المعهد "العالي للعلوم التطبيقية والتكنولوجيا" يعمل على إعداد مهندسين على مستوى عالٍ من الكفاءة الأكاديمية، والعلمية المختصة، ويختار المعهد العالي طلابه من المتفوقين في الشهادة الثانوية العامة، الفرع العلمي من بين /15/ الأوائل على القطر، ويعتبر "محمد الحميدي" بحصوله على شهادة الهندسة بنظم الاتصالات، أول رقي يتخرج من هذا المعهد حاملاً هذه الدرجة العلمية رفيعة المستوى، لا بل هو من الأوائل على دفعته، وهو حالياً يتابع دراسته العلية في ألمانيا، للحصول على درجة "الماجستير" بالمرحلة الأولى، ثم "الدكتوراه" في مجال تخصصه.

وقد تواصلنا معه عبر بريده الإلكتروني، والذي ابتدأ حديثه عن أسرته، ودورها في مسيرته العلمية، فقال: «حملت والدتي عبء الإشراف على متابعة دراستي، حيث كان والدي يعمل بإحدى دول الخليج العربي، ولكن رغم ذلك كان حاضراً بهداياه التشجيعية، ورسائله التي كانت تصلني دوماً، والتي كانت تحمل بين سطورها التشجيع والتأكيد على متابعة دراستي.

أنا أحب الموسيقى وأعزف على آلة "الفلوت"، ومنذ الدراسة الثانوية أمارس هواية التصوير الضوئي، حيث كانت هدية النجاح التي قدمها لي والدي كاميرا تصوير فوتوغرافية

في مسابقات الرواد كانت النتائج التي أحصل عليها تثلج صدر أمي، وأرى الحبور بادياً على محياها. رغم أنها لا تجيد القراءة والكتابة، لكنها كانت دائماً تصر على تنظيم الوقت، والاهتمام بالواجبات المدرسية أولاً بأول.

الحميدي في أحد كرنفالات ألمانيا

هكذا أمضيت مرحلة الدراسة الابتدائية والإعدادية، وأنا أشعر أن هذه المتابعة الجدية والحثيثة، وهذا التكاتف الأسري قد حملتني مسؤولية النجاح والتفوق منذ الصغر».

وعن دخوله للمعهد العالي، ودراسته فيه، يقول "الحميدي": «منذ أن كنت في الصف الثاني الثانوي أصبح دخول المعهد هدفاً لي، فلقد كان أحد المدرسين وهو "نزار الحموي" يحدثني كثيراً عنه، ويوجهني للدخول فيه، وأقنعني بأنه يناسبني كثيراً، وفي عام /2001/ حصلت على الثانوية العامة، الفرع العلمي، بمجموع قدره /218/ درجة عدا عن علامة التربية الدينية، وبالفعل قررت الدخول للمعهد.

الحميدي في دارمشتات الألمانية

في البداية كانت رغبة الأهل مختلفة نوعاً ما عن رغبتي، حيث كانوا يريدون مني التسجيل في كلية طب الأسنان، وذلك لأنهم لا يمتلكون أدنى فكرة عن المعهد، ولكن فيما بعد وافقوا بعد أن علموا أنه يوفر بيئة علمية مناسبة للدراسة والنجاح.

لم تكن السنة الأولى في المعهد بالسهولة التي توقعتها، كوني كنت معتاداً على أسلوب الدراسة الثانوية في التحضير والامتحان، ولكن مع مرور الوقت اعتدت على هذا النمط الجديد، حيث كان هناك ثلاثة فصول خلال العام الدراسي الواحد، وكل فصل فيه من ست إلى سبع مواد، ولا يوجد عطلة ما قبل الامتحان، وكنا نتقدم للامتحان لكل فصل بمدة زمنية لا تتجاوز الأسبوع، أي يومياً نقدم مادة على عكس الجامعات الأخرى حيث كانت مدة الامتحان حوالي الشهر.

