حرفة "صيد الأسماك" ما زالت قائمة على ضفاف "دجلة والفرات"، ويعيش منها الكثير من العائلات ساكني المناطق القريبة من هذين النهرين العظمين.

ومازالت الأدوات المستخدمة في صيد الأسماك عبر مراحل التاريخ الماضية، تستخدم حتى يومنا هذا، ومنها "الفالة"، و"المشحوف"، و"الكفة"، وهي تستخدم كثيراً في مناطق "الرقة، ودير الزور، والحسكة" كأدوات أساسية في عملية الصيد النهري.

يربط الطرف الأول من الشباك بالجرف بواسطة "شيش" من الحديد أو "الإنجر" وهو عبارة عن صخرة كبيرة، ثم يعبر الشبك إلى الطرف الثاني وتوضع في الحبل السفلي من الشباك قطع حجرية يبلغ وزن الواحدة منها من 1/4 إلى 1،5 كيلوغرام، وتبعاً لعمق المنطقة المنصوبة الشباك فيها، أما الحبل العلوي فتوضع فيه "قنينات" حديدية أو فلينية بيضاء، يكون دورها بمثابة سحب الجانب العلوي من الشباك إلى أعلى وانجاز مهمة الكمين

وهنا يقول "علي الطه" لموقع eSyria بتاريخ 18/5/2012 وهو كاتب لكنه يهتم بتربية السمك وصيده ولديه بحيرة اصطناعية في بلدة "مسكنة- حلب" بالقرب من "بحيرة الأسد": «إن لأجدادنا الفضل الكبير في انتشار وسائل الصيد البدائية هذه، وقد كان لهم دور الريادة في افتتاح عالم البحار، حيث ما زلنا نقرأ في كتب الغرب التي تعتمدها كبريات الجامعات العالمية اعترافاً بأن "السومريين" هم أول من سجلوا أساليبهم في التعامل مع الحيوانات النهرية الأخرى بعد اصطيادها، وهم أقدم المجتمعات الزراعية التي تعتمد على النظام الاروائي النهري المتكامل في العالم القديم، وقد ارتبطت علاقة مناطقنا بالأنهر منذ الأزمان البعيدة، ودارت في الأوساط الشعبية أكثر الحكايات حول الأنهر والحيوانات النهرية، وكان التصدي لهذه الحيوانات يأخذ في أحيان كثيرة صورة فانتازية عند المحدثين القدماء، حيث نسمع وباستمرار الكثير من سرد الشيوخ وخاصة أولئك الذين عاقروا النهر وشواطئه واكتسبوا عبر ذلك دراية وخبرة نادرة في التعامل مع المياه، ومنهم من بقي يحتفظ لنفسه بأجمل وأعز الذكريات التي عاشها على ضفاف الأنهر يرتقب نصيبه من الصيد وهو يحتضن شباكه أو يرمي سنارته منذ طلوع الفجر وحتى ساعة متأخرة من الليل، وقد اقترنت هواية صيد الأسماك عند الكثير من هؤلاء بالحرفة، إذ تحولت إلى وسيلة للعيش والكسب المادي، لأنها بذلك قد وفرت كمية كبيرة من الأسماك في وقت تبقى فيه حاجة المستهلك إلى هذا النوع من اللحوم مستمرة بالتصاعد».

منظر من الدجلة من جهة عين الديوار

يتابع "الطه" حديثه قائلاً: «عندما نحاول أن نتوصل إلى فترة ظهور الشباك التي أحدثت تطوراً هائلاً بالنسبة لصيد الأسماك، فلن نتوصل إلى مرحلة أو فترة زمنية محددة، ولكننا نستطيع أن نوافق الرأي الذي ذهب إليه البعض من المعنيين بالتاريخ الحضاري بأن أولى الملاحظات التي انعكست على ذهن الإنسان القديم وأحدثت صورة إبداعية لديه هي صورة بيت العنكبوت وتشكيلته النسيجية، حيث حاول تقليدها ولكن بخيوط من ألياف النباتات أو الأصواف أو ما شابه ذلك، وقد قيل إن هذه الصورة كانت إحدى البدايات التي تركزت في عقل الإنسان القديم وقربه من صناعة النسيج بنفسه، ولما كانت صناعة الشباك ترتبط بقرابة قوية بصناعة النسيج إن لم تكن جزءاً منها فإننا بذلك نستطيع أن نجزم استناداً إلى المعطيات التاريخية بأن السومريين هم أول من عرف صناعة النسيج في العالم وليس ثمة شك في أن للسومريين 2500ـق.م، ومن ثم "الأكاديين" 2300ق.م و"البابليين" 2000ق.م الذين أحدثوا تطوراً كبيراً في هذا النمط الإنتاجي، قدرتهم الفائقة في الصناعات النسيجية وكما ذكرت فإن صلة الصناعات النسيجية بصناعة الشباك كانت قائمة بشكل ما».

