الرواية الواقعية وصولاً إلى الطبيعية هي الرواية القادمة

"خيري الذهبي" هو الكاتب العربي السوري الذي توزعت أعماله بين القصة والرواية، وخاصة الرواية ومنها ثلاثيته: "حسيبة"، "فياض"، "هشام"، وروايات: لو لم يكن اسمها "فاطمة"، وفخ الأسماء، وصبوات "ياسين"...

بأنها تتشوف المستقبل، وتعتقد أن الرواية القادمة هي التي تحفل بالروح الرومانتيكية، ذلك أننا نبحث عما لا يتوفر لنا

والكاتب أشهر من أن يعرّف فهو من الكتاب الأكثر حضوراً في المشهد الروائي العربي عامة، وفي المشهد الروائي السوري خاصة، التقيناه على هامش مهرجان "العجيلي" الرابع للرواية العربية في "الرقة"، وكان لنا معه بتاريخ (4/12/2008) الحوار التالي:

خيري الذهبي خلال مشاركته بمهرجان العجيلي الثالث للرواية

ما القادم: الواقعية أم الرومانسية؟

  • طرحت الناقدة "شهلا العجيلي" رأياً تقول فيه: «بأنها تتشوف المستقبل، وتعتقد أن الرواية القادمة هي التي تحفل بالروح الرومانتيكية، ذلك أننا نبحث عما لا يتوفر لنا»، فهل نستطيع أن نحدد القادم في بطن الأيام؟!
  • الذهبي مكرماً في مهرجان العجيلي الرابع للرواية

    ** ماذا تقصد بالرومانسية بالتحديد، وهو مفهوم عريض لم يتفق على تعريفه؟ المصطلحات الأدبية فضفاضة، ويمكن أن تتناولها من الجهة التي تريد، أما أنا فأعتقد أن المستقبل في العالم العربي على الأقل، وهو عالم لم يستنفذ بعد إمكاناته الدرامية والفنية، سيكون للرواية الانتقادية واليوتوبية، وهما نوعان يحلان حالياً محل العلوم الاجتماعية التي لم تتجذر بعد في عالمنا الثقافي، لذلك سنرى الروائيين يتنطحون لسد هذه الفراغات، أما الرومانسية بمفهوم القرن التاسع عشر، فأظن أن المصطلح كما وضع آنذاك لم يعد له معجبون كثر.

  • لا أعتقد أن الناقدة استخدمت مفهوم الرومانتيكية بمعناه التاريخي المدرسي.
  • ** أعتقد أن ما قيل هو قفزة في الفراغ وليس استقراءً حقيقياً، وقراءاتنا للرواية العربية المعاصرة تدل على تنطح الروائيين لكتابة رواية أكثر واقعية تصل أحياناً عند بعض الكتاب إلى الطبيعة.. وما العناوين التي يطرحونها تحت اسم كسر المستور أو الكتابة عن المسكوت عنه إلاّ تنويعة على الواقعية بإعادتها إلى الطبيعة التي تجاوزتها كثير من المدارس المعاصرة والكتابات المعاصرة.

    تميل الرواية الآن عالمياً إلى مناطحة التاريخي ومناطحة الفلسفة، بل تذهب إلى مناطحة علم الأديان المقارن أكثر مما تميل إلى (الروائية) في الروائية، وما قراءتنا لـ(اسم الوردة)، و(اسمي الأحمر)، و(شيفرة "دافنشي")، إلاّ تأكيداً على ما يقرأه العالم الآن، إنه لا يقرأ الروائية في الرواية، وإنما الرواية الانتقادية أو اليوتوبية.

    الروايات الكبرى أساطير عصرية

  • هل تغادر الرواية الواقع باتجاه الحلم أو الأسطورة أو العالم الذهني أو التشظي والتفتت.. أيتم ذلك حقاً؟ وهل هذا الذي يتم لأسباب فنية أم موضوعية؟
  • ** هذه المغادرة من ناحية الشكل، أما من ناحية المضمون فالأمر كما أسلفت: ما يحدث الآن أكثر هو محاولة لإعادة قراءة التاريخ، أو استشراف التاريخ روائياً، وليس ترك الأمور للكاتب الذي كان يجلس في غرفته، ويغلق عليه الباب ليخلق عالماً رومانسياً، لا تتجلى فيه الدراسة أو البحث، كما يحدث الآن في الروايات الأخرى، فهل (مئة عام من العزلة) رواية روائية، أم أنها قراءة روائية للتاريخ؟ وهل (طبل الصفيح) رواية روائية، أم هي قراءة روائية للتاريخ بعيداً عن روائية الرواية؟!

  • تعمل في القصة القصيرة على استخدام الأسطورة كثيراً، حتى أن القصة التي لا تقوم على عالم أسطوري، تجعل لها بناءً أسطورياً، فإذا كان اختيارك الفني في القصة القصيرة، فما هو اختيارك أو جوابك في الرواية؟
  • ** ربما كانت الأسطورة في البداية هي رواية مبكرة، فهي شكل من أشكال الرواية، لم يكونوا يعرفون أن ثمة رواية فوضعوا رؤيتهم في أسطورة.

    معظم الأساطير الكبرى الموجودة في التراث العالمي هي رؤية ما ليست فردية هذه المرة، بل يضعها عدد من الكتاب (وكلمة كتاب هنا فيها تسرع بعض الشيء)، لكن هذه الرواية المبكرة التي نسميها الآن أسطورة، كانت قد أخضعت لعدد من التنقيحات والتعديلات، كل حسب عصره حتى وصلت إلينا في نصها الأخير لننظر إليها من علٍ، ونقول إنها أسطورة، والحقيقة أنها رواية في تشكلها المبكر.

    على الجانب الآخر تستطيع أن تقول: إن الروايات الكبرى المعاصرة هي شكل من أشكال أساطير عصرية، وربما سيقرؤها غيرنا، فيقول إنها أسطورة القرن العشرين، وربما لو قرأها أجداد لنا قبل ألفي سنة لقالوا: إنها أساطير قوم آخرين.

    طبعاً أنا أتكلم عن الروايات الكبرى التي تستطيع عبور غربال التاريخ والضرورة والإفادة، وعلينا أن نؤمن أن كثيراً من الأساطير قد ضاعت في غربال التاريخ، أما ما بقي لنا فهو ما صمد على الزمن.

    أنا أعرف أن هذا الكلام فيه الكثير من التعسف ولكنه رأي أو قراءة، أو وجهة نظر.