تشكل المرأة ملمحاً مهماً في نتاج الفنان "فواز يونس"، وتبرز المرأة الفراتية بحضور قوي، من خلال رصد مفردات حياتها اليومية، كما كان للطبيعة وسحرها حضورها الآسر في جلِّ أعماله الفنية، وعلى وجه الخصوص نهر "الفرات".

ترى كيف تفاعل "اليونس" مع هذه المفردات؟ وكيف استطاع رصدها بالألوان؟.. الفرات.. المرأة.. مفردات الطبيعة الأخرى.. رحلة يأخذنا بها إلى حيوات جديدة، تنبض بمشاعر لا تجدها إلاً عن الفنانين الكبار..

موقع eRaqqa التقى الفنان "فواز يونس" في محترفه الفني، وكان لنا معه الحوار التالي.

نساء فراتيات

  • ما مدى تأثير نهر الفرات، بكل عظمته وسحره، على لوحات الفنان "فواز يونس"؟
  • ** الفرات يعني الماء العذب, والماء يعني الحياة. "واسقيناكم ماء فراتا"، و"وجعلنا من الماء كل شيء حي"، والحياة هي النافذة التي نطل منها على الطبيعة وعظمتها وروعتها وسحرها وجمالها, وما تزخر به من خطوط وأشكال وحجوم وألوان تجل عن الوصف وتستعصي على الحصر، وكل فنان لا يسعه إلا أن يكون أسيراً لبهاء الطبيعة وسحرها وروعتها، فلست أسيراً للون معين, أو متعة بعينها، فأنا أعيش متع الحياة المشروعة بكّل ما لديّ من ملكات.

    طبيعة

  • ما تقيمك للثقافة البصرية لدى المجتمعات العربية؟
  • ** إن الفن التشكيلي البصري، هو نتاج للمجتمعات المترفة التي تبحث عن المتعة والجمال, والتي يوفرها الفن التشكيلي لها, وهذا يحتاج إلى المال الكثير، وهو متوفر لدى الطبقات الغنية والمترفة، وإلى مثل هذه الطبقات الغنية يعود الفضل في تشجيع الفنانين, ودعمهم مالياً, ومعنوياً, ودفعهم للعطاء, واقتناء أعمالهم, وخير مثال على ذلك أسرة "مديتشي" في إيطاليا التي رعت كثيراً من الفنانين الإيطاليين المبدعين أمثال, "رفائيل سانزيو", "مايكل أنجلو", "ليوناردو دافنشي".

    لوحة سد الفرات

    مثلاً، الملك الفرنسي "فرانسوا" عندما غزا إيطاليا، رعى "ليوناردو دافنشي" واصطحبه معه إلى فرنسا، وعاش معه في قصره, ولم يجد "دافنشي" خيراً من لوحة "الموناليزا"، "الجوكندا" رداً لجميله، فقدمها هديةً له،

    ومازالت إلى الآن ثروة لا تقدر بثمن في متحف "اللوفر" في "باريس", فهي تستقطب سنوياً ملايين السّواح والزوار القادمين من مختلف أنحاء العالم ليشاهدوها.

    أما في المجتمعات العربية فالأغلبية الساحقة تسعى وراء لقمة العيش، والمسؤولون فيها وأصحاب القرار تنصرف اهتماماتهم إلى مجالات أخرى بعيدة عن الفن التشكيلي كالرياضة، والغناء الهجين، والمجتمعات لا تجد دعما وتشجيعا للفن التشكيلي لتكوين ضمير جمعي يعنى بالثقافة البصرية.

  • من وجهة نظرك ما هي الأسباب وراء القطيعة بين الفنان التشكيلي والناقد التشكيلي؟
  • ** لأن نقد الفن التشكيلي يحتاج إلى مختصين يدركون أسرار العمل الفني وخفاياه, ولذا ليس كل من مارس كتابة الأدب والشعر يمكن أن يكون ناقداً فنياً تشكيلياً, وأنا أعتقد أن الكثير ممن مارسوا أو مازالوا يمارسون النقد الفني التشكيلي، هم متطفلون عليه، وخاصةً أن كثيراً من جماهير المشاهدين والمتذوقين يفتقرون إلى ذلك.

  • أين المرأة من لوحات الفنان "فواز يونس"؟
  • ** المرأة عالم غني بأسراره, آسر بإيجابياته, مدهش بسلبياته, حيّرت العلماء، وتغنى بها الشعراء, وألهمت الكثير من الفنانين والأدباء، لذا قيل: "وراء كل رجل عظيم امرأة" و"المرأة التي تهز السرير بيمينها تهز العالم بشمالها"، و"أبحث عن المرأة وراء كل مشكلة"، وفي معرض الفكاهة والدعابة اللغوية قيل: "إذا أصاب الرجل فهو رجل مصيب، أما إذا أصابت المرأة فهي امرأة مصيبة"، فسّر ملحمة "عنترة العبسي"، هو سعيه الحثيث للفوز بـ"عبلة", وسر حرب "طروادة" الجميلة "هيلين"، وخلود "قيس ابن الملوّح" جنونه بـ"ليلى", وسبب دخول "يوسف" السجن كيد امرأة "العزيز"، وسبب الحرب بين "بكر" وتغلب "البسوس" وناقتها، فلها في كل عرس قرص, وفي كل مأتم جرص.

