وقع اختيار متحف "طه الطه" هذا العام لتكريم الفنان التشكيلي التركي "نهاد كور كجو أوغلو"، الذي كرس كل جهده الفني لرصد تفاصيل بيئته المحلية في "شانلي أورفه" و"حران"، كما اعتاد سابقاً ومنذ سنوات طويلة على تكريم فنانين تشكيليين من مختلف أنحاء العالم.

موقع eRaqqa وبتاريخ (28/4/2001) كان حاضراً حفل التكريم، فكانت الوقفة الأولى مع السيد "طه الطه" مدير المتحف، والذي راح يحدثنا عن تفاصيل علاقته مع الفنان "أوغلو" وأسباب تكريمه، حيث قال: «سبق أن زرت "أورفه" العام الفائت، وذلك بهدف زيارة بعض الأقارب هناك، وكذلك لقراءة الفاتحة على قبر جدي الذي عاش ودفن في هذه الولاية، وكان أول أمر قمت به بعد ذلك هو زيارة مرسم الفنان التشكيلي "نهاد كور كجو أوغلو"، حيث أنه صديق لأحد أبناء عمومتي هناك، وكم كانت دهشتي كبيرة عندما بدأت أتجول في أرجاء هذا المرسم الضخم، الذي يضم عشرات اللوحات الرائعة التي في مجملها تصور تفاصيل البيئة "الأورفلية" و"الحرانية"، ومفردات ودقائق الحياة اليومية هناك، وذهلت لهذا العشق الذي جمع بين الفنان والبيئة.

يأتي حفل التكريم هذا في إطار تعزيز قنوات المثاقفة السورية التركية، وبالفعل فقد وقع الاختيار هذا العام على واحد من الفنانين المميزين في تركيا، والذي شارك بلوحة واحدة فقط، لكنها تعكس رؤية واضحة لعوالم هذا الفنان المبدع، وكم كنا نأمل أن نشاهد له العديد من الأعمال في هذا المعرض لتكوين صورة كاملة عن شخصية هذا الفنان. ويبدو أن الفنان الضيف أخذ انطباعاً جميلاً عن مدينتنا، خاصة من خلال تواجد عدد كبير من الحضور والمشاركين، ومن خلال تكريم المتحف لجميع الفنانين المشاركين، حيث تم توزيع شهادات التقدير لهم جميعاً، ونتمنى أن تستمر مثل هذه التظاهرات الفنية الراقية، والتي تعكس وعياً ثقافياً وبعداً حضارياً وعلاقات طيبة مع الجوار

ومنذ ذلك الحين بدأت أعدُّ العدة لإقامة حفل تكريم لهذا الفنان الرائع، وقد استغرق التحضير لهذا الأمر شهوراً طويلة، حيث أن هذا التكريم يتضمن إقامة معرضٍ فني يضم مشاركات لأكثر من /150/ فناناً تشكيلياً وضوئياً من كافة أنحاء العالم، ومن بينهم الفنان المكرم الذي شارك بواحدة من لوحاته الرائعة، والتي أهداها لمتحفنا مشكوراً».

اللوحة التي شارك فيها الفنان أوغلو في المعرض المرافق لحفل التكريم

وبسؤال الأستاذ "طه الطه" عن تعريفنا أكثر بالفنان "أوغلو" أجاب قائلاً: «يعتبر "نهاد أوغلو" أحد رموز الإبداع في "شانلي أورفه"، وفي زيارة لمرسمه الخاص، توقفت في سفر الإبداع عند تجربة هذا الفنان المتميز الذي نستطيع أن نقول عنه بأنه فنان البيئة بامتياز، ومن يدخل عالمه الداخلي يكتشف ذلك، ويكتشف أشياء كثيرة تثير الدهشة، وذلك من خلال ضربات الريشة والألوان.

لقد جسد هذا الفنان معالم الحياة اليومية في "حران" و"شانلي أورفه" العريقة الموغلة في القدم، ترى ذلك من خلال البيوت، والأحياء والأبواب القديمة، الجوامع والخانات وأصحاب المهن المتنوعة، وهو عالم زاخر بالألوان يمثل "أورفه" عبر مراحل التاريخ، ومن خلال هذه الأعمال تجاوز حدود مدينة "شانلي أورفه" حيث أن أعماله عرضت في ولايات متعددة.

الأستاذ طه الطه

لقد جسد البيئة بشكل بديع، ونلمس ذلك من خلال المناظر الطبيعية لقلعة "شانلي أورفه"، ومناظر أخرى من "حران"، ضوء القمر في "حران"، الشتاء في "حران"، نساء من "حران"، ولوحات للحياة اليومية، التمتع بالنرجيلة، دكان بائع الطيور في منطقة "الدباغ"، خانة بائع القهوة المرة، بائع العصير في سوق "القزاز"، السوق القديم، تقطيع الشعيرية، تذرية البرغل، الأعراس، مقام سيدنا "إبراهيم" عليه السلام، خان الجمرك».

