ولد في مدينة "الرقة" عام /1953/م، تخرَّج من كلية الفنون الجميلة في "دمشق" بدرجة امتياز، وكان ترتيبه الأول على خريجي الدفعة لعام /1983/م، وهو عضو مؤسس لتجمع فناني "الرقة"، وعضو اتحاد التشكيليين في سورية، واتحاد التشكيليين العرب، رئيس فرع "الرقة" لاتحاد التشكيليين، منذ منتصف الثمانينيات وحتى تاريخه، عضو لجنة الحفاظ على التراث الهندسي في "الرقة"، عضو لجنة جائزة الإبداع في "الرقة".

مشارك في أغلب معارض القطر الجماعية، سواء داخل القطر أو خارجه، مشارك في معظم معارض فناني "الرقة"، منذ عام /1976/م، له معارض كثيرة مشتركة مع فنانين عرب وأجانب، له العديد من المعارض الفردية والثنائية والمشتركة مع فنانين من سورية، ومن أهم معارضه خارج القطر: معرض "تونس" في فندق أفريقيا "الميريديان" عام /1985/م، ومعرض في صالة "cuando"، "نيويورك" عام /1992/م، كما أن لديه العديد من اللوحات المقتناة في كثير من دول العالم.

أنت قريب منه، إذاً فهو قريب منك، إنه لا يراك عن بعد، كما تراه أنت! لذلك حاول أن تلتصق به دائماً، حتى لو شغلك هذا الأمر عن الإبداع، ولا تحاول أن تبدع بعيداً حيث أنت، فلا جدوى من ذلك، فلن تصبح نجماً مهما فعلت، لذلك عليك بالمركز، حتى ولو بدأت متشرداً

هذه مقتطفات من السيرة الذاتية لواحد من أهم الفنانين التشكيليين الرقيين، إنه الفنان "عبد الحميد فياض"، الذي ساهم، وعلى مدى ثلاثة عقود ونيف، مع غيره من فناني "الرقة"، بصياغة معالم الحياة التشكيلية الأولى في محافظة "الرقة". تميز بثقافته الفنية العالية، وقراءته العميقة لواقع الفن التشكيلي محلياً وعالمياً، لذلك تراه يتأثر أكثر من غيره بكل المتغيرات التي تطرأ على الساحة العامة.

الفياض مع مجموعة من فناني الرقة والفنان مصطفى الحلاج

التقاه موقع eRaqqa بتاريخ (20/12/2009) وسأله عن واقع الفن التشكيلي، في ظل المستجدات العالمية الأخيرة، فأجاب قائلاً: «يقلقني هذا العصر كثيراً، ليس واضحاً ولا متزناً، يحمل متناقضات كثيرة، وليس فيه إلا القليل من الأمان، كيف أستطيع أن أعيش مستقراً؟ وكل ما حولي يجري مسرعاً، فوق قرصٍ يدور بسرعة مذهلة حول نفسه، لم تعد هناك وحدة ثابتة للقياس أو للقيمة، ولا ملامح محددة لكل شيء.

ليست طبقة "الأوزون" وحدها التي ثُقبت، بل كل الطبقات التي في الأرض وما عليها، قد تعددت ثقوبها. نعم أحمل هموماً، ولكنني لا أستطيع أن أفردها أو أعزلها، فهي متشابكة لدرجة أنني بدأت أستسلم لها مجتمعة، في الماضي كان الأمر أكثر سهولة، فقد كنا نقف على ثوابت ذاتية وعالمية مفهومة، أما الآن وفي ظل النظام العالمي الجديد فقد "كربج" العقل والمخيلة، الكل ينظر إلى الكل بأعين مشدوهة وأفواه فاغرة، ولا أحد يدري أو يفهم، هل هو انقلاب سياسي، أو سياسة انقلابية؟

غرافيك

واللعبة تكبر، وآلام "الشقيقة" في الرأس تزداد، وأنا مطالب بأن أحدد همومي كمواطن فنان، يعيش في بلد هو جزء صغير من ذاك العالم، لذلك أعتبر أن الحديث عن هذا الجانب، استراحة للعقل، وتنشيط للذاكرة».

