عادة "وشم الجسد" من العادات الموغلة في القدم، وهي تتمثل برسم رموز لها دلالات خاصة على أجزاء معينة من جسد الإنسان، وقد مارست الوشم أغلب شعوب العالم، والنساء على وجه الخصوص، وحيث إن لكل منطقة معتقداتها وطقوسها المتوارثة، فكذلك نجد أن أشكال الوشم ودلالاته تختلف بين منطقة وأخرى.

و"المرأة الرقية" كانت وإلى زمن مضى غير بعيد، تعتز كثيراً بالوشم وتتباهى به، وكان من الصعب أن تجد امرأة رقية واحدة غير موشومة، ولعلَّ وشم الوجه هو من أكثر أنواع الوشم تداولاً عند النساء الرقيات.

يعرف الوشم بأنه علامات أو رموز أو رسومات، ترسم على منطقة مختارة من الجسد ذات اسم معين، ثم ترش بمادة "النيلج"، وأهل الفرات أطلقوا على الوشم اسم "الدك"، وأسموا المادة التي تذر على مكان الوشم لإظهار الرسوم "الغنج"

الحاجة "زلخة العجاج" قالت: «لا أذكر بالضبط متى رسمت الوشم على وجهي ويدي، لكن بالتأكيد إن ذلك حصل منذ مدة لا تقل عن السبعين عاماً، وقبل أن أتزوج ببضع سنوات، حيث طلبت والدتي من "الوشامة" أن ترسم لي وشم "الرثامية" و"الرواك" على وجهي، وهما من أشهر أنواع الوشم المعروفة، فالأول يدل على جمال البنت والثاني يدل على نسبها الطيب، وأذكر يومها أنني تألمت كثيراً، حيث إنه كان من الطبيعي أن يتورم مكان الوشم ويستمر ذلك عدة أيام، ليظهر أخيراً الوشم كما رسمته "الوشامة" وبلونه الأخضر المعروف، وكم كنت أشعر بالسرور وأنا أستمع لأغنية شعبية أو بيت شعر شعبي يذكر وشم "الرثامية" أو "الرواك"».

وشم على وجه من الرقة

أما السيد "محمد عبيد الساري" فقد قال: «غالباً ما يكون الوشم عند أهل "الرقة" في سن الطفولة أو بداية مرحلة الشباب المبكر، كما لو كان واجباً اجتماعياً مقدساً يقدمه الأهل لأبنائهم، لذلك فإنك قلما تجد فتاة "رقاوية" فيما مضى، دون أن تكون موشومة، وكم كان الشباب- وأنا من بينهم- يتغنون بجمال الحبيبة، والتي يميزها وشمها عن باقي البنات، وعادة الوشم كان للرجال نصيب منها، فأنا على سبيل المثال أضع وشم "البكار" وهو نقطة على رأس الأنف، وأذكر لكم مقطع من أغنية شعبية، كانت تثير في نفوس الكثيرين ممن يضعون وشم "البكار" مشاعر الزهو والرجولة، وهي تقول: عالداك وسم البكار/ يازين نوم حضينو».

عن ظاهرة "الوشم" في منطقة الفرات، تحدث الباحث "علي السويحة" لمدونة وطن eSyria بتاريخ 30/4/2008 قائلاً: «يعرف الوشم بأنه علامات أو رموز أو رسومات، ترسم على منطقة مختارة من الجسد ذات اسم معين، ثم ترش بمادة "النيلج"، وأهل الفرات أطلقوا على الوشم اسم "الدك"، وأسموا المادة التي تذر على مكان الوشم لإظهار الرسوم "الغنج"».

الدكتور "علي السويحة"

وتابع قائلاً: «الذكور سابقاً كانوا يوشمون لكي يعيشوا، أو من أجل العلاج من مرض ما، أو لإبعاد العين الشريرة الحاسدة، لذا فإن هذه الظاهرة عند الذكور قليلة، بينما الإناث يوشمن من أجل الزينة والتجميل، وأماكن الوشم عند المرأة الفراتية تتركز في "الساقين، والرسغين، والصدر، وظاهر الكفين، والساعدين، والجبهة، والأنف"».

ثم أضاف: «ألوان الوشم في منطقتنا الفراتية هي الأزرق، والأخضر، والأسود، واللون الأسود نادر نوعاً ما، وذلك بسبب حاجته إلى تقنية عالية، وكل الواشمات من "القرباطيات"، ويستخدمن أساليب ومواد بسيطة للوشم، والوشم - كما يوضح "السويحة" توارثه أهل الرقة من بوادي الجزيرة والفرات، ومن "الحثيين، واليونانيين" أيضاً، وذلك حين أقاموا مستعمرات لهم على الفرات "كدورا أوربس، وكالينكوس"، "الرقة البيضاء"، فاليونانيون اجتهدوا بنشر ثقافتهم في المدن التي يحتلونها أو يقيمون بها، فنشروا تقاليدهم في الأماكن التي قاموا باستعمارها، ومن هذه التقاليد الوشم الذي كان له رواج بين الأوساط الاجتماعية، وخصوصاً الوسط الأنثوي، "فالجدات" وشمن الوجوه، وأكثر الأماكن في أجسادهن، بينما ندر الوشم عند بناتهن، أما "الحسيبات" فقد رفضن الوشم كلياً، لاعتقادهن أنه زينة بدائية مشوهة لجمال الوجه بشكل خاص، أو براءتهن من المجتمعات الريفية وذلك لارتباط الوشم بذلك المجتمع، ولربما كي لا ينسبن إليه، وقد تراجع هذا التقليد منذ أكثر من نصف قرن حتى إنه يكاد يندثر أكان في المدينة أو في الوسط الريفي، وذلك بفضل انتشار الوعي وارتفاع نسبة المتعلمين وقلة الواشمات، أو اعتباره موروثاً لا يتماشى مع العصر الحالي».