الحميدي مع طلاب الجامعة في دارمشتات

ونظراً لكثرة المواد، وقصر مدة الامتحان، ولأنه لم يكن هناك مجال للرسوب كما في باقي الجامعات، حيث أنه لا يسمح للطالب بالرسوب إلا مرة واحدة في السنة الأولى، ومرة في باقي فترة الدراسة، فكان لابد من تنظيم الوقت تنظيماً دقيقاً من أجل النجاح، فكنت أدرس المحاضرات بنفس اليوم الذي نأخذها فيه، فلا مجال هنا لتأجيلها إلى اليوم التالي، لأنه سيكون هناك محاضرات جديدة، وبسبب هذا التنظيم، وهذه المتابعة التي بذلتها منفصلاً عن العالم الخارجي مكباً على دراستي ومحاضراتي، ولأني وضعت التفوق نصب عيني وهدفاً حياتياً لي، جاءت نتائجي ممتازة بكافة المواد، ونجحت كل سنة بسنتها، وتخرجت بدرجة التفوق، وكان ترتيبي هو الثاني على الدفعة التي تخرجت معي، والأول على سنة التخرج، على الرغم من دخولي المعهد شرطياً، لأن درجاتي بالثانوية لا تخولني الدخول المباشر إلى المعهد، حيث كانت أقل درجات زملائي ممن دخلوا معي للمعهد».

وعن شعوره لدى سماعه بخبر تفوقه، يقول "الحميدي": «لا يمكن أن أصف لحظة التخرج، والحصول على الترتيب الثاني بين زملائي، كانت حقا لحظة لا يمكن وصفها لأنها من أعظم لحظات حياتي أهميةً، لا بل أنها كانت محصلة لكافة سني عمري السابقة، ونتاج لتعبي وسهري ودراستي، كانت لحظة إعلان النتائج صعبة بالنسبة لي، أحسست أن الزمن قد توقف، وأن الثواني والدقائق أصبحت ثقيلة وبطيئة.

أول من أخبرتهم بتفوقي ونجاحي هم أهلي، فلم تكن فرحتهم تقل عن فرحتي لأنهم كانوا ينتظرن مثلي هذه اللحظة بفارق الصبر».

وعن اختياره ألمانيا دون غيرها من الدول الأوربية لمتابعة دراسته العليا فيها، يقول "الحميدي": «بعد التفوق وحصولي على شهادة الهندسة بنظم الاتصالات، بقي علي أن انتظر قرار الإيفاد لمتابعة الدراسات العليا خارج سورية، وعندما صدر هذا القرار كنت قد جهزت نفسي، وحزمت أمري للدراسة في ألمانيا، وقد اخترت ألمانيا دون غيرها من الدول الأوربية، وذلك لأن الجامعة التي أقصدها كان تقييمها متقدماً جداً في مجال تخصصي على بقية الجامعات الأوربية والعالمية، ولأن الحصول على تأشيرة الدخول إلى ألمانيا كان أسهل من غيرها من الدول، إضافةً لذلك تشجيع بعض الأصدقاء الألمان ممن تعرفت عليهم في سورية».

وعن لحظة وصوله إلى ألمانيا، وانطباعاته عنها، يقول "الحميدي": «كنت أنتظر بفارغ الصبر لحظة الوصول إلى ألمانيا، وعندما حطت الطائرة بأرض المطار في مدينة "فرانكفورت" الألمانية، غمرتني فرحة لا توصف، أنا ذاك القادم من مدينة بسيطة مثل "الرقة"، متواضعة بأبنيتها، لكنها بالمقابل عظيمة بتاريخها، زاخرة بأوابدها الأثرية العظيمة التي تحكي تاريخ البشرية عبر العصور، والتي كانت في يوم ما تضاهي روما بمكانتها وعراقتها.

أذهلتني "فرانكفورت"... نعم أذهلتني بروعة بنائها، نظافة شوارعها الممتدة، وتنظيم أبنيتها وحدائقها، أبراجها العالية، وكان أروع من ذلك طبيعتها التي تخلب الألباب، فعلى الرغم من تطورها العمراني الذي لم يكن على حساب رقعتها الخضراء، فكأنها جنة الله على الأرض، فكل ما فيها ملفت للانتباه حتى الجدية التي تبدو على وجوه أهلها، وتقاطيعهم الجرمانية المعتزة بذواتهم، تجعلك تكن لهم كل الاحترام، فهم لا يستسيغون منك محادثتهم سوى بلغتهم».

