«شدتني تعليقاته على مقالاتي الصحفية التي أكتبها بصحيفة "الفرات"، وأسرتني لغته، ومعرفته بقواعد اللغة العربية، نحوها، وصرفها، ومجازاتها، والأخطاء الشائعة، رغم أنه مهندس، ونطاق عمله محصور بالهندسة والبناء والري، وسألت عنه، وتعرفت عليه من بعيد، حيث قيل لي بأنه يعمل في السعودية، لكن اجتمعت الآراء مدحاً بالرجل، وبأنه رجل عصامي، عفُّ اللسان، نظيف اليد، نقي السريرة، لم يختلف حول شخصه اثنان ممن التقيتهم، وأحببت أن ألتقيه وجهاً لوجه، لكن الظروف لم تيسر للقاء، وبقيت معرفتي له محصورة بنطاق التعليقات التي ينشرها في صحيفة الحياة، أو في الصحف السورية، مع بضع مقالات وآراء نشرها بجريدة "الفرات"».

هذا ما ذكره لموقع eRaqqa الأديب والصحفي "محمد جاسم الحميدي"، وهو يتحدث عن المهندس "محمد علي المفتاح".

في الجواب أوجز القول بأن المرأة هي عماد المجتمع، والاستثمار في طاقاتها وامكاناتها رهان رابح لأنّه يمتدّ إلى جميع شرائح المجتمع، فعلمها زاد للأبناء الذين لها في تربيتهم وتعليمهم الجانب الأكبر، وعملها يحرّك عجلة التنمية في المجتمع عندما تنتج فيه ولا تكون عالة عليه

وللتعرف عليه أكثر اتصلنا به عبر الإنترنيت، وعرضنا عليه مجموعة من الأسئلة، لكي نستطيع تسليط الضوء على شخصيته، فتحدث إلينا بتاريخ (17/1/2010) واصفاً في البداية البلدة التي وُلد ونشأ فيها بقوله: «وُلدت في بلدة "مريبط" التابعة لمحافظة "الرقة"، غرّة آذار عام /1959/م، تلك البلدة التي حباها الله جمالاً على جمال، إذ كانت تغفو على الضفة اليسرى لنهر "الفرات"، وتشتهر بتلّها الأثري الذي يحدّها من الجهة الغربية عند أول انعطاف نحو الشرق لمجرى نهر "الفرات" القادم من الشمال، بيوتها تحاذي مجرى النهر حتى حدود بيتنا، فيفترق المجرى عن البيوت فاسحاً المجال لأرض الزور الخصبة لتتمايز عن أرض البريّة الأقلّ خصوبة، و"مريبط" هي حجر الرحى الذي يتوسط أرض حوشنا، حيث كانت الوالدة - رحمها الله - تجرش القمح يدوياً حتى بوجود المطحنة!

أمام محطة مياه في السعودية

و"مريبط" هي شجر التوت الذي كان يسوّر بيتنا، ولا نمنع أحداً من أخذ حاجته من ثمره الطيب دون مقابل، وهي سواقي الماء التي تزنّر الأراضي الزراعية، بل هي تلك الساقية التي تنقل الماء من المضخة العائدة لنا، وأذكرها من نوع "بلاكستون" قوة /37/ حصاناً، وتمرّ من شرق بيتنا شاطرة بلدة "مريبط" إلى شطرين، غربي وشرقي، لتروي أرض البريّة.

بل "مريبط" هي السفينة التي كانت تنقل الناس والبضائع والمواسم بين ضفتي النهر جيئة وذهابا، وهي "بازار" الأحد، الذي يلتقي فيه الناس والتجار في سوق أسبوعي تجاري، و"مريبط" هي الطفولة الجميلة التي عشناها بين تلّ تاريخي، وعلم مستنير، وسباحة في نهر أحببناه، وأرض خضراء عشقناها، بل كانت لوحة فسيفساء اجتماعية ضمّت سكّاناً من أغلب المدن السورية».

في زيارة لمشروع بير الهشم

وحول دراسته، وظروف انتقاله من مسقط رأسه إلى "الرقة"، يقول "المفتاح": «درست الابتدائية في مدرسة "رفعت الحاج سرّي" في "مريبط"، وحصلت على شهادتها عام /1972/م، وكان ترتيبي الأول بين زملائي، ودرست الصفّ السابع في إعدادية "مريبط"، وكان ترتيبي الأول أيضاً، وبسبب غمر مياه نهر "الفرات" للأراضي أمام السدّ، انتقلت لإكمال الدراسة الإعدادية في مدينة "الرقة" عام /1973/م حيث التحقت بإعدادية "عمر بن الخطاب" في مبناها القديم، عند "الجامع القديم"، ومن ثمّ إلى المبنى الجديد، وأكملت الدراسة فيها.