    أنا أرى المرأة كالسراب إذا تبعتها هربت منك, وإذا هربت منها تبعتك، إذا خضعت لها أذلّتك، وإن تعاليت عليها كرهتك، القرب منها محرق, والبعد عنها مغرق، ولا فكاك من الاثنين، هي لغز محير مملوء بالمفاجآت والأسرار، فإذا أحبت تفانت, وإذا كرهت غدرت وخانت، وهي النعيم إذا رضيت, والجحيم إذا سخطت، تغريك حتى تتعلق بها, فإن علقت ساقت عليك الغنج والدلال.

    ومازالت تعني لي الكثير والكثير, صورت منها الجانب المشرق المضيء, والجميل البسيط، رسمتها ريفية تحلب الغنم والماعز، وتعجن وتخبز على الصاج، وتنظف وتغزل الصوف، رسمتها وهي تعيش أحلامها الوردية بغد مشرق، وعريس قادم، وهي تشرب القهوة مع صويحباتها وجاراتها يثرثرن.

    رسمتها رمزاً للأرض والعطاء والأمة رسمتها، وهي تبكي على أطلال هذه الأمة ومجدها الغابر، وتاريخها العريق، رسمتها فتاة صغيرة, وشابة, وكهله، فلاحة وأميرة، ومازالت تشكل لي مصدراً من مصادر الوحي والإلهام.

  • إن السمة الغالبة على لوحاتك تجسيد التراث الرقي، إلى ماذا تعزو ذلك؟
  • ** الفرات نبع الحياة في مدينتنا، وهو غني بألوانه وطبيعته وأطيافه، ولذا أجدني أغترف منه عذوبته ونبله وأصالته وبساطته، والعادات والتقاليد الريفية, والأزياء والملابس الشعبية, والأمثال والحكم, والأوابد الأثرية، كلها مادة غنية بالقيم الجمالية التي تثري خيال الفنان وتحرضه للتعبير عنها بأساليب عصرية بعد هضمها وإعادة صياغتها من جديد وفق ما يتفتق عنه ذهن كل فنان من خيالات ورؤى وقيم جمالية وعلاقات تشكيلية عصرية, بعيداً عن نسخ التراث كما جاء في الواقع، لأن الفنان المبدع هو الذي يعيد صياغة التراث وفق قيم جمالية عصرية بعيداً عن النسخ والتقاليد.

  • ما هي الأسباب التي دفعتك إلى ترك عالم الريشة والألوان، وممارسة مهنة المحاماة؟
  • ** الفن موهبة وهواية, وقد عشقت الفن التشكيلي منذ الصغر وخصوصاً الرسم، والتصوير الزيتي, وأنتجت الكثير من الأعمال الفنية التشكيلية عن حب وهواية. ومازلت على الرغم من زحمة الحياة ومشاكلها وأعبائها، أهرب بين الحين والآخر لأستلقي، أبوح في أحضان الفن عما أكابده وأعانيه, وما أحبه وأناجيه، فالفن لديّ هواية ومتعة ووسيلة تعبير, وليس حرفة, والمحاماة مهنة، ومصدر من مصادر الرزق والعيش, ومتى تحول الفن إلى حرفة تردى وتدنت قيمته الإبداعية في أغلب الأحيان.

    لأن الفنان المحترف الذي ليس له مصدر رزق سوى فنه، سوف يسعى جاهداً لتسويق فنه للغير ليؤمن لنفسه ولعائلته لقمة عيشه عن طريق الاتجار بالفن، وهذه مصيبة، لأنه سوف يجد نفسه أسيراً لتلبية رغبات الآخرين على حساب هواجسه وأحاسيسه ورؤاه وإبداعاته.

    يذكر أن الفنان فواز يونس من مواليد مدينة الرقة /1946/م, يحمل إجازة في الحقوق من جامعة "حلب"، ويعمل في المحاماة منذ عام /1986/, درس مادة التربية الفنية في معهد المعلمين في "حلب"، وتخرج منه مدرساً لمادة التربية الفنية, مارس تدريس مادة التربية الفنية في إعداديات وثانويات مدينة "الرقة" منذ عام /1966/ إلى عام /1973/, ثم أُعير إلى الجزائر في عام /1973/ حتى /1978/, واستلم إدارة مركز الفنون التشكيلية في "الرقة"، درّس فيه مادة الرسم والتصوير الزيتي، وتاريخ الفن إلى عام /1985/.