وهناك أسماء متعددة للشباك التي تصطاد بها السمك، وهنا يقول لنا صياد آخر يسترزق من هذه المهنة منذ سنين وهو "حسن محمود": «للشباك أنواع كثيرة تتقاطع اسماؤها في مناطق "دجلة، والفرات" وربما حتى في العراق وهي "الدودي" يبلغ ضلع العين في هذا النوع من الشباك 1،5سم تقريباً ويسمى عند الصيادين بالإصبع، وتخصص هذه الشباك لصيد الأسماك الصغيرة الحجم وخاصة "الحرش أبو زريدة" المعروف "بالخشني"، وأيضاً شبك "أبو إصبعتين" ويستعمل لصيد الأسماك الأكبر حجماً بقليل من "أبو اصبع"، أما شبك "أبو ثلاثة أصابع" فتبلغ مساحة العين فيه بقدر ثلاثة أصابع ويستعمل لصيد الأسماك التي يتراوح وزنها ما بين ربع كيلو غرام ونصف كيلو غرام تقريباً، ويوجد أيضاً "ساف 11"، وسمي بهذا الاسم لأن كل 11 عيناً تكون مرتبة بامتداد طول ذراع واحد تقريباً، ويستعمل لصيد الأسماك التي يبلغ وزنها ما يقرب من كيلو غرام واحد، أما "العشيري" وسمي بهذا الاسم لأن كل عشرة عيون تكون بامتداد طول ذراع واحد، ويستعمل لصيد الأسماك التي تصل وزنها الكيلو ونصف الكيلو غرام، وهكذا هناك "التسعيني والثميني والسبيعي والستيني" والأخيرة تحتوي على ستة عيون في الذراع الواحد، وتستعمل لصيد الأسماك الكبيرة التي يبلغ وزن الواحدة منها ثمانية كيلو غرامات فما فوق».

صيد السمك في الفرات

وفي العودة إلى ضفاف "الفرات" وشباكها يقول الصياد "خلف الحديدي": «إلى وقت قريب كانت الشباك تحاك من قبل بعض الناس المتخصصين، وقد تستغرق صناعة الشبك الواحد مدة تتجاوز الثلاثة أيام عند الحيّاكين الماهرين، وقد صنعت من قبل بخيوط قطنية جيدة النوع مبرومة بشكل متين ولكنها استبدلت بعد ذلك بخيوط النايلون التي لم تبد مقاومة جيدة لقوة اندفاع الأسماك وخاصة الكبيرة منها، لذلك فقد تحول الحيّاكون إلى استخدام خيوط "البروشوت"، التي تستعمل في صناعة المظلات وهذا النوع من الخيوط يعتبر من أجود أنواع الخيط تقريباً، وتوجد استعمالات متنوعة للشباك المتخصصة بصيد الأسماك منها "المحير" وهو عبارة عن شباك طويل يعمل له أكياس من ذات الخيوط المستعملة في حياكته ويربط به حبلان أحدهما علوي والآخر سفلي، فالسفلي يحمل كمية كافية من الرصاص الذي يساعد على تغطية الشباك ويمنع مرور الأسماك من أسفله عند السحب، أما العلوي فيكون دوره طوفان الجانب العلوي من الشباك، "الطيار- الطواف" يستعمل هذا النوع أثناء جريان الماء حيث يرمى باتجاه هجرة الأسماك وبعكس التيار فترتطم به ثم تسهل عملية صيدها وسحبها، "السلية " وتكون مخروطية الشكل، ضيقة جداً من الأعلى ما بين 10ـ15 سم .

أما من الأسفل فيكون قطرها حسب الحاجة ويوضع في الجزء الأسفل منها كمية من الرصاص ما بين إبهام وآخر كما تحتوي على حبل في وسطها مربوطة بحبل ويقوم الصيادون بتصفيتها ثم رميها بقوة فتذهب على شكل دائرة محكمة».

