«تميز الأرشمندريت "نعمان روِّيق" بالحضور اللافت والفاعل في كافة المناسبات والأعياد الوطنية والقومية والدينية، مسيحية أو إسلامية على حدٍ سواء، وهو يجسد حقيقة اللحمة الوطنية بين كافة الإثنيات في سورية، إضافة لنظرته الشمولية نحو التسامح والمحبة، وتمثله لرسالة السيد "المسيح"، وإمكانية عكسها على أرض الواقع، وتمتعه بسعة الثقافة والإطلاع، إضافة لمشاركته الفاعلة في المجتمع، التي عززت تواجده المحبب بين جميع الأوساط والفئات المختلفة».

هذا ما قاله الإعلامي "حبيب البشير" وهو يلقي الضوء على شخصية الأرشمندريت "نعمان روِّيق" الذي يعتبر من أهم الشخصيات المسيحية في محافظة "الرقة"، موقع eRaqqa توجه بتاريخ (20/1/2009) إلى كنيسة "سيدة البشارة"، والتقى الأب "نعمان"، وسأله عن مسيرة حياته، ولماذا اختار العمل في مجال الدين؟ ونظرته إلى التسامح والمحبة، وتجديد رسالة السيد "المسيح" عليه السلام..

منذ أن وطأت قدمي هذه المدينة المحببة إلى قلبي، عملت في سبيل الحصول على قطعة أرض لبناء كنيسة كبيرة فيها تستوعب المؤمنين، الذين يبلغ عددهم زهاء /1500/ عائلة مسيحية، من مختلف الطوائف، وقد استجابت العناية الإلهية لتطلعاتنا، وخصصنا مجلس مدينة "الثورة" بقطعة الأرض، وبمساعدة الجهات الرسمية تم إشادة الكنيسة على ضفاف بحيرة "الأسد"

يقول "روِّيق": «ولدت في مدينة "حلب" في عام /1957/ من أسرة حلبية مؤلفة من ستة أخوة، أنا أصغرهم، ودرست الابتدائية والإعدادية والثانوية في مدارس "حلب"، وفي عام /1975/ حصلت على الشهادة الثانوية، وتوجهت إلى لبنان لمتابعة دراستي اللاهوتية في كلية القديس "بولس" اللاهوتية، وكلية "الكسليك"، وكنت خلال دراستي الجامعية أساعد في أعمال البر والنشاطات الروحية، لأدرب نفسي على الرسالة التي أردت أن أخصص حياتي لها».

خلال مشاركته في قداس بمدينة الرصافة

ويتابع "روِّيق": «بعد أن أنهيت دراستي الجامعية واللاهوتية في لبنان، عدت إلى "حلب" في عام /1981/، وسيمت كاهناً (قسيس) في عام /1982/، وبعد سيامتي كاهناً تابعت دراستي العليا، حيث تخصصت برسم الإيقونات في فرنسا وروسيا، ومنذ ذلك الحين استلمت الخدمة في مدينة "الثورة"، زيادة على الخدمة التي استلمتها في "حلب"، ألا وهي خدمة كنيسة ورعية القديس "جاورجيوس" في "حلب"، والحركات الرسولية والنشاطات الرعوية، إضافة لمسؤوليتي عن لجنة المقابر وخدمة الأيتام».

وعن بداية عمله في مدينة "الثورة"، يقول: «منذ أن وطأت قدمي هذه المدينة المحببة إلى قلبي، عملت في سبيل الحصول على قطعة أرض لبناء كنيسة كبيرة فيها تستوعب المؤمنين، الذين يبلغ عددهم زهاء /1500/ عائلة مسيحية، من مختلف الطوائف، وقد استجابت العناية الإلهية لتطلعاتنا، وخصصنا مجلس مدينة "الثورة" بقطعة الأرض، وبمساعدة الجهات الرسمية تم إشادة الكنيسة على ضفاف بحيرة "الأسد"».