وعن المدينة التي يعيش بها حالياً، يقول" الحميدي": «أعيش الآن بمدينة صغيرة وهادئة، وأبنيتها كلاسيكية على الطراز القديم اسمها "دارمشتات"، وهي مدينة تقع في ولاية "هيسن" الألمانية، وتشتهر بوجود جامعتها التقنية، وهي الجامعة التي أدرس فيها وتحمل نفس اسم المدينة، وهي من أقوى جامعات ألمانيا وأوربا في المجال الهندسي والتقني، وتبعد عن مدينة فرانكفورت بحوالي 20 كلم».

وعن أهمية التعرف على اللغة الأجنبية في التواصل مع الأوربيين، يقول" الحميدي": «كل من يقرر السفر إلى بلاد أجنبية، أول ما يجب أن يؤمنه لهذه الغاية هو تعلم لغة أهل هذا البلد، لكي يستطيع التواصل مع الناس هناك والتعايش معهم، ولذلك كنت منذ سنتي الدراسية الثالثة، أخضع لدورات في اللغة الألمانية في المركز "الثقافي الألماني" في "دمشق" وقبل السفر كنت قد أتقنت اللغة الألمانية بشكل جيد، إضافة إلى اللغة الانكليزية، وهذا ما سهل تواصلي مع الألمان، وذلل صعوبات دراستي».

وعن رأيه بالمغترب السوري في بلاد الاغتراب، ودوره هناك، وحنينه لوطنه الأم، يقول "الحميدي": «لا يوجد الكثير من السوريين بالمدينة التي أعيش فيها، ولكني أعرف عدداً منهم يعيشون في بعض المدن الألمانية الأخرى، فمنهم طلاب، ورجال أعمال، وصناعيين، وتجار، ونتواصل مع بعضنا البعض في الكثير من المناسبات كعيد "الفطر" وعيد "الأضحى"، والأعياد الوطنية، ويسعى الكثير منهم لإقامة بعض النشاطات الثقافية والاجتماعية الموازية للكثير من التظاهرات التي تقام في سورية.

وبلا شك فالمغترب السوري يمثل بلده ومجتمعه خير تمثيل، بصدقه وتعامله واحترامه للموعد، حيث أن الأوربيين لديهم قدسية خاصة بهذا الخصوص، وهذا نابع من أهمية الوقت لديهم».

ويتابع "الحميدي" في ذات السياق، قائلاً: «نتواصل مع المجتمع الألماني بشكل إيجابي، فهم يحترمون ثقافتنا وتاريخنا، والبعض من السوريين يعيش مع أسر ألمانية كما أفعل أنا، وعموماً فالمغترب السوري له حضور متميز في بلاد الغربة.

وبالرغم من أن السفر إلى ألمانيا كان حلمي، لكنه لا يوجد بديل لي عن بلدي وأهلي وأصدقائي، ولكن ما يواسيني في غربتي أكثر سعيّ للحصول على شهادة الدكتوراه في تخصصي، وبعد تقدم وسائل الاتصال والتكنولوجيا المتطورة في هذا الميدان أقوم بالتواصل مع أهلي وأصدقائي باستمرار، وفي الحقيقة إني متابع لموقعكم هذا، وأعجبني فيه كثيراً تنوع أبوابه، وغنى محتواه، وشموليته في نقل خصوصية "الرقة" وحراكها الاجتماعي والثقافي والتاريخي، فحتى المغتربين الرقيين لهم نصيب كبير في موقعكم».

وعن هواياته واهتماماته الأخرى، يقول "الحميدي": «أنا أحب الموسيقى وأعزف على آلة "الفلوت"، ومنذ الدراسة الثانوية أمارس هواية التصوير الضوئي، حيث كانت هدية النجاح التي قدمها لي والدي كاميرا تصوير فوتوغرافية».

ومن الجدير بالذكر أن المهندس "محمد الحميدي" من مواليد قرية "رطلة"، عام /1984/.