كشفت التنقيبات الأثرية عن القصور والبيوت التي تزينها الزخارف والصور، أنه كلما زادت حضارة المجتمع وزادت رفاهيته، زاد الاعتناء بالفن البصري.

وأصبحت قصور الملوك أهم مراكز الثقافة، إلا أن التصوير الإلهي لم يكن يحمل ذات الصفات في أنحاء "سورية" القديمة، فالاختلاف يظهر حسب طبيعة كل منطقة، وطبيعة الفنان السوري القديم، ويمكن أن نلحظ الاختلاف في التصوير بين المناطق الساحلية، والمناطق الداخلية، فالداخل السوري الأكثر قرباً من "الفرات"، نجده قد تأثر بفنون "وادي الرافدين" كثيراً.

انقسم المسيحيون في هذه المسألة، فقد دافع عنها الروم "الملكية" (الروم الأرثوذكس، والكاثوليك)، و"الموارنة"، وابتعد "اليعاقبة" (السريان الأرثوذكس) عن تلك المعركة، إذ قال مطران "حلب"، "يوحنا ابراهيم": إن كنيسة "أنطاكية" السريانية، كانت بعيدة عن مسرح التاريخ البيزنطي، منذ أواسط القرن الخامس الميلادي، أي منذ أيام المجمع "الخلقيدوني" /451/م، فلا غرابة إذا قلنا بأن لا علاقة للسريان بحرب "الأيقونات"، لا من قريب ولا من بعيد، لكن ظلت كل الكنائس السريانية تمارس نشاطها الفني، وازدهرت حرفة صناعة الأيقونات في "الرها"، و"أنطاكية" و"حلب" و"دمشق" و"القدس"، وزاد الحماس لها فصارت تجارتها رائجةً في مدن البحر المتوسط، وتوحدت أساليب رسمها في بلاد "الشام"

مدونة وطن "eSyria" التقت المؤرخ الأستاذ "محمد عبد الحميد الحمد"، بتاريخ 18/11/2008، فسألته عن الأيقونة، وصناعتها، فأجاب: «الأيقونة هي تجارة رائجة في العصور المسيحية، اشتهر بها بعض الفنانين، وتبارى الشرق والغرب في صناعتها، خصوصاً في عهد الإمبراطور "قسطنطين الكبير" /313-337/م، عندما أعلن المسيحية ديناً للدولة عام /325/م، وأصبح موضوع الأيقونة مقتصراً على تصوير السيد "المسيح" وحواريه، وقد تميزوا بالجلال والفخامة، وحاكى رسومهم، كأنهم في مجلس شيوخ، وظلت وسائل التعبير القديمة باقيةً حتى بعد زوال النزعة الوثنية، تلك التي أدت بدايةً إلى ظهور فن الأيقونة، لكن الفنان المسيحي عدَّل في أبعاد الأيقونة تبعاً لأهمية الموضوع المصور، وميز بين الشخصيات الأساسية والثانوية، وساد في الأيقونة طابع الهدوء، لكن وبعد القرن السادس الميلادي، انحطت الأساليب التعبيرية، وخضعت المواضيع لأشكال جامدة تحاول الهروب من العالم، وأصبح كل شيء في الأيقونة يُعبر عنه بقول القديس "بولس": (إني أحيا لكن لست أنا الذي أحيا، بل المسيح هو الذي دائماً يحيا فيَّ)».

الباحث والمؤرخ "محمدعبد الحميد الحمد".

وعند سؤال "الحمد" كيف ومتى بدأت حرب الأيقونات، أجاب: «إن الأيقونة هي كتاب العامة، وكان القديس "باسيليوس" الكبير/330-390/م، قد أوصى الفنان أن يمجد الشهيد "برلعام" في أيقونته، وأن يظهر ما تحلى به من شجاعة وثبات في الإيمان، لأن إكرام الصورة يعود إلى إكرام الشخص الذي تمثله، لكن بدأت في الكنائس البيزنطية حركة تنادي بإتلاف الصور المقدسة، وكتب "لاونديوس"، أسقف مدينة "نيابوليس" القبرصية، مقالاً دافع فيه عن شرعية إكرام الصور، بعنوان "دفاع المسيحيين ضد اليهود"، وكان اليهود يهاجمون عبادة الأصنام ويعيبون على المسيحيين إكرامهم لصور القديسين وتماثيلهم، مستشهدين بقول النبي "داوود": (وأصنامهم من فضة وذهب، وهي من عمل أيديهم، لها أفواه لكن لا تتكلم، ولها أعين لكن لا تبصر، ولها آذان لكن لا تسمع، ومثلها يكون صانعوها، بل كل من يعتقد بها يوم القيامة)، "مزمور" /115: 8,4 /، ومن هنا يمكن القول إن الحرب على الأيقونات انطلقت من "دمشق"، سنة /723/م، عندما أذن الخليفة "يزيد بن عبد الملك"، بتحطيم جميع الصور في الكنائس والبيوت، والمحلات العامة، ولا أذهب مطلقاً مع هذا الرأي لأن المسلمين لم يتعرضوا للكنائس ودور العبادة الأخرى لغير المسلمين أبداً، أما الأرجح عندي فهو الرأي القائل بأن حرب "الأيقونات" انطلقت من "القسطنطينية"، عندما رأى الإمبراطور "ليون الأيصوري" /717-740/م، أن الرايات تتقدم الجيوش مزينةً بصور القديسين، ومع ذلك لا تفعل شيئاً في مواجهة الجيوش العربية، فاعتبر الأيقونة جزءاً من عبادة الأصنام، التي لا تضر ولا تنفع، وأعاد "اللاهوتيون" الدعوة القديمة، التي تعتبر الأيقونة عبادةً دينية، وقد وصف الأيقونة مؤرخ الكنيسة "أوسابيوس القيصري" /363-339/م، بأن: (تصوير المسيح عبادة أوثان، وأنه يتنافى وتعاليم الكتاب المقدس)، وقامت في "القسطنطينية" حركة معادية للفن المشخص، فحطمت الأيقونات الجميلة (iconoclastic)، في قصور الإمبراطور والنبلاء».