في الصفّ التاسع نلت مجموع /222/ عام /1975/م، وأيضاً بسبب انتقال الأهل إلى "القامشلي" اضطررت للانتقال معهم، والتحقت بثانوية "أبي العلاء المعرّي" في ناحية "عامودة"، حيث درست الصفّين العاشر والحادي عشر، وعلى الرغم من كوني الأول على الثانوية إلاّ أنّي خشيت من عدم تحقيق طموحي بسبب مستوى التعليم هناك، فهو أقلّ بكثير من مستواه في "الرقة"، فقررت العودة إلى "الرقة" لإكمال الدراسة الثانوية، وكنت محظوظاً بالالتحاق بثانوية "الرشيد" (كلمة حقّ أقولها بحقّ الأستاذ عوّاد الشيحان الذي كان مدير الثانوية وتربطه علاقة صداقة بشقيقي الأستاذ أحمد - رحمه الله - حيث وافق على التحاقي بالدراسة في الثانوية التي أرغب)، وفي عام /1978/م حصلت على الشهادة الثانوية بمجموع /172/ درجة، مما أهّلني لدراسة طب الأسنان والصيدلة في "دمشق" والهندسة المدنية في حلب، فاخترت الهندسة المدنية دون تردد، وفي العام /1983/م حصلت على الإجازة في الهندسة المدنية بمعدل جيد.

المهندس محمد المفتاح

أمور ثلاثة لا أنساها من حياة الجامعة: الأمر الأول: وقوف إخوتي "أحمد" – "صلال" – "خلف" إلى جانبي ماديّاً ومعنويّاً حتى أنهيت دراستي الجامعية ولم يقصّروا معي البتّة.

الأمر الثاني: وقوف المرحوم "بشير الحميد العجيلي"، والد طبيب الأسنان "فؤاد العجيلي"، الذي أسكنني مجاناً في بيته الكائن في حيّ "الإسماعيلية" بـ"حلب"، وذلك في السنة الخامسة، حيث جمعتنا الصدفة في رحلة بالكرنك من "الرقة" إلى حلب"، وكنت أجلس بجواره دون معرفة بيننا، وبدأ الحديث معي، وعندما عرف اسمي قال لي: والدك ابن خالتي، ووالدتك ابنة خالي، ولهذا لا تستأجر بيتاً في حلب، وهذا مفتاح بيتي فاسكن فيه.

الأمر الثالث: أنهيت الجامعة دون أن أحمل أيّة مادة، سواءً من فصل إلى فصل أو من سنة دراسية إلى أخرى».

وحول حياته بعد التخرج من الجامعة، يقول "المفتاح": «بعد تخرجّي من الجامعة عام /1983/م، عملت بشكل مؤقت في مؤسسة تنفيذ الإنشاءات العسكرية "متاع" /19/، فرع "الرقة" لمدة ستّة أشهر إلى أن جاء فرزي إلى المؤسسة العامة لاستثمار وتنمية حوض الفرات، حيث باشرت عملي في مديرية الريّ والصيانة، وكنت مسؤولاً عن قسم صيانة شبكة الريّ والصرف في قسم "وادي الفيض"، وعملت في القسم حتى (15/9/1984) حيث التحقت بخدمة العلم، وخلال تلك الفترة واجهت اختبارات عدّة:

الاختبار الأول: بعد شتاء شحّت أمطاره طلب المدير العام للمؤسسة د. "عبدو قاسم" في شهر آذار عمل شبكة ريّ بالرشّ لحقول قمح تجريبية في مزرعة "الأنصار"، يشرف عليها خبراء من بلغاريا، وأعطاني مهلة خمسة أيام! فسخّرت لي المديرية كلّ ما أطلب، وفي اليوم الخامس بدأت مياه الريّ تروي حقول القمح العطشى.

الاختبار الثاني: أرض مساحتها /137/ هكتاراً في مزرعة الأنصار مستبعدة من الريّ بسبب تعطلّ السيفون الناقل للمياه، نتيجة فيضان سابق في "وادي الفيض"، واستطعنا خلال شهرين من إصلاحه، وإعادة تأهيل شبكة الريّ والصرف، فعادت الخضرة إلى تلك الأرض.

الاختبار الثالث: كان في مزرعة "الأندلس"، حيث الأرض الواقعة جنوب طريق "الرقّة" – "الثورة" مستبعدة بسبب التملح، وخلال أقل من شهرين استطعنا إعادة تأهيل تلك الأرض ووضعها قيد الاستثمار.

وفي نفس الفترة درّست مادتي مقاومة المواد والتشغيل والصيانة في "المعهد المتوسط لاستصلاح الأراضي".