"الفياض" من الفنانين الذين ميزوا باكراً بين الفنان الأصيل، وذاك الدخيل على الساحة الفنية، الذي يتخذ من الحداثة غطاءً لفقره الفني، حيث يقول في ذلك: «الحداثة والمعاصرة، مفاهيم لها معاييرها وأشكالها، وهي ليست وليدة عصرنا، إنها لكل الأزمنة، صحيح أننا نعيش في عصر لا يحترم مقولاته، لكنه أكثر العصور دقةً وانضباطاً في إنتاجه وإبداعه، ولأن الإنتاج الفني جزء من إنتاج هذا العصر، فبالتالي يجب أن تسري عليه شروطه.

من أعمال الفياض

الحداثة والسهولة، ليستا كلمتين مترادفتين، ولكن البعض أرادوا أن يجعلوهما كذلك، ليخفوا عجزهم، فبعض ما نراه الآن على ساحتنا التشكيلية، ماذا نستطيع أن نسميه؟ وتحت أي مقولة يندرج؟ في تاريخ الفن هناك مقولات وضوابط كثيرة، فالمجددين الأوائل لم يلغوا القيم الفنية البحتة، حوروا الأشكال وحطموها وجزؤوها، لكنها بقيت أشكالاً تحمل في طياتها مفاصل التجميع ولو بصرياً، وظل كله في خدمة مضامين معينة، أي بقيت مقولة الشكل والمضمون سائدة، رغم كل محاولات التجديد.

والمدارس الفنية الحديثة بكل تمايزها، وليدة أفكار وقوانين وإيديولوجيات مازال أغلبها سائداً، ويصب دائماً في خدمة أغراضها، والإنسان دوماً هو محور هذه الأغراض، فماذا يجري الآن؟ وتحت أي شعار يمكن تصنيف أعمال بعض المجددين عندنا؟ خروج عن الشكل والمضمون، والتكوين والتناغم، وحي اللون أحياناً، فماذا بقي من اللوحة، حيزها المكاني؟؟!».

وعن كون الفن لغة عالمية، يقول "الفياض": «هذه المقولة صحيحة، لكن لكي تكوّن مفهوماً عالمياً، يجب أن تقدم لغة ذات حروف واضحة، إن ما يجري اليوم، ليس له شفاعته، لا محلياً ولا عالمياً، فعلى الصعيد العالمي، يتم احترام كل ما هو حقيقي وأصيل، وما يسمى إبداعاً، وما عدا ذلك، يسمونه صرعة واحتيال، ويتندرون بالحديث عنه إعلامياً، ويدخل ضمن هذا الإطار مهاجرون من العالم الثالث، وقليل جداً من ينجون من هذا الشرك.

ومحلياً فإن تاريخنا الفني غني ومشرف، وقد قدمنا الكثير للفن العالمي وما زلنا. فنانون عمالقة عالميون بنوا أمجادهم الفنية على الاقتباس والاستعارة من فنوننا وبيئتنا، والأمثلة أكثر من أن تُحصى، فلماذا هذا المجد لا يعود مجدداً؟ هذه ليست دعوة إلى الاقتباس، أو حتى إعادة صياغة التاريخ الفني من جديد، إنها دعوة للبحث الجاد في مفردات هذا الوطن، إنها دعوة للتميز، وإعادة هيكلة الفن التشكيلي العربي من جديد.

