كل مغترب عن وطنه يحمل أمانةً بين جنبيه، تتمثل بحق الوطن عليه أن يظهره بأبهى صورة، بدءاً من سلوكه، وانتهاءً بطبيعة ممارسته للعمل الذي أوكل به، وكثيرة هي الأسماء التي رسمت صورةً تامة الإشراق لبلدنا، بحيث سخَّر هؤلاء الأشخاص الجزء الكبير من وقتهم وجهدهم لخدمة أبناء جلدتهم في المغترب، ونذكر منهم المغترب الرقِّي "أسامة محمد الكاسم"، الذي ترك الأثر الكبير في نفوس أبناء الجالية العربية السورية المتواجدين في مدينة "الرياض" السعودية، كشخصية محورية في حل أغلب المشكلات التي تعترضهم، التقاه موقع eRaqqa بتاريخ (11/10/2008)، في إحدى زياراته لمسقط رأسه في مدينة "الرقة"، وكان حديثاً تعشَّقت فيه الذكريات مع العمل، والأحداث التي عركته دون هوادة، اللين منها، والقاسي، بحيث جعلته ملاذاً لكثيرٍ من أبناء بلده في الغربة، إذ تحدث لنا بدايةً عن حنينه لمرتع طفولته وصباه بالقول: «ما زلت أحنُّ لتلك الشقاوة البريئة، التي كنا نقوم بها أنا ورفاق مدرستي عندما كنا أطفالاً، تشهد على ذلك باحة مدرسة "جميلة بوحيرد" التي درست الابتدائية فيها، حيث تختزن بين جدرانها خربشات بقايا الطباشير التي كنا نلتقطها من السبورة، وتلك الذكريات التي سطرناها على حيطانها، وما زال جرس انتهاء الفرصة بين الدروس، يرنُّ في أذني، ويحملني لذاك الزمن الجميل، عندما كنا صغاراً لا يشغل بالنا سوى الدهشة والترقب بما يحمله الغد من مفاجآت، ولا أنسى تلك النظرة الحنونة بعيني والدي رحمه الله، تغمرني بالدفء حتى أكاد أظن أن الزمن قد توقف عندها، كم أفتقده... وأفتقد تلك الأيام».

يسحب نفسا عميقاًً من سيجارته ويتابع قائلاً: «إلى جانب دراستي كنت أساعد والدي في محلنا الكائن قبالة سوق "الهال" القديم، الذي كان يتاجر به والدي بإطارات السيارات، ومن هذا المحل تعلمت أصول مهنة البيع والشراء، وبلغت ثقة والدي بي لدرجة كنت أدير المحل فيها بنفسي، وإلى جانب عملي حصلت على الشهادة الثانوية العامة دورة عام/1994/، وقبلها بثلاث سنوات سافر شقيقي الأكبر "عبد القادر" إلى المملكة العربية السعودية بقصد العمل، ودون تخطيط مني قام بتأمين عقد عمل لي في السعودية، وتحديداً في "مكة" المكرمة، كمندوب للمبيعات بإحدى الشركات التي تعمل ببيع القرطاسية، والحمد لله الذي أخذ بيدي ووفقني، حيث استفدت من خبرتي السابقة في البيع والشراء، التي أتقنتها في بلدي، واستطعت التميز بوظيفتي لمرحلة شعرت فيها أن لدي ما هو أكثر لأقدمه، فبدأت البحث عن فرصة أخرى للعمل».

إلى جانب دراستي كنت أساعد والدي في محلنا الكائن قبالة سوق "الهال" القديم، الذي كان يتاجر به والدي بإطارات السيارات، ومن هذا المحل تعلمت أصول مهنة البيع والشراء، وبلغت ثقة والدي بي لدرجة كنت أدير المحل فيها بنفسي، وإلى جانب عملي حصلت على الشهادة الثانوية العامة دورة عام/1994/، وقبلها بثلاث سنوات سافر شقيقي الأكبر "عبد القادر" إلى المملكة العربية السعودية بقصد العمل، ودون تخطيط مني قام بتأمين عقد عمل لي في السعودية، وتحديداً في "مكة" المكرمة، كمندوب للمبيعات بإحدى الشركات التي تعمل ببيع القرطاسية، والحمد لله الذي أخذ بيدي ووفقني، حيث استفدت من خبرتي السابقة في البيع والشراء، التي أتقنتها في بلدي، واستطعت التميز بوظيفتي لمرحلة شعرت فيها أن لدي ما هو أكثر لأقدمه، فبدأت البحث عن فرصة أخرى للعمل

