تتفاخر نساء محافظة "الرقة" بمن ينجد لهن وبحسن صناعته، حيث لا يقتصر دوره على ندف الصوف فقط كما هي الفكرة الدارجة في الأذهان، بل هو فنان يقوم بابتكار قطع تنضم إلى لائحة فلكلور المنطقة.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 24 تشرين الأول 2014، السيدة "سلوى الحمد" من أهالي "الرقة"، فقالت: «لا يقوى على برد الشتاء إلا الصوف، ذاك المندوف على يدي منجّد، ولا يكتمل جهاز العروس من دون إبراز الصوف "المكوّم" في حزمة من فراشين وأربعة لحف وعدد من المخدات، يمتاز "المنجد" بخفة يده في الندف والحياكة والتفصيل، يفترش الأرض ممدداً على قطعته الفنية جاهداً في ضبط الإبرة والخيطان و"الكشتبان" بين يديه من أجل أن تخرج التقاسيم لوحة فنية، ومن عادات أهل "الرقة" أن توجه دعوة لـ"المنجد" بحضور العرس، وأثناء العرس تقوم الأم بالإشارة إلى منجد جهاز ابنتها فخورة بمصدر القماش وفخامة الصوف المنفوش بعناية؛ مثل حال منجّده».

تسعى المدن إلى إبراز تراثها المادي واللا مادي عبر البحث عن مفرداتها وإخراج الكنوز الوافرة لتعطي الاستمرارية والحياة، وليتعلم الأبناء ما صنعه الآباء والأجداد، و"الرقة" من المدن التي مازالت تبحث عن تراثها لإخراجه للأجيال، وهي تزخر بكل مقومات التراث وبجميع ألوانه، كما تميزت المدن بالحرف اليدوية ومنها المنجد، وكانت من المهن اليدوية المعروفة والمشهورة في زمانها لدى الرقيين

وأشار الباحث "خالد الحسين" بالقول: «تسعى المدن إلى إبراز تراثها المادي واللا مادي عبر البحث عن مفرداتها وإخراج الكنوز الوافرة لتعطي الاستمرارية والحياة، وليتعلم الأبناء ما صنعه الآباء والأجداد، و"الرقة" من المدن التي مازالت تبحث عن تراثها لإخراجه للأجيال، وهي تزخر بكل مقومات التراث وبجميع ألوانه، كما تميزت المدن بالحرف اليدوية ومنها المنجد، وكانت من المهن اليدوية المعروفة والمشهورة في زمانها لدى الرقيين».

ويضيف: «مهنة المنجد تكاد تكون لها خصوصية معينة لأن صاحب المهنة يدخل البيوت ويتعرف إلى العائلات؛ فقد كانت تتفق مع أخلاق المنجد وسمعته هو وصانعيه حيث تلجأ النسوة إلى التنجيد بالكامل أو جزء منه حسب الحاجة، وكان أهالي "الرقة" يعمدون إلى تنجيد الفرش واللحف من صوف الماعز أو من القطن، وتعود نوعية التنجيد إلى الوضع الاقتصادي لصاحب أو لصاحبة التنجيد، ومازال بعض الديرين يفضلون تنجيد اللحف والفرش من الصوف أو القطن، إلا أنها تراجعت كثيراً في السنوات العشرين الأخيرة؛ بسبب وجود الجاهز الأوفر والأسرع».

ويشير الباحث "عيد الدرويش" من أهالي "الرقة" بالقول: «ارتبطت ممارسة تلك الحرفة منذ القدم بحياة الإنسان وأسلوب معيشته في منزله، كما يتوقف ثراؤها ومظهرها الفني على الطبقة الاجتماعية التي ينتمي إليها الفرد، وعلى قدراته المادية والمعرفية التي تمكن الصانع من إخراج عمله الفني المرتبط بالتنجيد بشكل جميل، فهي مهنة جمعت بين حرفية الصنعة وتجليات المبدع، ولا يزال "الرقيون" يفضلون الصوف؛ وله نوعان ناعم و"جزّ"، و"الجز" يلزمه نتفاً وتنظيفاً أكثر من الناعم، أما القطن فله نوعان أيضاً "ملكي، وشراحي" يضرب على القضيب الحديدي، وأدوات عمل المنجد هي: "الإبرة الطويلة"، "الشمع العسلي" لتشميع خيطان التنجيد لتسهيل استعمالها في الحياكة، "الكشتبان"، "المدقة الخشبية" التي تعمل على التنظيف، و"قوس الحديد" الذي يساعد كثيراً قي عملية التنظيف؛ وهو أساسي في مكنات الخياطة، ولدرز قماش اللحف تختلف أحجامها وأوزانها حسب قياسها، ولها عدة نقوش كنقشة "البقلاوة"، المربعات والمراوح، وللفرش نقشة واحدة تتوسطها المسامير لكي يبقى القطن ثابتاً في مكانه».

الباحث عيد الدرويش

ويتابع: «تتم عملية تنجيد الصوف والقطن بعد تنظيفهما، ثم يتم نفش (ندف) الصوف بواسطة "الندافة"، ومن ثم ينتقل إلى "المطرقة" وهي عصا تؤخذ من أغصان شجر الرمان أو عصا معدنية تخط ضرباتها بخفة متناهية على كميات الصوف والقطن لتتجانس وتلين ويسهل توزيعها ونزع الأوساخ الصلبة العالقة بها، ويستخدم صوف الغنم أو القطن لتصنيع "الفرشات"، في حين يستعمل صوف الخراف أو ما يسمى بـ"القصب"، في تجهيز اللحف ويستخدم المنجّد العصا الخفيفة واللينة، لتحريك الصوف من مكان إلى آخر، لتوزيع السماكة في "الفرشة" أو "اللحاف"، أو زيادتها وفق الحاجة، لتعذر استخدام اليدين في هذه الحالة؛ لتأثير الثقل بمستوى الصوف؛ وهو ما يجعله غير متساو، فتظهر مع الاستخدام نتوءات تجعل المنجّد يعيد التنجيد من جديد. وبعد الانتهاء من توزيع الصوف داخل القالب، تتم حياكة فتحة القالب، ومن ثم تأتي عملية "التضريب" لتثبيت الصوف مع القماش، وهي الخياطة بشكل طولي وعرضي، باستخدام الإبرة الطويلة "الميبرة"، والخيوط القوية، بمساعدة "الكتشبان"، و"الكتشبان" رفيق المنجّد طوال نهاره، وهو أداة معدنية، تشبه وعاء صغيراً بحجم أنملة الإصبع، خشن من الخارج وأملس من الداخل، يوضع في إصبع المنجّد لحمايته من وخز الإبرة، ويساعد في غرزها في قالب "اللحاف" أو "الفرشة"».

المطرقة والقوس من عدة التنجيد