الباحث "حسن عساف العدواني"

وبيّن الباحث "السويحة" أن ميل "المرأة الرقية" أو الفراتية للظهور بمظهر لائق وجميل هو ميل فطري، فكان الدافع من أجل أن توشم نفسها فبدت بالوشم مضرباً للمثل بالجمال والكياسة.

الباحث "حسن عساف العدواني" مدير دار التراث في "الرقة"، حدثنا عن أشكال الوشم العديدة الخاصة بمنطقة الوجه عن النساء الرقيات سابقاً، حيث يقول: «الوشم عند المرأة الرقية له أشكال كثيرة ودلالات عديدة، فأشكال الوشم عند أهل "الرقة" تبلغ اثنين وثلاثين شكلاً فقط، وسأتحدث اليوم فقط عن الوشم الخاص بأجزاء الوجه، وذلك لأن الحديث عن جميع أشكال الوشم فيه شيء من الإسهاب والإطالة. فهناك وشم الجبين ويسمونه "هلالي" وهو يأتي على شكل هلال أو نجمة، ووجوده على جبين المرأة كناية عن ارتفاع جبينها وعلو شأنها وطهارتها، أما وشم الخدين ويسمى "الردعات" وهي أشكال للورد، في كل خد وردة صغيرة ترسم بالوشم، وهي ترمز إلى أن هذه الخدود جميلة كالورود، حيث يقول الشاعر الشعبي: "ذيب خمش ظامري ومخالف النابات/ دواي ما هو بكتب، عندك يبو ردعات".

أما وشم الفم ويسمونه "اللجم" وهي جمع مفرده لجام، يرسم على طرفي الفم، وهذه دلالة على أن المرأة ساكتة مؤدبة لا تقول إلا الحكمة، فهي ملجومة عن الأخطاء. وهناك وشم الحنك ويسمونه "الرواك" وهو رسم يأخذ بأطراف الذقن بشكل سلسلة، وهو يدل على أن هذه المرأة لها "مربط" أصيل كمرابط الخيول الأصيلة، ومفردة "المربط" تعني النسب والأصل الطيب.

وشم "الرثامية" هو رسم يوضع على منتصف الشفة السفلى بشكل خط عمودي ينتهي لفرعين صغيرين، وهذه الدلالة تشبيهية تأخذ صفة للغزال، بمعنى أن مبسم هذه المرأة كالغزال، والرسم نفسه يوجد بشكل طبيعي على بعض أنواع الغزلان. والوشم على الذقن وتحت الشفة السفلى يسمى "دواوير" وهو رسم يمثل ثلاث دوائر متقاربة بشكل واحد وبحجم واحد، ومهمتها التصدي لعين الحسود. وإذا وشمت المرأة طرف العين فيطلق على الوشم اسم "غمازية" وهو خط من الوشم يبدأ من طرف العين ناحية الصدغ كامتداد لالتقاء هدب الجفنين، ودلالته جمالية، تنم عن اتساع العين وكثافة الأهداب، وهي تساعد على دفع الأمراض عن الجفون، وكذلك فإنها تقي من الحسد.

ووشم الصدغين يطلق عليه تسمية "مضافة"، وهو رسم بشكل رؤوس مثلث، ودلالته أن هذا الوشم يطرد مرض "الشقيقة"، أما وشم "غزالة" فهو رسم مشترك يأتي على الذراع والخدود وظهر الكتفين، وهذا الوشم لم يكن له محل ثابت من الجسم، بل يرسم في عدة مواضع، وهو يرمز لنشاط المرأة، كما الغزالة التي تتحرك من مكان إلى آخر. ومن أشهر أنواع الوشم في "الرقة" وشم يرسم على رأس الأنف ويدعى "وشم البكار" وهو رسم نقطة على رأس الأنف، وهو كناية عن التبرك بالأولياء أو بوليٍ اسمه "بكار" كان يضع وشماً على رأس أنفه.

وهناك وشم منتصف الحنك ويسمونه "سيالية"، وهو رسم بشكل جديلة ينزل عمودياً من أسفل منتصف الشفة السفلى إلى نهاية الذقن من الأسفل، ودلالته هي عذوبة الريق عند المرأة اعتقاداً بأن "السيالية" تعطي رائحة زكية للفم، وقد وشمت الرقيات كامل الشفة السفلى والعليا أيضاً، وأطلقن عليه اسم "وشام" حيث يصبح لون الشفتين أزرق بشكل كامل، دلالة على السمرة، وهو يرمز للجمال، لأن العرب يفضلون الشفاه السمراء الداكنة. وأخيراً نذكر وشم أسفل الفك، والذي يسمونه "شارب الحسن" ويرسم على شكل شارب مرتب تحت الحنك، ويرمز إلى محبة الناس للإمام "الحسن" بن "علي" رضي الله عنهما، وتعلقهم بآل البيت.

هذه تقريباً كل أنواع الوشم الخاصة بوجه المرأة الرقية، ومن خلال البحث والتدقيق لم أعثر على نوع آخر، لكن هذا لا يمنع من وجود وشم خاص هنا أو هناك لم أستطع أن أستدل عليه».