تلك الأعمال كان يسمع بها المدير العام دون أن ألتقيه، فمعروف عنه معرفته بكلّ شاردة وواردة من خلال متابعته الحثيثة والدقيقة لعمل المؤسسة.

والتحقت بخدمة العلم كما أشرت سابقاً، بعد أن راجعت شعبة التجنيد وطلبت إلغاء تأجيلي الإداري حيث يُفترض أن التحق في العام الذي يلي! وما إن أكملت الدورة التدريبية، ومدتها ستة أشهر حتى فُرزت إلى مؤسستي الأم، "المؤسسة العامة لاستثمار وتنمية حوض الفرات"، وتبين لي بأن ذلك قد جاء بناء على طلبين من المؤسسة إلى وزير الري للتوسط لدى وزارة الدفاع، وفي (2/5/1985) باشرت عملي في مشروع "بير الهشم" رئيساً لدائرة الري حتى تاريخ مغادرتي إلى السعودية في (17/2/1992)م، وخلال تلك الفترة مارست الإدارة بكلّ مكوناتها وتفصيلاتها الدقيقة بمساعدة طاقم فنيّ كان لي حريّة اختياره، فقد كنا نواصل الليل بالنهار، والجمعة بالخميس، والعيد بالدوام، ولم نذق طعم الراحة يوماً، ولهذا فقد أخذت الصلاحيات في العمل دون أن أطلبها أو انتظرها، وباختصار أقول: كان الجميع تحت سقف القانون، ولم يُعطَ أحد استثناء، ولم يسلم المخالفون - وهم قلّة - من المحاسبة الصارمة، ولا مكان للوساطة أو الإغراء، ولم يُجدِ نفعاً لا الترغيب ولا الترهيب، ولم تُعطَ الفرصة لأحد بالتدخّل بالعمل، سواءً من داخل وزارة الريّ أو خارجها، والشواهد معروفة ولا داع لذكرها».

ويحدثنا "المفتاح" حول رحلة العمل التي قام بها إلى السعودية، بقوله: «في (17/2/1992)م غادرت إلى المملكة العربية السعودية بعد أن حصلت على فرصة عمل، فعملت في مؤسسة خاصة بالمهندس "سعد محمد بن لادن" لمدّة سنتين بوظيفة مدير تنفيذ لمشروع إسكان مؤلف من /120/ وحدة سكنية "فيلا" في مدينة "الجبيل" الصناعية، حيث العمل ضمن مواصفات الهيئة الملكية "للجبيل" و"ينبع"، وهي من أفضل وأقوى المواصفات في المملكة، وفي (1/4/1994)م تعاقدت للعمل في شركة "فال" السعودية لصاحبها الشيخ "فهد بن محمد العذل" بوظيفة مدير مشروع، ولمدّة تقارب الثلاث سنوات، وتسنّى لي خلال تلك الفترة العمل في مواقع عدّة، منها أعمال في قصره ومزرعته ومجمع سكني خاص به، حيث أشرفت على تنفيذ ملاعب "تنس" و"سكواش" و"راكت"، وزرت أربع دول إفريقية أريتريا، أثيوبيا، أوغندا، كينيا لأعمال مقاولات خاصة بالشركة.

في (1/11/1996)م تعاقدت مع "المؤسسة العلمية العالمية للمقاولات"، لصاحبها المهندس "محمد نادر الجزائري"، شقيق الدكتور "حسين الجزائري"، الشخصية المعروفة، للعمل بوظيفة مدير مشاريع، وما أزال أمارس العمل فيها حتى تاريخه، وفي هذه المؤسسة ازدادت معرفتي الهندسية من خلال تنوّع العمل الهندسي، وللأمانة أقول: بأن صاحب المؤسسة لا يتدخل بعملي ولا يسألني عن شيء».

وعن الخبرة التي يمتلكها خلال هذه السنوات الطويلة من العمل، يقول: «الخبرات التي أتقنتها خلال سنيّ العمل في سورية والسعودية هي: إتقان اللغة الإنجليزية، إتقان العمل على الحاسب الآلي، وعمل البرامج الزمنية للمشاريع على الحاسب الآلي، وإدارة المشاريع الهندسية (مباني، مشافي، محطات مياه، محطات كهرباء، مصانع، أسواق تجارية، مساجد، طرق، مباني معدنية، مباني مسبقة الصنع، الريّ)، العمل في مجال التحكيم الهندسي، الإلمام بالتأمين الهندسي للمشاريع، الإلمام بالدراسة الإنشائية للمباني وفق البرمجيات الهندسية، ودراسة تسعير المشاريع وتحليل الأسعار.

