في قرية "طاوي رمان" إحدى قرى مدينة "الرقة"، الغافية على الضفة اليسرى لنهر "الفرات"، ولد الباحث والشاعر "محمد موسى الحومد"، في عام /1969/، وفيها أمضى المراحل الأولى من دراسته، ليتابع بعدها دراسته في جامعة "بيروت العربية"، ومنها حصل على إجازة في الحقوق عام /1993/، وفي عام /1996/ بدأ العمل كموظف في مؤسسة التأمينات الاجتماعية في "الرقة"، وهو حالياً يشغل منصب مدير المؤسسة.

بدأ يتلمَّس طريقه إلى الشعر والبحث في التراث الشعبي، في مرحلة مبكرة من حياته، حيث نظم مجموعة كبيرة من الأشعار، ومعظمها من لون "الموليَّا"، وهو في مراحل دراسته الأولى، لكنه لم يطبعها حتى هذا اليوم، وفي عام /1993/ بدأ بنشر مجموعة من المقالات والقصص القصيرة في مجلة "الحداثة" اللبنانية، المتخصصة في مجال التراث الشعبي، كما كانت له كتابات كثيرة في مجال التراث الشعبي، نشرت في جريدة "الفرات" التي تصدر في "الجزيرة" السورية، وصوت "الرافقة" التي تصدر في مدينة "الرقة".

الموليَّة في اللغة: الصبي الذي أولي عليه، والمواليَّا: نوع من الشعر كانوا يتغنون به، وكانوا يقولون في آخر كل صوت منه«يا مواليَّا

وقد كان أحد المشاركين في تحرير موسوعة تاريخ "الرقة" في عام /2001/، قدم مجموعة من المحاضرات في مجال التراث، وذلك في عدد من المحافظات السورية، وعن الشعر النسوي الرَّقي، كتب العديد من المحاضرات ومن أهمها: "الكلمة الأنثوية في الشعر الرَّقي"، و"طقوس الحزن وأغانيه في الريف الرَّقي"، له كتابان مطبوعان الأول بعنوان "قبسات من الشعر الفراتي" في عام /1995/، والثاني بعنوان "شعراء الموليا في القرن العشرين" في عام /2000/، كما أن لديه عدَّة مخطوطات سترى النور قريباً، المخطوطة الأولى في التراث الشعبي، وهي بعنوان: "الشعر الشعبي الرَّقي بين الأصالة والتقليد"، أما الثانية فهي عبارة عن مجموعة قصصية، وهناك مخطوطة تضم ديواناً شعرياً، يضمُّ بين دفتيه كلُّ ما نظمه من أشعار من لون "الموليا"، أما المخطوطة الأخيرة فهي عبارة عن عمل روائي.

الأديبة فوزية المرعي

تقول عنه الأديبة الرقية "فوزية المرعي": «هو غصن من غريف تغلغلت جذورها في تُرب حضارة امتدت عبر قرون مضت حتى اليوم... وقد حباه الله بسكنٍ في "الرقة السمراء"، على الضفة اليسرى لـ"الفرات".. فدوَّن على صفحاته الطفلية مد النهر من طوفانه، وشهد جزره في ريعان شبابه، وشاهدُ عيانٍ على انسيابه في سريره هادئاً قرير الموج، فانبرى قلمه الراعف بفيض الوعي، ينسج القصائد من سعف الطفولة العابثة بوهج الرمل ورطوبة الأمواج، وحيناً آخر.. يثاغم بوح "حويجة" غفت على صدر "الفرات"، يشده إلى سقسقة النهر، صهيل مهر جامح، وثغاء الفراهيد وبغام الظباء ونغيط الطيور وسجع الحمائم.... بالإضافة لثقافته الواسعة، وبالرغم من موهبته الشعرية في الشعر الشعبي والفصيح، فقد وجد نفسه مشدوداً للتراث الشعبي، فأخلص للرغبة مبحراً على قارب البحث، منقِّباً عن معاني المفردات، سابراً دلالاتها.. متنقلاً بين "العتابا" و"السويحلي" و"الموليا"».

وعندما التقاه موقع eRaqqa بتاريخ (23/2/2009) عرَّف "الحومد" عن نفسه بشفافية وصدق، حيث قال: «أنا لست شاعراً لكنني أدندن الشعر أحياناً، وذلك حين أجد صورة جميلة لم يصفها شاعر قبلي، أو عاطفة فائضة لم تجد من يسندها، كما أنني لست باحثاً، لكنني ألملم تلك الكلمات التي لم تجد من يحفظها من الزوال، وأُذكِّر الآخرين بها، ولست قاصَّاً لكنني أفِّرغ وقائعي القصيرة في مقطوعات أكتشف فيما بعد أنها قصص، ولست روائياً، لكنني كتبت ذات مرّة واقعة تَبيَّن لي فيما بعد أنها رواية.

قبسات من الشعر الفراتي أول مؤلفات الحومد

كما لم يقترن تأثري باسم لأديب أو شاعر، لكنني لاحقت الكلمات العذبة أينما حطَّت، وقد أحببت من القصَّاصين "طه حسين" و"عبد السلام العجيلي"، ومن الشعراء "إيليا أبو ماضي" و"الشاعر القروي" و"نزار قباني"، ومن الشعراء الشعبيين "مظفر النواب" و"محمد الذخيرة" و"محمود الذخيرة"».

