانت مدينة "الرقة" السورية من أهم المراكز التي أنتجت الخزف والقاشاني في العصور الإسلامية، وقد حافظت "الرقة" على دورها الريادي في إنتاج هذه الحرف والصناعات والفنون حتى دُمرت على يد المغول العام 1259م.

كتاب حضارة وادي الفرات لوليد مشوح

واشتهرت "الرقة" بصناعة الخزف ويحتوي المتحف على الكثير من (خزف الرقة)، وفي متحف دمشق الوطني نماذج منه تعادل أهميتها خزف "الرصافة"، وخاصة الخزف ذو البريق المعدني المتميز».

ويشير الباحث "وليد مشوح" في كتاب "حضارة وادي الفرات" بالقول: «يستدل من كثرة الأواني الخزفية والزجاجية المختلفة الأشكال والصحون والأباريق والأكواب والدنان والكؤوس والمصابيح وخلافها مما عثر عليه في خرائب "الرقة"؛ على أنه ومنذ أيام العباسيين وحتى في العهدين الأتابكي والأيوبي كانت مركزاً لمعامل خزفية وزجاجية، كانت تكفي حاجة سكان المدينة وتفيض، حيث كانت تصدر إلى البلاد المجاورة».

تحفة من الخزف لفارس الرقة الخزفي

ويضيف "مشوح" بالقول: «كانت صناعة الفخار والخزف والزجاج منتشرة ورائجة؛ ما جعل صناعها في "الرقة" يتزاحمون على إتقانها والتفنن برسومها وكتاباتها وألوانها وأشكالها، والأواني الزجاجية والخزفية التي وجدت في حفريات "الرقة" ذات زخارف خفية وهندسية وملونة، وبعضها ذو زخارف بارزة هندسية وخطية ونباتية».

ويتابع: «هناك أنواع عديدة من خزف الرقة "ذي البريق المعدني"، و"ذي الزخارف"، وتشمل الأواني ذات البريق المعدني على زهريات وأباريق وسلاطين وكؤوس مختلفة الأحجام، وهناك نوع رسمت زخارفه باللون الأسود تحت طلاء أزرق فيروزي، أما ألوان البريق المعدني السائدة فهي البني الداكن وهو من الألوان النادر استعمالها في مراكز صناعة الخزف الأخرى، وتزين أواني "الرقة" زخارف نباتية وكتابات نسخية أو كوفية، وأحياناً رسوم طيور محورة تحويراً كبيراً وجميلاً».

وفي كتاب الفنون الإسلامية لـ"أحمد محمد عيسى" ذكر: «من أنواع الخزف الإسلامي المعروف نوع ينسب إلى مدينة "الرقة" على نهر الفرات، وقد تداولت أيدي التجار السوريين كميات كبيرة منه امتلأت بها الأسواق، وهي التي تشاهد اليوم في المتاحف والقصور».

ويضيف: «إلا أن أبحاث "زره وهرتزفلد" بتلك المنطقة وما عثر عليه من خزف يدلان على أن "الرقة" كانت مركزاً مهماً لصناعة الخزف، ومن الخطأ أن ينسب إلى عصر هارون الرشيد، غير أن زخارفها وآنيتها وأسلوب الرسم تدل على أنها في عصر متأخر، ومن المرجح أنه يعود إلى القرن الحادي عشر وما بعده».

ويشير الآثاري "مقداد شعيب" بالقول: «ينسب الخزف إلى مدينة "الرقة"، ويعود إلى القرنين الثاني عشر والثالث عشر الميلاديين؛ أي إلى العهدين السلجوقي والأتابكي، الخزف طين مشوي بأشكال مصبوبة ومغطاة بدهان أزرق أو أخضر أو ذي بريق معدني، بإضافة أملاح الحديد والأنتيمو إليه، وغالباً ما يكون الخزف مرسوماً فوق الطلاء أو تحت الطلاء، أو مرسوماً بالبريق المعدني، وكان الخزافون يشقون سطح الخزف، ما يحدث فيها فراغات صغيرة يملؤونها بالألوان، ولا تعود أهمية الخزف الإسلامي إلى تقنياته بل إلى رسوماته التي تختصر جمالية الفن الإسلامي، ولقد عثر على أنواع كثيرة من خزف "الرقة" ذي البريق المعدني، وذي الزخارف المرسومة، وهناك أنواع أخرى من خزف "الرقة": نوع رسمت زخارفه باللون الأسود تحت طلاء أزرق فيروزي، وفي المتحف الوطني بدمشق نماذج من خزف مدينتي "الرقة والرصافة" بجميع أنواعه، ولقد استمرت صناعة الخزف في العهد الفاطمي وفي العصرين الأيوبي والمملوكي».