«شكّلت المسطحات المائية في "الرقة" مصدراً رئيسياً لأنواع عديدة من الأسماك، وعلى الرغم من أهمية السمك كوجبة غذائية متكاملة، مازالت هذه الوجبة غير أساسية على موائد أبناء "الرقة"، ويعود سبب تدني معدلات تناول السمك، واعتباره مادة غذائية ثانوية، إلى تفشي الصيد الجائر، وضعف أشكال الرقابة والحماية على المسطحات المائية، ما أدى إلى انقراض أنواعٍ عديدة من الأسماك، فمن بين أكثر من أربعين نوعاً كانت تعيش في مياه "الفرات"، لم يبقِ الصيد الجائر سوى على بضعة أصناف، لا تتعدى الخمسة أو الستة.

في رحلة البحث عن البدائل، والوسائل التي يمكن لها أن تحافظ على ثروتنا السمكية، وبعيداً عن التشريعات الناظمة لعمليات الصيد، والتقيد بمواعيد المنع، والإجراءات الصارمة التي من المفترض أن تطبق بحق المخالفين، تقدم مزارع الأسماك الخاصة، حلولاً ولو جزئية لبدائل الثروة الطبيعية المتجهة نحو التقلّص والانقراض التدريجي، وهنا يمكننا الحديث عن تجربة الأقفاص العائمة في بحيرة "الأسد"، والتي يمكن أن تقدم أنموذجاً أمثل لتربية الأسماك، والحفاظ عليها من شبح الانقراض».

لدى الهيئة العامة للثروة السمكية إستراتيجية متكاملة لإنتاج الكميات اللازمة من الإصبعيات لإعمار السدود والمسطحات المائية المتوافرة في القطر، وهي تهدف بذلك لتأمين مصادر متجددة لإنتاج الأسماك، وتهيئة فرص عمل للصيادين بعيداً عن الصيد الجائر، ونتيجة للمزايا التي تتمتع بها تربية الأسماك بالأقفاص العائمة، ولتوافر المسطحات المائية في محافظة "الرقة"، وإمكانية تطبيق هذه الطريقة فيها على نطاق أوسع، كنهر "الفرات"، وصراة "العكيرشي" وسواها، فإن اعتماد هذه التجربة وتعميمها، وإفساح المجال أمام القطاع الخاص للاستثمار فيها، يمكن أن يسهم في تأمين حاجة الأسواق المحلية من لحوم الأسماك، وتحقيق فوائض تصديرية

ذكر ذلك المهندس "محمود الخليف"، مدير فرع الهيئة العامة للثروة السمكية في مدينة "الثورة"، وهو يتحدث لموقع eRaqqa بتاريخ (15/9/2010)، عن تجربة تربية الأسماك في أقفاص عائمة في بحيرة "الأسد".

المهندس أحمد جبارة

وعن تاريخ تطبيق التجربة، وفوائدها، وتوفيرها لكميات كبيرة من الأسماك تغطي جزءاً من حاجة السوق المحلية، يضيف "الخليف"، قائلاً: «إن تجربة تربية الأسماك ضمن أقفاص عائمة بدأت في "الرقة" بُعيد بناء سد "الفرات" وتشكّل بحيرة "الأسد"، وهي بالأساس تجربة ألمانية، حيث أجرى الخبراء الألمان دراسة متكاملة للأحياء المتوافرة في نهر "الفرات"، وتم تطبيق تجربة الأقفاص على أكثر من نوع سمكي، ثم انحصرت بسمك "الكارب"، كأكثر الأصناف ملاءمة وتكيفاً مع هذه التجربة، وهي من أنجع التجارب في استغلالها الأمثل للمياه، حيث لا تحتاج هذه الطريقة إلى ضخ كميات كبيرة من المياه واستبدالها المستمر مثل الأحواض، كما تتميز بسهولة مراقبة الإصبعيات المزروعة ضمن الأقفاص، بأخذ عينات عشوائية منها، ومراقبتها صحياً، والكشف عن أية حالة مرضية طارئة ومعالجتها، مع أخذ أوزان وسطية للإصبعيات ومعرفة مدى قابليتها للنمو، كما تتميز هذه الطريقة بسهولة الحصاد، حيث يتم رفع الشبك، وتوضع الأسماك ضمن أحواض مائية، وتصل حية لأسواق تصريفها واستهلاكها، وبذلك نضمن أن تكون طازجة وتحتوي على أكبر قيمة غذائية ممكنة».