ولأن الغربة تظهر معادن الرجال، وتوضح الحب الحقيقي للوطن وأبنائه، ويحاول الجميع فيها دون استثناء رسم صورة المواطن السوري الحقيقية، يحدثنا ضيفنا عن ذلك بالقول: «الحياة ليست كلها عمل، ولا تنطفئ لحظات الحنين الحارقة للوطن وأهله، إلا برؤية أبناء الوطن الذين يعيشون الغربة كما تعيشها أنت، ومن هذا الباب كانت اللقاءات مع أفراد الجالية السورية بالسعودية مستمرةً، وتحديداً مع قاطني "الرياض"، إذ نتبادل هموم الغربة ونساعد بعضنا البعض في حل المشكلات التي تعترضنا كمغتربين، وتواصلنا بجدية مع سفارتنا في "الرياض"، بعد أن لمسنا التجاوب الكبير الذي أبداه سفيرنا هناك، الدكتور "أحمد نظام الدين"، الذي شرفنا بلقائه كممثلين عن جالية "الرياض" أكثر من مرة، ونسجل له الأيادي البيضاء بجعله السفارة قريبةً من المغترب ومشكلاته دوماً، فمن المعلوم بأن السعودية مترامية الأطراف، والجالية السورية تنتشر فيها، وكانت بعض الأمور البسيطة الإجراء تكلف المغترب كثيراً من الجهد والوقت والمال، إذ كان لا بد من سفره إلى "الرياض" حيث تقع السفارة للقيام بهذا الإجراء أو ذاك، إن كان عمله خارجها، وأبسط تلك الأمور هي تجديد جواز السفر، فهذه الخدمة أصبحت متاحة لنا عبر "الانترنت" بجهد جماعي من السفارة السورية، بالإضافة لخدمات كثيرة أخرى، من قبيل الاستفسارات والشكاوى الطارئة، وأستطيع القول بأننا كسبنا احترام الجميع انطلاقاً من احترامنا لأنفسنا».

مع صديق طفولته باسم عبد الرزاق

أما صديق عمره الأستاذ "باسم عبد الرزاق"، الذي درس معه الابتدائية، والإعدادية، والثانوية، فحدثنا عن طباع صديقه، وعلاقته به بالقول: «كنا قلمَّا نفترق أثناء الدراسة، حتى عند ذهابه لمحل والده، كنت أمر عليه ونقضي الساعات الطوال بأحاديثنا الصبيانية التي أفتقدها، وعندما سافر شعرت بالغربة قبل أن يعيشها هو، فلقد كان أقرب أصدقائي إلى قلبي، ولم تنقطع الصلة بيننا منذ سفره، كان تواصلنا بالرسائل بدايةً، وبعد انتشار الأجهزة الخلوية، وقاعات "الانترنت"، صارت المسافات أقرب، وكان يطلعني على كل جديده، ويمكنني القول بأنه يرفع الرأس عالياً، ففي فترةٍ قياسية استطاع الوصول لوظيفةٍ مرموقة في شركة من أكبر شركات القنوات الفضائية، بالإضافة لحضوره المتميز بين مواطنيه في السعودية، تربطه علاقة مميزة بوالدته، ويحافظ على صلة رحمه، فما أن يصل لبلده حتى يضع برنامجاً لزيارة كل أقاربه وأصدقائه، وكل من يراه يلحظ بأنه "أسامة" نفسه الذي غادرنا قبل أكثر من عشر سنين، لم يتغير كثيراً ولم تزده الغربة إلا تقديراً أكثر لبلده وأهلها».

