«ولدت في قرية" كسرة مريبط"، الغافية على كتف "الفرات" الساحر، فاختزنت مسامات جسدي طعم طينها، وأنفاس حقول القطن الممتدة كبساطٍ أخضر من أطراف القرية حتى جفون نهر "الفرات"».

هذا ما ذكره لموقع eRaqqa الشاعر الشعبي والنسّاب العربي "إسماعيل الكدي", ولمعرفة المزيد عن بداياته في مجال الشعر، تحدث قائلاً: «ختمت القرآن الكريم على يدي والدي رحمه الله، وأنا ابن ست سنين، ثم دخلت المدرسة وأنا في السابعة من عمري، وقد كانت قراءتي للقرآن هي الأساس في تنمية ذائقتي الأدبية، حيث كنت أتلذذ بسماع القصص المروية بين دفتي المصحف الشريف، واستمتع بقراءة الآيات التي لها نغمة موسيقية ثابتة.

إن ملازمتي لوالدي في مجالس الرجال؛ حيث يتكلمون عن الأنساب والشعر/الكصيد/، فكانت تلك المجالس اللبنة الأولى لاهتمامي بالأنساب، ولقد صدرت كتب عدة عن الأنساب في "الرقة"، واختلط الحابل بالنابل في بعضها مما حداني إلى كتابة الأنساب وحصرها في كتاب أطلقت عليه "عناقيد الذهب"

ورثت عن والدي عشقه للموروث الشعبي، حيث كان يحفظ الشعر "النبطي" و"العتابا" و"الموليَّا"، وكانت أول قصيدة أكتبها، هي من لون "الموليَّا"، وكان عمري يومها خمسة عشر عاماً، وأقول فيها:

من إحدى مشاركاته الأدبية

مكـتـوب منك لفى يـا خـوي بجَّانـي/ ودمعي زواعج مطر بأيـام نيساني

هات الورق والقلم وأكتب عن لساني/ ما فوّت من عشرتك يا صافي النيَّة

الشاعر اسماعيل الكدي

وقد لقيت إثرها، تشجيعاً كبيراً من والدي ومن أصدقائي، الذين راحوا يتناقلون هذه الأبيات فيما بينهم، وبدأت في هذه المرحلة أقرأ ما تيسر من كتب التراث العربي، والتي كنت أعاني كثيراً في الحصول عليها آنذاك، وعملت جاهداً على حفظ أكبر عدد من أبيات الشعر العربي، حيث لا أنسى أبداً مدرس اللغة العربية في مدرستنا، حين قال لي: من أراد أن يكون شاعراً جيداً، يجب أن يكون قارئاً جيداً للشعر وحافظاً له».

ويتابع "الكدي" حديثه قائلاً: «تأثرت كثيراً في تلك المرحلة، بأشعار" نزار قباني"، وكانت تدهشني طريقته الفريدة في قول الشعر، وامتلاكه للمفردة الجريئة، كما أعجبت كثيراً بما كتبه الشاعر المصري "عبد الرحمن الأبنودي"، والذي غنى أشعاره كبار الفنانين في مصر، ومحلياً تعجبني كثيراً قصائد شاعر "الرقة" الشعبي "محمود الذخيرة"، الذي أغنى الشعر الشعبي من خلال الصور البيانية الرائعة التي تتضمنها قصائده».

وعن نتاجه الشعري، ومشاركاته الأدبية، يحدثنا "الكَدي": «يعكف الآن الشاعر "محمود الذخيرة" على انتقاء عدد من قصائدي لأجمعها في كتاب مطبوع، كما أن مشاركاتي الشعرية، مقتصرة على بعض الأمسيات الشعرية في المراكز الثقافية، أما كتاباتي فهي تشمل الشعر الشعبي، والفصيح وأغاني الموروث الشعبي، وقد تعاونت مع منظمة طلائع البعث، وكتبت عملين شعبيين لفرع "الرقة"، فاز أحدهما بالمركز الأول على مستوى القطر، وكنت ضيفاً على البرنامج التلفزيوني المرافق للمهرجان، إثر فوز العمل بالمركز الأول، وقمت بكتابة عمل للطلائع أيضاً، شاركوا فيه باسم سورية في مهرجان أطفال أرمينيا».

وعن رأيه بالواقع الثقافي لمدينة "الرقة"، يقول "الكَدي": «تشهد "الرقة" حراكاً ثقافياً متميزاً في السنوات الأخيرة، حيث أقامت مديرية الثقافة في "الرقة" العديد من المهرجانات والمسابقات الثقافية الهامة، كمهرجان الشعر العربي ومهرجان "العجيلي" للرواية، ومهرجان "الرقة" المسرحي، وغيرها الكثير من الفعاليات، التي تم من خلالها استضافة نخبة من الأدباء والفنانين من كافة أنحاء العالم، مما أتاح الفرصة لجمهور "الرقة" بالجلوس إلى موائدهم الأدبية، والتحاور معهم لإغناء الذائقة الفنية والأدبية لأبناء هذه المحافظة».

على الرغم من تمدن الحياة وتطورها ستظل القبيلة الشمس التي لا تغرب من ذاكرتنا الشعبية. وعن كتاباته لأنساب قبائل "الرقة" يقول "الكدي": «إن ملازمتي لوالدي في مجالس الرجال؛ حيث يتكلمون عن الأنساب والشعر/الكصيد/، فكانت تلك المجالس اللبنة الأولى لاهتمامي بالأنساب، ولقد صدرت كتب عدة عن الأنساب في "الرقة"، واختلط الحابل بالنابل في بعضها مما حداني إلى كتابة الأنساب وحصرها في كتاب أطلقت عليه "عناقيد الذهب"».

ويضيف "الكدي": «أحصل على معلوماتي من أمهات التاريخ مثل، "فتوح الشام" أمّا المعلومات عن الجد الخامس عشر أستقي المعلومات من الروايات الشفهية المتواترة، التي يتم تناقلها عبر النسّابين والحفظة من الرجال وأيضاً من النساء الطاعنات في السن.

وهنا لابد من التأكيد أنه لا يمكن الاعتماد على رواية منفردة في كتابي بل أعتمد على تقاطع المعلومات، حتى أنني اضطررت للسفر إلى محافظات عدة حتى أحصل على المعلومة المؤكدة».

ومن قصائده الشعرية اختار لنا "الكدي"

"قراءة في سورة يوسف" (النير فانا):

رئتاي المشرعتان/ كخيمة بدوي في جهة الريح

تزحف في أثر العطر/ على مفترق الألوان

وقلبي العارف/ درب اللذة

يحرث إعصاراً في سر الزمان

تنير بوجهي/ قاع البئر ويطفئه ظمأ الركبان

ويدك المحمومة/ لقد قُدَّ قميصي من قُبُلٍ

تثير جنون البرق/ بأخيلة الرهبان

يذكر أن ّ الشاعر النسّاب "إسماعيل الكدي" من مواليد عام /1963/ في "كسرة مريبط"، والتي ما يزال يتنفس غربتها شعراً، فهي حاضرة دائماً في ذاكرته.