وعن حقيقة "الموليَّا" التي كان لها نصيب الأسد، من أبحاث وأشعار "الحومد"، وعن سبب هذه التسمية، حدثنا قائلاً: «الموليَّة في اللغة: الصبي الذي أولي عليه، والمواليَّا: نوع من الشعر كانوا يتغنون به، وكانوا يقولون في آخر كل صوت منه«يا مواليَّا» إشارة إلى ساداتهم، والعامة تقول: «الموال جمعه مواويل»، والمولويَّة: قلنسوة من صوف مستطيلة يلبسها المولويُّ، يقال «فيه مولويَّة»، أي يشبه الموالي بمعنى السادة.

كتاب شعراء الموليا في القرن العشرين

أما "الموليَّة" التي نبحث فيها، فهي أحد أبرز ألوان الشعر الغنائي في وادي"الفرات"، وشكلها بيت بأربعة أشطر، أشطره الثلاثة الأولى موحدة الروي، أما الشطر الرابع فيختم بياء مشدَّدة وهاء متروكة كقول الشاعر:

دمع البيابي على الوجنات رشراشي

مستعكف بحجرتي نايم على فراشي

كل يوم يدزِّن علينا البيض طرَّاشي

القلب عيَّ يوالف لغيرها هيَّه

وقد اختلف الباحثون حول أصل التسمية وزمان ومكان ابتكارها، فمنهم من قال: «إنها سلالة "المواليَّا"، التي ابتكرها "البرامكة" في عهد "الرشيد"، وأعادها آخرون إلى أهل "واسط" في العصر الأموي.

يقول "حمودي إبراهيم": «"الموليه" أو "الملاية" في عرف أهل الريف والبادية، هي المرأة التي تجيد القراءة والكتابة، وتقوم بأداء الأمور النسائية، كرسم الوشم وغيره، ولما كانت هذه "الملاية" على هذا القدر من المعرفة فهي إذن، وكما يتصورها سكان تلك المناطق وقياساً على براعتها مقياساً للجمال، وهكذا ولدت هذه الأغنية في العراق وتنظم بنظم "البيات"، ويعتبرها الشاعر "محمود الذخيرة" غناءً خاصاً بالمواليَّات (بنات وزوجات الموالي).

وبتقديري أن (الموال) في بداياته كان غناءً يخصُّ "الموالي"، لذا جاءت تسميته منهم، و"المولية": عبارة عن موال رباعي، اشتق اسمها من الموال، وهي غناء "للمواليات"، فربما كان يخصُّ النساء فقط، فسمي عليهن "مواليه"، ووصل لعهدنا هذا بعد أن حذفت الألف وشددت الياء، فأصبحت كما نلفظها الآن "موليَّه"، ومن الباحثين من يعيد التسمية إلى "العصابة" التي يشدُّ بها الرأس، أو ما يعرف بوادي "الفرات" بـ"الهباري"، والتي تشبه القلنسوة التي ورد الحديث عنها في المعنى اللغوي لـ"الموليه"، وهذا الرأي أكثر إقناعاً لأن إحدى لازمات "الموليه" تقول:

عالعين موليتين عالعين موليه

ياواردات الغدر ما بالغُدر ميَّه

ومن الغريب أن هؤلاء الباحثين لم يلتقوا في نقطة واحدة، مع أنهم يبحثون في معنى لمفردة واحدة، مما يرجح أنها ذات هوية مجهولة، وأن ابتكارها يعود لعصور الانحطاط».

وبسؤال "الحومد" عن أهم ما قدمه من مؤلفاتٍ في مجال البحث في التراث الشعبي، تحدث قائلاً: «كل ما أنجزته كان مجرد تجارب، الهدف منها الحفاظ على أشعار وأغانٍ في طور الاندثار، وقد نشرت كتابين في هذا الجانب، الأول: "قبسات من الشعر الفراتي" في عام /1995/، وهو دراسة عن ألوان الشعر الشعبي الغنائي في وادي "الفرات" (العتابا، الموليا، النايل، السويحلي، اللكَّاحي)، وهو كاسمه، شيء قليل من شيء كثير، عرَّجت فيه على هذه الألوان، وثَّقت بعض أبياتها وبسَّطتها للقارئ العزيز، والثاني: "شعراء الموليا في القرن العشرين" في عام /2000/، تحدثت فيه عن "الموليا"، أصل التسمية، صلتها بالألوان الأخرى، وزنها العروضي، غناؤها وسيرة ذاتية لكل من نظم لون "الموليه" خلال القرن الفائت، ودونت شعرهم مع شرح مبسط لهذه الأشعار لتسهيل معرفتها على القارئ».

ويحدثنا "الحومد" عن واقع الشعر الشعبي في مدينة "الرقة"، حيث يقول: «أنا لا أقيس واقع الشعر الشعبي في "الرقة"، على أسماء معينة نسمعها ونراها أحياناً على المنابر وشاشات التلفزة، وإنما أقيسه على نتاج أولئك الذين لا نعرف أسمائهم، وتلك الأشعار غير المقترنة بالأسماء، سواء أكان ذلك في "العتابا" و"الموليا" و"النايل" و"السويحلي"، والنعي بشقيه القول والندب، وبالتالي فهو بحياة مستمرة ـ أي الشعر الشعبي ـ البارحة بحال واليوم بحال وغداً بحال آخر».