اتخذت من الهندسة المدنية هواية ومهنة في الوقت ذاته، ومع ذلك لم أتخلّ عن محبوبتي الأولى، أي اللغة العربية وخصوصاً قواعدها التي أتقنتها منذ نعومة أظفاري، وبداية من الصف الخامس الابتدائي، حيث كان شقيقي "أحمد" - رحمه الله - طالباً في كليّة الآداب بجامعة "حلب"، وكان يختارني من بين أشقائي لأذاكر له قبل الامتحانات السنوية، وما غادرت المرحلة الابتدائية إلاّ وعرفت أنواع الأدب وبحور الشعر والشعراء وقواعد اللغة».

وحول الشخصيات التي تأثر بها، يقول "المفتاح": «هؤلاء تأثرت بهم: والدي الذي علّمني الجدّية في العمل، والدتي التي رضعت حنانها، أخي "أحمد" الذي حببّني باللغة العربية وقواعدها، وآخر قاعدة تعلمّتها منه قبل رحيله: لا أخاف جموعكم..... فكلّ جمع مؤنث، أخي "خلف" الذي حببّني بالكتابة، أساتذتي الأفاضل: "إبراهيم داوود" و"محمد أبو ملوح"، من فلسطين، و"عبد الحميد سلامة"، من "الرقة"، و"محمد علي الشعّار"، من "دمشق"، المدير العام للمؤسسة العامة لاستثمار وتنمية حوض الفرات الدكتور المهندس "عبدو قاسم"، المهندس "محمد نادر الجزائري" السعودية، الكاتب العربي الكبير "جهاد الخازن" في جريدة "الحياة" شدّني إلى كتابة التعليقات على مقالاته، وقد نشر لي واحداً منها، وترددت تعليقاتي واسمي في مقالات عدّة له، وأشهد بأن الصحفي "يوسف دعيس" كان وراء تشجيعي على الكتابة، وأول مقال نشرته لي جريدة "الفرات" السورية في (14/9/2008)م كان بمتابعة حثيثة منه، وأراه قد بدأ يقرّبني من عالم الصحافة!».

المهندس "محمد المفتاح" له آراء عديدة في الإدارة وسبل النجاح فيها، وعن ذلك يقول: «إنّ اجتماع المهنة مع الهواية هو أقصر الطرق للعطاء الأكثر، والعطاء الأكثر هو الدرجة الأولى في سلم النجاح في الإدارة، وفي مطلق الأحوال فإنّه لا بديل عن حبّ العمل والإخلاص له، وذلك يتحقق بتوفر الأمانة والنزاهة ونظافة الكفّ، والصدق في التعامل، والدقّة في المواعيد، ولا مكان للوساطة أو المجاملة في العمل، ورفض الاستثناءات مهما كانت الظروف والإغراءات، وتطبيق القانون بحزم، وقوة الشخصية، والشجاعة في اتخاذ القرار الصائب وعدم التراجع عنه، والإلمام بكلّ تفاصيل العمل، والتخطيط السليم، والمتابعة الدقيقة».

وحول كيفية الاستثمار في المهندس؟ يقول "المفتاح": «من الجواب أوجز: عندما يدرس المهندس مشروعه ضمن أسس علمية دون افتراضات لا أساس لها على أرض الواقع، وعندما ينفذّ المشروع الذي يديره وفق أسس علمية صحيحة، ففي حالة الدراسة يوفّر المال من خلال اعتماده على معطيات واقعية لا افتراضية لا أساس لها على أرض الواقع، وفي حالة التنفيذ فإنّه يوفّر المال من خلال وصول المشروع إلى عمره الافتراضي، التصميمي، وكذلك الأمر في التقليل من مصاريف الصيانة التي تحتاجها المشاريع المنفّذة بشكل مخالف للمعايير والمواصفات، وفي جميع الأحوال من واجبنا إعداد طالب الهندسة ليعمل ضمن هذه المعادلة».

رغم أن المهندس "محمد علي المفتاح" من بيئة ريفية، لكنه من أسرة منفتحة نحو العلم، فهو سليل "المريبط"، التي تعتبر أول مسكن في التاريخ البشري، فتاريخها يعود إلى عشرة آلاف سنة إلى الوراء، من هنا يحدد معالم الاستثمار في المرأة، بقوله: «في الجواب أوجز القول بأن المرأة هي عماد المجتمع، والاستثمار في طاقاتها وامكاناتها رهان رابح لأنّه يمتدّ إلى جميع شرائح المجتمع، فعلمها زاد للأبناء الذين لها في تربيتهم وتعليمهم الجانب الأكبر، وعملها يحرّك عجلة التنمية في المجتمع عندما تنتج فيه ولا تكون عالة عليه».