أما الفنان التشكيلي "موسى الحمد" فقد قال: «إننا اليوم أمام تظاهرة فنية جميلة ومميزة لمتحف "طه الطه"، وقد كانت مشاركة الفنان المكرم "نهاد أوغلو" بلوحة واحدة، طغى عليها الأسلوب الانطباعي المشغول بحرية وجرأة تامة مع إضافة اللمسات اللونية الساحرة. وسبق أن اطلعت على تجربة هذا الفنان، وكتبت له وجهة نظري.

جانب من حفل العشاء الذي أقيم على شرف الفنان الضيف

ومن اللافت للنظر هو المشاركة الكثيفة لعدد كبير من الفنانين سواء من داخل سورية أو من خارجها، وقد كانت هناك تجارب لها بصمة فنية وانطباعات متعددة تحمل مضامين فكرية وجمالية، وهذه الأعمال البعض منها لفنانين كبار لهم اسم لامع على الساحة التشكيلية في الوطن العربي مثل: "الحلاج" و"سعد يكن" وغيرهم من الفنانين الأجانب، وقد استوقفتني العديد من اللوحات المعروضة، مثل لوحة الفنانة "سميرة بخاش" التي قدمت من خلالها رؤية انطباعية مميزة فيها الكثير من الجرأة و"التكنيك" ونظافة اللون والحركة وخلق إيقاعات موسيقية رائعة، كذلك الفنان الحلبي "نزار الحطاب" الذي قدم لنا موضوعاً إنسانياً عميقاً وتجربة تعتمد على الحالة التعبيرية ضمن تركيب متقن، وهناك مجموعة تجارب أخرى قد يطول الحديث عنها.

ولكن ما أتمناه هو أن تقام عقب كل معرض فني، ندوة فنية ثقافية أو نقدية، تتناول الأعمال التي تم تقديمها في المعرض، ولهذا أقول دائماً يجب أن تكون اللوحة محوراً للحوار الجاد، وبهذه الطريقة يمكن تفعيل الفن التشكيلي وتطويره».

الفنان التشكيلي "سائد فياض" كان من ضمن المشاركين في المعرض، وقد قال: «يأتي حفل التكريم هذا في إطار تعزيز قنوات المثاقفة السورية التركية، وبالفعل فقد وقع الاختيار هذا العام على واحد من الفنانين المميزين في تركيا، والذي شارك بلوحة واحدة فقط، لكنها تعكس رؤية واضحة لعوالم هذا الفنان المبدع، وكم كنا نأمل أن نشاهد له العديد من الأعمال في هذا المعرض لتكوين صورة كاملة عن شخصية هذا الفنان.

ويبدو أن الفنان الضيف أخذ انطباعاً جميلاً عن مدينتنا، خاصة من خلال تواجد عدد كبير من الحضور والمشاركين، ومن خلال تكريم المتحف لجميع الفنانين المشاركين، حيث تم توزيع شهادات التقدير لهم جميعاً، ونتمنى أن تستمر مثل هذه التظاهرات الفنية الراقية، والتي تعكس وعياً ثقافياً وبعداً حضارياً وعلاقات طيبة مع الجوار».

أما الفنان التركي المكرم "نهاد كور جو أوغلو"، فقد عبر عن مشاعره قائلاً: «لا أستطيع أن أصف لكم مشاعر السعادة والفخر لوجودي اليوم بين أهلي في هذه المدينة الرائعة، وأشكركم جميعاً لهذه الحفاوة التي لاقيتموني بها، وأخص بالشكر الأستاذ "طه الطه" الذي مد جسراً بيني وبين أهل هذه المدينة وفنانيها. بصراحة لم أكن أتخيل هذا العدد الكبير من الحضور والمشاركين، لذلك فإنني أتمنى أن أزور "الرقة" بشكل مستمر، وأعد بأنني سأشارك في العديد من المعارض التي تقيمها هذه المدينة التي تزخر بجمهور راقٍ وذواق، وأحب أن أقول أخيراً، بأن لديكم مدينة رائعة، تتميز بطبيعتها الخلابة وأوابدها الأثرية المذهلة، وأتمنى أن أقف خلال هذه الزيارة على أهم معالم "الرقة"، حيث وعدني الأستاذ "طه" بزيارة قلعة "جعبر" و"الرصافة"، وغيرها من المناطق الأثرية».

الجدير ذكره أن الفنان "نهاد كور كجو أوغلو" من مواليد مدينة "شانلي أورفه" عام /1946/م، وقد بدأ الرسم في مرحلة مبكرة من حياته، ومع ذلك فهو لم يدرس في أي معهد فني، له العديد من المعارض في أكثر من مدينة في تركيا، مثل "اسطنبول" و"أنقرة" و"غازي عنتاب" و"أضنة" و"ديار بكر" و"أزمير"، وهو اليوم يعد أحد مفاخر مدينة "شانلي أورفة".