دونوا في صدورهم أغاني تتحدى الزمن، فاتصفت بالتنوع والثراء، فمن شواطئ الفرات ورمال الصحراء، جادت حناجر الشعراء الفراتيين بأشعار لا تزال تحظى بالاهتمام.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 3 أيلول 2014، الشاعر الفراتي "خالد الفرج"، الذي قال: «صحراء البادية، وشواطئ الفرات، عاملان أثرا في قريحة الشعراء الفراتين، فاتصفت كلماتهم بالتنوع والثراء بكل ألوانها وأشكالها، ليدونوا في صدورهم أغنية تتحدى الزمن لأن كلماتها محفورة في عقول الناس وصدورهم، أما القصيدة المكتوبة، فلم تأخذ حظاً كبيراً من الاهتمام والرعاية، مثل:

ما زال الشعر البدوي كما نشأة الشعر الأولى شعراً مغنى يلقى منغوماً بمصاحبة الربابة على الأغلب، ومثلما تختلف أنغامه باختلاف نوع الشعر، تتعدد بحوره الشعرية وأوزانه حتى تتجاوز الخليليات إلى أوزان يصعب حصرها، وتبقى النغمة هي الضابط الحقيقي للوزن

"أصبحت لني جمل.. وأجرش على نابي

الباحث عبد الفتاح قلعجي

من ثقل الحمال.. وترايك على جنابي

مجروح جوا الكتف.. وجرحي عيابي

لا الجرح يبرى.. ولا الجمال يدرى بي"».

ويضيف: «يتسم الغناء في "الفرات" بالطابع البدوي لكون مدينة "الرقة" تقع في صحراء، ومجتمعها مازال محافظاً على العادات والتقاليد البدوية، كما تأثرت البيئة "الفراتية" بالفن الغنائي نتيجة تعدد الحضارات التي سكنت ضفاف "الفرات".

فقالوا:

"كانوا سلاطين.. نزلوا عن كراسيهم

صاروا دراويش.. والجامع يلفيهم

وإن كان يا قلب.. لك رجا بيهم

شمعة لسيدي.. يوم نلاقيهم"».

ويشير الباحث "خلف العلي" في كتابه "الأغاني الفراتية بالقول: «تتميز الأغنية الفراتية ببساطتها، وهذه البساطة في الأفكار تجعلها قادرة على التعبير عن حقيقة ما يعانيه الشاعر الفراتي وما يكابده، ولكل شعور تخصص ونوع معين من الغناء، فللحزن الشديد "النعي والندب"، وللفرح "الدبكات"، وللسهرات والمجالس الطويلة "الموليا"، وللأطفال وخصوصاً عند النوم "الهدي"، وللعاطفة والحزن والغربة والتذكر وبث الهوى: "العتابا، والسويحلي، والنايل، والأبوذية"، فتنوع الأغنية الفراتية وتخصصها وشاعريتها وشفافيتها وعذوبة ألحانها من أهم مميزاتها.

"دكتور جرحي الأولي عوفا.. جري الجديد عيونك تشوفا

أكثر من الأول عيني.. وبمدتا أطول يوبا"».

ويتابع: «ما زال الشعر البدوي كما نشأة الشعر الأولى شعراً مغنى يلقى منغوماً بمصاحبة الربابة على الأغلب، ومثلما تختلف أنغامه باختلاف نوع الشعر، تتعدد بحوره الشعرية وأوزانه حتى تتجاوز الخليليات إلى أوزان يصعب حصرها، وتبقى النغمة هي الضابط الحقيقي للوزن».

وبين الباحث "عبد الفتاح قلعه جي" بالقول: «ما زال الفرات عبر التاريخ مصدر الوحي والإلهام لأغلبية الشعراء الذين عاشوا على ضفافه أو ممن قدموا إليها من البادية، والصلة وثيقة ما بين البادية والفرات فهما المورد والسوق ومحط القوافل الضاربة والطريق القديمة التي تسير عليها القوافل ما بين الخليج وشواطئ المتوسط، ومن الفرات قدمت ألوان عديدة من الشعر الشعبي الغنائي، وعلى المدى الطويل تكونت للسكان القاطنين على ضفاف هذا الشريط المائي شخصية موحدة».

ويضيف: «إن الألحان والأشعار الشعبية الغنائية كانت في حركة متصلة توحد بين شعوب هذه المنطقة وتربط بين ماضيها وحاضرها، وكانت هي المعبر عن القيم الروحية والجمالية لها وعن مواقفها المشتركة من الحياة والناس والأحداث التاريخية، ولا تزال إلى الآن بعض هذه الأغاني تحمل بين كلماتها كلمات غامضة تعود إلى عهود موغلة في القدم، وبعض الألحان تبدو متناسخة عن تراتيل قديمة، حيث تخضع الأشعار الغنائية في شكلها اللغوي واللحني وفي مضمونها من حيث البناء الأولي والتطور للبيئات التي نشأت فيها أو التي هاجرت إليها، إن أداء النوع الواحد منها يختلف من قبيلة لأخرى ومن منطقة لأخرى».

ويختم: «تشير الدراسات التاريخية إلى أن بعض الأغاني انحدرت من عهود وحضارات قديمة شهدتها المنطقة؛ فعندما يتعرض الدارس إلى أغاني "الميمر" الفراتية لا بد أن يشير إلى "ميامر مار أفرام" الشاعر السرياني الكبير، ولفظة "ميمر" في الأصل هي سريانية، وعندما نتحدث عن أغنية "سكابا يا دموع العين"، هذه الأغنية التي يغلب عليها طابع الحزن وصور الموت والنداء من أعماق العالم السفلي، لا بد أن نشير إلى ترتيلة كنيسة سريانية قديمة بذات اللحن».