خلال حضور لأحد نشاطات مديرية الثقافة

وعن أسباب اختياره العمل في مجال الدين، يقول "روِّيق": «عندما كنت شاباً يافعاً كنت أعمل في مجال النشاطات الخيرية التي ترعاها الكنيسة، ومن خلاله بدأت أتعرف على الخدمة والمحبة بشكلها الأنضج، زد على هذا أن لي خالاً يعمل كاهناً، وهو الآن البطريرك "أغناطيوس بطرس الثامن عبد الأحد"، بطريرك السريان الأنطاكي، وقد شجعني بكلامه وعمله ورسالته، وقررت أن أحذو حذوه، لأن الكتاب المقدس يقول: (الحصاد كثير، أما العملة فقليلون)، فقد آليت على نفسي أن أكون واحداً من الذين يعتمد عليهم الرب، ويرسلهم لحصاده».

ويضيف قائلاً: «أدى هذا الاختيار إلى صراعات كبيرة في نفسي، حيث بدأت بالتفكير مطولاً، هل سأكرس كل حياتي لخدمته تعالى، دون أن أكون صاحب عائلة وأسرة، أسوة بباقي الناس، أم سأضعف، وأغير مسار حياتي؟.. وأخيراً استقر بي الرأي أن أكون مكرساً حياتي لمن خلقني وانتشلني من الضعف، وخلّصني من ترهات العالم وأهوائه، لذلك قررت ألا أرتبط سوى مع الله، الذي اختارني، وهو يعرف ضعفي، وأرسلني بقوته لأكون شاهداً له، أنا الخاطئ الذي يقول فيه سبحانه: (في الضعف تكمن قوتي)».

أثناء احتفالات الكنيسة بعيد الميلاد المجيد

ويتابع في ذات السياق: «لن نستطيع أن نكون شاهدين للنور، ونحن قابعين في الظلمات، ولن نستطيع أن نشهد للحقيقة، ونحن مجبولين بالكذب والخداع، ولن نستطيع أن نقدم للآخرين، إن لم نختر الموت من أجلهم، لأن فاقد الشيء لا يعطيه. كيف لي أن أكون رجل سلام، وأنا ممتلئ حقد وضغينة وأنانية، لا يمكنني ذلك إلاّ أن أتشبه بمن جاء بميلاده السلام على الأرض والمسرة بين البشر، وهو مرشدي ودليلي ومثالي الأعلى، الذي أراه كيفما التفتت، في الأطفال والفقراء واليتامى والأرامل، وجميع من ألتقي بهم».

وعن "الرقة" والعمل بها، والعيش المشترك مع سكانها، يقول الأب "نعمان": «حين رقيت إلى درجة "أرشمندريت"، وأصبحت المعاون الأسقفي على "الرقة" والفرات، اخترت البقاء والخدمة فيها، وتعرفت على شرائح مختلفة من المشارب والأطياف، وهذا ما أحببته فيها، حيث نشكل جميعاً النسيج السوري الخاص، والذي نُحسد عليه من العالم أجمع، من خلال هذا النسيج المتراص والمترابط، الذي يشكل لوحة فسيفسائية رائعة الجمال، ولا أطلب في يوم من الأيام أن أكون لوحدي، إنما دائماً مع هذا النسيج في لحمته المتجددة دوماً، أفتخر بانتمائي الوطني السوري، وبأخوتي المسلمين بمختلف طوائفهم، والمسيحيين أيضاً بمختلف طوائفهم، معاً بالفرح والحزن، لأننا أولاً وأخيراً أبناء وطن واحد، ونعيش في ظل قواسم مشتركة، وتحت مظلّة واحدة».

ويختتم الأب نعمان" حديثه بوصايا أسقف "حلب" السابق المطران "ناوفيطوس ادلبي"، حيث يقول موجهاً كلامه لإخوته المسيحيين في رسالة، جاءت ثمرة تأمل: «اذكر أن لك في بلادك رسالة، فكن أميناً عليها، مخلصاً لها، لا تكن سلبياً، بل انفتح على بيئتك، وانصهر فيها، أحبب بلادك واسهم في إنعاشها، تفهم التيارات الجديدة، وحاول أن تبث روح المسيح فيها، كن رجل صلاة، وصلِ مع كل من يصلي، كن شاهداً في كل حياتك، لا تقنط أبداً، عرِّب النصرانية، وأحبب.. ثم أحبب، ثم أحبب، وهذا مشروع نتمناه خيراً للمواطن».