لا تزال لهجة أهل "الرقة" تحاكي اللغة العربية الفصحى في ألفاظها، وحتى تلك التي يخيل إلينا أنها مفردات عامية حديثة، إنما هي ألفاظ عربية قديمة تكلمت بها القبائل التي سكنت "الرقة" في القرون الهجرية الأولى، مثل: "أسد"، و"سعد بن بكر"، و"هذيل"، و"سائر قيس".

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 10 كانون الأول 2014، مدرس اللغة العربية "خالد جمعة" من سكان "الرقة"؛ الذي قال: «تحتوي لهجة أهل "الرقة" على قسم كبير من لهجات العرب القديمة فهي موسوعة كاملة، وقد يعود السبب للنسيج المتعدد لسكان "الرقة" فهم مزيج من سكان مدن عربية وكذلك قبائل بدوية أصيلة، إضافة إلى سكان الأرياف الذين استقروا فيها فتزاوجت تلك اللهجات التي حملوها وأنجبت لهجة جديدة فريدة امتاز بها وادي "الفرات" عامة و"الرقة" خاصة».

هناك "اللخلخانية" وتعني تقصير الحركات واختزال النبر، وترد في لهجة "الرقة" على قلة حتى لا تكاد تمثل ظاهرة في الحقيقة مثل: ما شاء الله، وكأنك؛ وتلفظان: "مشا الله، جنك"، وهي قديماً لغة إعراب الشعر، وعمان، وتنسب إلى العامية العراقية وما زالت فاشية

وأضاف "جمعة" بالقول: «يستخدم أهالي "الرقة" القلقلة؛ وهي في اللغة كسر حرف المضارعة إطلاقاً، وفي لهجة "الرقة" تكسر حرف المضارعة عدا الألف؛ فالكلمات مثل: تجمع، يحضر، نلعب، ترتفع، تلفظ: يِجمع، ِيحضر، ِنلعب، ِترتفع، وتنسب هذه اللهجة قديماً إلى "بهراء" وبعض من "كلب" و"هذيل" و"ربيعة" من العرب، كما يميل أهل "الرقة" إلى كسر أوائل الأسماء مثل كلمة "تلفظ" كِلمة، وخاصة ما جاء على وزن فعل ولكن ليس إطلاقاً، مثال: "سميع، بعير، شعير، سعيد"، وقديماً كانت هذه اللهجة لبني "أسد وعامة وقيس وتميم".

مدرس اللغة العربية خالد جمعة

ويرى الدكتور "رمضان عبد التواب" في كتابه "فصول في فقه اللغة": «إن الكسر أصيل في اللغة العربية والفتح محدث طارئ على اللغة جاء فيما بعد يلغي عنها صفة اللهجة، ويدرج هذا النوع في الخصائص المبكرة للغة الأم».

ويتابع: «هناك "اللخلخانية" وتعني تقصير الحركات واختزال النبر، وترد في لهجة "الرقة" على قلة حتى لا تكاد تمثل ظاهرة في الحقيقة مثل: ما شاء الله، وكأنك؛ وتلفظان: "مشا الله، جنك"، وهي قديماً لغة إعراب الشعر، وعمان، وتنسب إلى العامية العراقية وما زالت فاشية».

ويشير الباحث "إبراهيم الخليل" من أهالي "الرقة" في كتاب "الرقة وتاريخها" بالقول: «لا تعد لهجة أهل "الرقة" دخيلة على اللغة العربية بل إنها من صميمها وفصيحها، وهي تحمل في داخلها ظواهر بواكير اللغة العربية، حيث يستخدم أهل الرقة "التسهيل" ويقابل التسهيل الهمز، والرقة تسهل أي تحذف الهمزة، كما نرى في ألفاظ مهموزة كثيرة مثل: كأس، شيء، شأن، تلفظ: "شناً، كاس، شل، شأن، شنا"، واشتهرت الحجاز بذلك وعلى العكس كانت "تميم" إلى الهمز، وهناك لهجات كانت تهمز غير المهموز وهناك: الاستنطاء؛ وهو إبدال العين نوناً إذا كان بعدها "طاء"، وترد في لفظة "أعطى"، وقد وردت في إحدى القراءات القرآنية: "إنا أعطيناك الكوثر"؛ وهي فاشية في لهجة المدينة والقرى».

ويرى الدكتور "إبراهيم السامرائي" في كتاب "تاريخ الرقة وآثارها": «أن "الاستنطاء" تطوير لغوي يجيزه قواعد تطور الأصوات، وهو في الفعل أعطى فقط؛ لذا لا يسمح أن يذكر في الظواهر اللهجية، وذكر الاستنطاء في لهجة هذيل، وقيس، والأنصار، وسعد بن بكر قديماً، ومن الطبيعي أن يكون للعربية الفصحى لهجات، تمثل صوراً نطقية تختلف من قبيلة إلى قبيلة، ومن مكان إلى مكان، ولقد كان وادي الفرات مسرحاً كبيراً عاشت في أرجائها قبائل شتى، كانت موزعة على نواحيها في الشرق والغرب، والشمال والجنوب».