العالم الغربي ينظر بحذر إلى نتاج العالم الثالث، وإلى النتاج العربي بخاصة، يراقب، يدرس، ويحلل، ثم يبني موقفه، لماذا يروج الغرب لكل نتاج ركيك وبدائي من عالمنا؟ إنه يريد أن نظل بدائيين بالمقارنة إلى ثقافته، ونحن الآن مطالبون بفهم حقيقي للعبة العالمية، ومن ثم الدخول فيها بوعي وتخطيط، مستفيدين من تجارب الآخرين».

الإعلام لعبة، هذا ما يراه "الفياض"، ومن يجيد هذه اللعبة، لابدَّ أن يفوز في النهاية، يقول: «أنت قريب منه، إذاً فهو قريب منك، إنه لا يراك عن بعد، كما تراه أنت! لذلك حاول أن تلتصق به دائماً، حتى لو شغلك هذا الأمر عن الإبداع، ولا تحاول أن تبدع بعيداً حيث أنت، فلا جدوى من ذلك، فلن تصبح نجماً مهما فعلت، لذلك عليك بالمركز، حتى ولو بدأت متشرداً».

عندما تسأله عن جدوى العمل الفني بعيداً عن العاصمة، التي تستأثر بكل مفاتيح المجد والشهرة، فيما يخص الفن، وهذا ما نراه في أغلب مدن العالم، تراه يجيبك: «عندنا الوضع خاص جداً، فتاريخياً سورية هي موطن للعديد من الحضارات، لم تنفرد مدينة واحدة بقيادة ذلك التاريخ، كل مدينة في سورية كانت عاصمة لمرحلة تاريخية معينة، كلها أنتجت حضارة وثقافة وفناً، وإن عصر "دمشق" المشرق، لم يلغِ وهج المدن الأخرى التي قدمت الكثير من الإبداعات عبر كل الأزمنة، وعلى كامل الرقعة السورية».

سألناه عن دَوْرِ صالات العرض الخاصة في دفع عجلة الفن التشكيلي قُدُمَاً، فقال: «كثرت صالات العرض الخاصة، حتى كادت تلغي دور وفاعلية الصالات العامة، والمشكلة ليست في هذا الإطار، فنحن نرحب بازدياد الصالات الخاصة، إنما المشكلة في النوعية والهدف، فهناك صالات أبرزت بعض الوجوه الفنية الجيدة، وأتاحت لهم فرصة الظهور والتواجد، وهناك صالات ساهمت بتخريب بعض المبدعين، وجعلهم طوعاً لمقاييسها ورغبات أصحابها وزبائنها، إنهم مستثمرين وليسوا مساهمين في تطوير الحركة الفنية.

مطلوب جماليات فقط، ألوان، خطوط، لوحات تتناسب مع فرش البيوت الفخمة، وضع سعراً كبيراً، تصبح فناناً كبيراً، بقدر ما تبتعد عن الفكر والمضمون، بقدر ما تصبح ناجحاً ومطلوباً.

المواطن المتذوق لم يعد يجرؤ على ارتياد هذه الصالات بسبب إحساسه بعقدة النقص تجاه ما يراه داخل هذه الصالات من جهة، وعدم احترامه لما يعرض فيها من جهة أخرى، ناهيك عن الاستفزاز الذي يشعر به عندما يقرأ ثمن لوحة، ولأن الصالات العامة أصبحت متكاسلة، مقارنة بنشاط الصالات الخاصة، أو ربما هي أيضاً تعاني من عقدة النقص أيضاً.

وقد غدا المتلقي لدينا يجتر ذاكرته، ويترحم على الذين ماتوا من التشكيليين السوريين الذين كانوا يقدمون لوحة مقابل وجبة غداء، والنتيجة فنانين صغاراً بدوا كباراً، وفنانين كباراً انزلقوا، وجمهور الفن غائب، والسوق سيدة الموقف، ونسمع باستمرار أن الحركة الفنية تشهد عصرها الذهبي، حيث غدا الفنان يعيش من إنتاجه الفني برفاهية، فأي فنان؟ وكم فنان؟ والفن في خدمة ماذا؟».