صيد السمك في الدجلة

وعن كيفية نصب الشباك أو "الكمين" للصيد يقول "الحديدي": «يربط الطرف الأول من الشباك بالجرف بواسطة "شيش" من الحديد أو "الإنجر" وهو عبارة عن صخرة كبيرة، ثم يعبر الشبك إلى الطرف الثاني وتوضع في الحبل السفلي من الشباك قطع حجرية يبلغ وزن الواحدة منها من 1/4 إلى 1،5 كيلوغرام، وتبعاً لعمق المنطقة المنصوبة الشباك فيها، أما الحبل العلوي فتوضع فيه "قنينات" حديدية أو فلينية بيضاء، يكون دورها بمثابة سحب الجانب العلوي من الشباك إلى أعلى وانجاز مهمة الكمين».

أما بالنسبة لصيد الأسماك فيقول عنها الصياد "حسن محمود": «توجد بعض الطرق المحلية المنتشرة على نطاق ضيق جداً في قطرنا وبعض هذه الطرق أبطل العمل بها لما تجلبه من مخاطر على حياة الثروة السمكية من جهة وحياة الناس من جهة أخرى، منها "الزهر" وهي عبارة عن مادة نباتية وتمزج بالعجين ثم ترمى في الماء على شكل كرات صغيرة، بعد ذلك تتلقفها الأسماك حيث يؤدي تناولها إلى التسمم والطوفان فيتم اصطيادها بسهولة، وهذه الطريقة كما قلنا أصبحت غير محببة وممنوعة وقد انقرضت على مر الأيام، والطريقة الأكثر تقليدية وهي "السنارة " حيث يوضع بعض الطعام في رأس "السنارة" ثم ترمى في الماء وبعد وقت تأتي السمكة حيث تضع الطعام ورأس "السنارة" في فمها ثم تطبق عليه بفكيها، وعند ذلك يصعب عليها التخلص من الرأس المعقوف للسنارة فتحاول الخلاص ولكن دون جدوى، وبحركتها المستميتة تنبه الصياد فيسحب خيط "السنارة" شيئاً فشيئاً إلى أن يمسك بالسمكة، وهذه الطريقة أكثر الطرق شيوعاً والتي يعتمدها هواة الصيد، وهي طريقة محببة وجميلة إلى حد بعيد، وهناك أيضاً "القنبلة" حيث ترمى "القنبلة" إلى الماء فتحدث انفجاراً هائلاً وعلى أثر ذلك ينفجر الكيس الهوائي الموجود في جوف السمكة فيختل توازنها وتطفو على السطح وكأنها ميتة لا حراك فيها، فتسهل بذلك على الصيادين عملية الإمساك بها، وهذه الطريقة كالأولى أصبحت غير محببة وممنوعة وكذلك مضرة بالثروة السمكية".

أما عن أنواع الأسماك التي تعيش في نهري "الدجلة والفرات" فيقول "الحديدي": «هناك "الشبوط" ويصل وزنه إلى 50 كيلو غراماً، ويقتات على الأسماك الصغيرة وأحسن أنواع العلف. و"البني" الذي يصل وزنه إلى 8 كيلوغرامات تقريباً، ويقتات على الحشرات ويكون نهماً يأكل السرطانات ويعيش في المياه العذبة ويحب المياه الراكدة ويعتبر من أجود الأسماك وأكثرها فائدة، وهو سريع التكاثر والنمو. و"الحمري" ويكثر في مناطق ذات المياه الراكدة، ويصل وزنه إلى 2,5 كيلو غرام، كذلك هناك "النباش" الذي يعيش في المياه العذبة، ويتغذى على الحشرات ويصل وزنه إلى 25 كيلو غراماً، و"الخشني" الذي يعيش في أغلب المياه العذبة والمالحة، و"الجري" ويعيش هذا النوع من الأسماك في المياه العذبة، ويتغذى على الأسماك الصغيرة بصورة رئيسية وكذلك على اللحوم والنفايات وهذا النوع لحومه لذيذة جداً، أما "أبو السقنقور" فيعيش في الأنهار ويكون جلده أملساً خالياً من الحراشف والأصداف، ولا توجد عليه طبقة لزجة ويصل وزنه إلى 8 كيلوغرامات».