وعن ردود الفعل في العالم المسيحي حول هذه الحرب آنذاك، حدثنا "الحمد": «ردَّ رهبان "دمشق" بزعامة "يوحنا الدمشقي" على تلك الحركة، وكتب "يوحنا الدمشقي" ثلاث مقالات سماها "إكرام الأيقونات"، ألقاها بين /706-734/م، ثم جمعها بناءً على طلب البطريرك الأنطاكي "يوحنا الرابع"، بطريرك الروم الأرثوذكس، ومما عدَّهُ "الدمشقي" عن سبب إكرامهم للأيقونات، ثلاثة أسباب: أولها أنها تمثل الباري (الابن) بصورة حسية، والثاني أن تكريم صور القديسين إنما هو لأنهم يسمون بهم إلى الله، وهي لا تعني بالمطلق عبادتهم والسجود لهم لأن السجود (لاتريا) لا يجوز لغير الله، أما السبب الأخير فهو أن للصور منافع جمَّة تعلمهم كيف أنعم الله عليهم، وتحرضهم على التقوى، ونتيجة لذلك فإن البيزنطيين عقدوا مؤتمراً في بلدة "هيارا"، قرب "خلقدونية" عام /753/م، ضم /337/ أسقفاً، للدفاع عن يقينهم بوجوب تحطيم الأيقونات، واعتبروا "يوحنا الدمشقي"، ومن معه عبدةً للخشب».

وعند سؤال "الحمد"، عن موقف الطوائف المسيحية في "سورية"، وإن كانت دافعت جميعها عن تكريم الصور، قال: «انقسم المسيحيون في هذه المسألة، فقد دافع عنها الروم "الملكية" (الروم الأرثوذكس، والكاثوليك)، و"الموارنة"، وابتعد "اليعاقبة" (السريان الأرثوذكس) عن تلك المعركة، إذ قال مطران "حلب"، "يوحنا ابراهيم": إن كنيسة "أنطاكية" السريانية، كانت بعيدة عن مسرح التاريخ البيزنطي، منذ أواسط القرن الخامس الميلادي، أي منذ أيام المجمع "الخلقيدوني" /451/م، فلا غرابة إذا قلنا بأن لا علاقة للسريان بحرب "الأيقونات"، لا من قريب ولا من بعيد، لكن ظلت كل الكنائس السريانية تمارس نشاطها الفني، وازدهرت حرفة صناعة الأيقونات في "الرها"، و"أنطاكية" و"حلب" و"دمشق" و"القدس"، وزاد الحماس لها فصارت تجارتها رائجةً في مدن البحر المتوسط، وتوحدت أساليب رسمها في بلاد "الشام"».

واختتم "الحمد"، حديثه عن نقاش المسلمين، والمسيحيين، واليهود، حول أهمية إكرام الصور في العصر العباسي، فقال: «تناقش المسلمون، والمسيحيون، واليهود، حول أهمية هذا الموضوع، إذ قام المطران "ثيودور أبي قرة الحرَّاني" /753-840/م، الذي كان كرسيه في "الرقة"، بالدفاع عن الأيقونات، وكتب في الدفاع عنها، فرد عليه عالم الكلام المعتزلي "أحمد بن حابط"، والفيلسوف اليهودي "كثير بن أبي الثناء الرقِّي"، والفيلسوف المسلم "أبو عيسى الوراق"، بأن الله يجلُّ عن الوصف، فكيف يصور على الخشب؟! فردَّ عليهم "الحرَّاني" بقوله: (والعجب على الذين يعيبون على النصارى تصوير الأحياء، ويدعون أن من صور شيئاً حيَّاً، كلفه الله يوم القيامة أن ينفخ الروح في صورته، ونراهم في الوقت نفسه يصورون الشجر، والطير، وهي أشياء حية)، وكانت الكنائس "النسطوية" في "العراق"، لا تستخدم الأيقونات في الكنائس، وكان المؤمنون منهم يحترمون ويجلون الأيقونات التي تجلب لهم من بلاد "الشام"، ويدفعون ثمنها غالياً».

من رسومات الفنان "جورج شمعون" في الأيقونة

ويذكر أنَّ إكرام الأيقونات كان مع نشأتها، وتزايد في القرنين السابع والثامن، حتى حد المبالغة، فقد وصل تبجيل هذه الصور حدَّ العبادة عند بعض المسيحيين، حتى إنهم اعتبروا أن الأيقونات المرسومة للمسيح ليست من صنع البشر، بل من صنع يد إلهية ما قاد في النهاية إلى قيام حركة نبذ الأيقونات، أو "حرب الأيقونات"، واستغل بعض الملوك نقمة قسم من المسيحيين، على الرسم "الأيقوني" لأغراضهم السياسية، فراح نتيجة هذا الصراع الألوف من الناس.

ومن الفنانين السوريين الذين عملوا بهذا الموضوع رصدنا تجربة الفنان "جورج شمعون" في محاكاة الأيقونات الفنية القديمة، حيث استمد روحها من الفن الآشوري والسرياني، انتهاءً بأيقونات الفن المسيحي الأول.

*تم تحرير المادة بتاريخ 20/11/2008