وعن عمله الحالي وأمانيه، يحدثنا "أسامة" قائلاً: «بعد أن تركت عملي في شركة بيع القرطاسيات، كنت قد أمنت عملاً لي في راديو وتلفزيون العرب (a.r.t)، بصفة مشرف على خدمات العملاء، واكتسبت خبرةً جيدةً بهذا العمل، أهَّلتني فيما بعد لعملي الحالي، فأنا والحمد لله أعمل في قنوات "شو تايم" الفضائية، كمدير لمبيعات الموزعين، ومسؤولاً عن المنطقة الوسطى في السعودية كاملةً، يتبع لإدارتي المباشرة أكثر من /60/ فرعاً، وهي مسؤولية جسيمة، أحاول جهدي أن أكون كفئاً لها، وهذه القنوات هي الأكثر شهرةً بين جميع القنوات الفضائية، وتحديداً في السعودية، وهي قنوات متنوعة، من القنوات الرياضية، إلى قنوات الأفلام بأنواعها، مروراً بالقنوات العلمية، وقنوات الأخبار، أشرف وبشكل مباشر على عمليات البيع والتوريد والتسويق لهذه القنوات، حيث أضع بالتنسيق مع رؤسائي في العمل خطط البيع، وأساليب تنظيم عمل المكاتب الفرعية، ونحاول الوصول للمشاهد بكل مكان، حيث أدركنا أن ذلك لا يتم إلا بالدعاية الفعالة والجادة، فقمنا نتيجة وعينا لذلك بعمل ما يجب، وحقق القسم الذي أرأسه أرباحاً ملحوظة والفضل بكل ذلك يرجع لتوفيقٍ من الله، والجهد الجبار الذي بذله طاقم العمل، وكخطوة أخيرة أقوم بجمع كل العقود التي أبرمت مع المشتركين، فأقوم بتفعيلها وتحويلها إلى القسم التقني المسؤول في مدينة "دبي"، حيث يصار لتزويد المشتركين بما تتضمنه عقودهم، وأكثر ما يشغل بالي هو التفكير الدائم بالجديد على مستوى عملي، وهذا الحافز لوحده يجعلني دائم المواظبة على تحسين وتطوير عملي، مما انعكس ايجابياً على مجمل حياتي».

متحدثاً لموقع eRaqqa.jpg

ومن أشقائه يحدثنا أصغرهم "عمار محمد الكاسم"، الموظف في مديرية الخدمات الفنية، بالقول: «كنت صغيراً عندما غادرنا "أسامة"، وكانت أخبار نجاحه ترسم السعادة على وجه والدتي، التي كان كثير التواصل معها، خاصةً بعد وفاة والدنا في عام /2004/م، وكان لوفاة والدي أثر كبير بتغير مسيرة حياة "أسامة" بالكامل، فنحن إخوته وحدنا الذين نعرف ماذا كان والدي يعني له، كانا أقرب للصديقين الذين يتناقشان بكل شيء، وتوطد هذا الأمر أكثر عندما استلم "أسامة" إدارة محل بيع الإطارات، فلقد روى لي أقرب أصدقائه هناك عند زيارته لنا، أنه بعد عودة "أسامة" من مجلس عزاء والده، انكبَّ على العمل بطريقة أقلقتنا، فكان يقضي الساعات الطوال في العمل، لعله يتجاوز ذلك الحزن على فقد والده، ولولا ثقتنا بإيمانه بالله لخشينا أن يتهور ويؤذي نفسه، لكنه استطاع الخروج من تلك المحنة بسلام، قرَّة عينه في الدنيا هم أولاده، فلديه ابنتان هما "ديمه" و"ريمه"، تبلغان من العمر سنتين ونصف السنة، ورزقه الله ولداً أسماه "زيد" لم يتجاوز عمره شهراً واحداً بعد».

ويذكر أن المغترب الشاب "أسامة محمد الكاسم" هو من مواليد "الرقة" عام /1975/، غادر القطر منذ عام /1997/م، تزوج في عام /2005/م، مقيم حالياً في مدينة "الرياض"، حي "السليمانية"، يزور القطر بشكل دوري، بمعدل زيارة واحدة كل عام تقريباً، ويسجل له كمغترب إحساسه العالي بالمسؤولية تجاه وطنه.

السيارة هدية شوتايم لقاء جهده