وعن كيفية تطبيق التجربة، والبيئة التضاريسية المناسبة للتطبيق، يقول مدير فرع الهيئة: «طبقت الهيئة العامة للثروة السمكية تجربة الأقفاص العائمة في مدينة "الثورة" في مزرعتين، الأولى في خليج "عايد" على الضفة اليمنى لنهر "الفرات"، وفيها /62/ قفصاً عائماً، والثانية في مزرعة "جعبر" على الضفة اليسرى، بمجموع /84/ قفصاً، وموقع المزرعة يجب أن يراعى فيه بعده عن التيارات الهوائية، حتى لا يؤثر على كفاءة القفص وعمره الزمني الافتراضي، والذي يصل إلى /13/ سنة للقفص المعدني، في حين يُستبدل الشبك الحريري مرة كل خمس سنوات، كما تسبب التيارات الهوائية العالية إجهاداً للأسماك بسباحتها ضد هذه التيارات.

المهندس محمود الخليف

والقفص العائم عبارة عن هيكل معدني بأبعاد /9×9/م أو /6×6/م وبعمق خمسة أمتار، وبداخله شبك حريري صناعي مزدوج يأخذ شكل صندوق مفتوح من الأعلى، وتتراوح أقطاره ما بين /16/ إلى /25/مم، بحيث يسمح بمرور المياه، ويمنع هروب الإصبعيات، ويتم ربط كل مجموعة من الأقفاص ببعضها بعضا، مع ربطها بقاع البحيرة بكتلة بيتونية تمنع تزحزحها، ويعلو القفص معلف لتقديم الغذاء للإصبعيات المزروعة، وتطفو الأقفاص من خلال مجموعات حلقية وبراميل مرتبطة بها».

وحول أساليب تقديم الرعاية للإصبعيات، وطرائق زراعتها، تحدث لموقعنا المهندس "أحمد جبارة"، رئيس مزرعة خليج "عايد"، قائلاً: «تستجر الإصبعيات التي تُزرع ضمن الأقفاص العائمة من مزارع إنتاجها في فروع الهيئة، وقبل أن يتم وضعها في الأقفاص، تفرز حسب الأحجام المتماثلة، حيث يتم زراعة ما بين /5/ إلى /7/ آلاف إصبعية في كل قفص، وفي موسم العام الحالي /2010/ تم زراعة /450/ ألف إصبعية جديدة، و/80/ ألف إصبعية مدورة من العام الفائت، وهي الإصبعيات التي لم تصل للأوزان المناسبة للبيع.

الأقفاص العائمة في خليج عايد

تتم الزراعة في بداية شهر حزيران من كل عام، وتعتمد على الزراعة الكثيفة، وبمعدل وسطي يصل إلى /100/ إصبعية في المتر المكعب الواحد، وتستمر عمليات الرعاية والتعليف مدة خمسة أشهر، حيث تقدم للإصبعيات تركيبة علفية متكاملة من الذرة الصفراء وكسبة القمح والقطن وطحين السمك وفول الصويا، ومع نهاية شهر تشرين الأول تزن الإصبعية الواحدة ما بين /600/ إلى /1500/غ، وهي أوزان مناسبة للاستهلاك، ويبدأ التسويق في بداية شهر تشرين الثاني، ضمن مزايدات تعلن عنها الهيئة العامة، وفي موسم العام الفائت جاوز إنتاج الفرع /320/ طناً، منها /140/ طنا في مزرعة "عايد"، و/180/ طنا في "جعبر"، ورست المزايدة العلنية على أحد المتعهدين بسعر /110/ آلاف ليرة سورية للطن الواحد».

وعن إمكانات تعميم هذه التجربة على باقي المسطحات المائية، يختتم المهندس "جبارة" حديثه، قائلاً: «لدى الهيئة العامة للثروة السمكية إستراتيجية متكاملة لإنتاج الكميات اللازمة من الإصبعيات لإعمار السدود والمسطحات المائية المتوافرة في القطر، وهي تهدف بذلك لتأمين مصادر متجددة لإنتاج الأسماك، وتهيئة فرص عمل للصيادين بعيداً عن الصيد الجائر، ونتيجة للمزايا التي تتمتع بها تربية الأسماك بالأقفاص العائمة، ولتوافر المسطحات المائية في محافظة "الرقة"، وإمكانية تطبيق هذه الطريقة فيها على نطاق أوسع، كنهر "الفرات"، وصراة "العكيرشي" وسواها، فإن اعتماد هذه التجربة وتعميمها، وإفساح المجال أمام القطاع الخاص للاستثمار فيها، يمكن أن يسهم في تأمين حاجة الأسواق المحلية من لحوم الأسماك، وتحقيق فوائض تصديرية».