"هي من أهم المواقع السياحية في عموم المنطقة، فالمكان ساحر بمعالمه الطبيعية، وبساتينه الخضراء، وآثاره القديمة، وينابيعه المعدنية الحارة، ومميز بانخفاضه عن مستوى سطح البحر. وهي مشتى نموذجي، منحته الطبيعة كل مقومات جذب الإنسان، من المياه الحلوة للشرب، والمعدنية الساخنة للمعالجة، والتربة الخصبة للزراعة، ولاسيما الحمضيات، والموز، وبواكير الخضراوات، إضافة إلى المناخ المعتدل شتاءً.

تقع ينابيع "الحمة" على الضفة اليمنى لنهر اليرموك، على بعد 2.5 كم، إلى الشرق من نهاية وادي اليرموك، وعلى بعد 10 كم تقريباً جنوب سوسيا (قلعة الحصن)، وشرق نهر الأردن، وجنوب غرب "فيق"، ونحو 3 كم شمال غرب "أم قيس" الأردنية، وقد أقيمت في منبسط سهلي في قاع اليرموك، ينخفض عن مستوى سطح البحر نحو 160 متراً، ويأخذ شكلاً طولانياً، في اتجاه شمال شرق – جنوب غرب، وتبلغ ابعاده نحو 1500× 750 متراً، ويحيط به نهر اليرموك من الشرق الجنوبي ومن الغرب، على شكل كوع نهري، مفتوح شمالاً، باتجاه تلي الوبرة والطحانات، في السفح الأيمن لوادي اليرموك، كما يحيط به جرف صخري في الشمال، يعلوه مرج يعرف بـ "مرج السطح".

"ثمة نوعان من الينابيع في هذا الموقع، ينابيع تتدفق منها مياه حلوة نسبياً، صالحة للشرب، وأخرى تتدفق منها مياه معدنية حارة، غير صالحة للشرب

ويرى الباحث "عز الدين سطاس" «أن الموقع استمد اسمه من الحرارة المرتفعة لمياه الينابيع الموجودة فيه، "فالحمة" في الاشتقاق اللغوي تعني الحرارة العالية، وهو اسم وصفي، يعبر تماماً عن هذه الميزة، وقد عرفت أيضاً (بحمة جدر)، نسبة إلى مدينة جدر (جدارة)، التي تقع الآن على الضفة الجنوبية لوادي اليرموك الأردن، وتحمل اسم "أم قيس"، ويعود هذا الربط بين "الحمة" و"أم قيس"، إلى عاملي القرب المكاني، والتبعية الإدارية في العصر الروماني البيزنطي، إذ كانت "الحمة" وأجزاء مهمة من جنوب الجولان ضمن التبعية الإدارية لـ"جدارة"، التي كانت ضمن تحالف المدن العشرة (الديكابولس).

الأستاذ "عزالدين سطاس"

بدأت "الحمة" تشتهر منذ العصر الهيلنستي، وذاع صيتها في العصر الروماني البيزنطي، حتى تسابق القياصرة والولاة والحكام الرومان، على تخليد أسمائهم، في الكتابات التي نقشت على جدران الحمامات».

ويؤكد "سطاس" «أن "الحمة" احتلت حيزاً كبيراً في اهتمامات العصرين الروماني والبيزنطي، ويشير ازدهارها وتطورها اللافت للنظر، ولاسيما في العصر البيزنطي، إلى عدة أمور هامة، من أهمها: «وجود حضارة مادية تمتلك مستوى عالياً نسبياً من التكنولوجيا، ولاسيما في مجالات هندسة البناء، وجر المياه وصرفها، والنوافير، وغيرها من الجماليات. وجود ممولين أدركوا أهمية الموقع فساهموا في تطويره. الإيمان بقدرة مياه الحمة على المعالجة، على خلفية عجز الطب آنذاك عن معالجة العديد من الأمراض».

حمة جدر

ويعدد الباحث "سطاس" أنواع الينابيع الموجودة في "الحمة" قائلاً: «"ثمة نوعان من الينابيع في هذا الموقع، ينابيع تتدفق منها مياه حلوة نسبياً، صالحة للشرب، وأخرى تتدفق منها مياه معدنية حارة، غير صالحة للشرب».

  • الينابيع الحلوة: هناك نبعان، يعرف الأول باسم "عين السخنة"، أو "عين سعد الفار"، ويقع في الجزء الشمالي الشرقي، وتبلغ نسبة الكلور في مياهه نحو (75) ملغ في الليتر، وتصل غزارته إلى (1100) م3 في الساعة، ويعرف الثاني بـ"عين بولص" (نسبة إلى بولص الرسول)، ويقع على بعد أمتار إلى الجنوب الشرقي من بركة الجرب، التي تصب فيها مياهه وتبلغ حرارة مياه هذا النبع نحو (25) درجة مئوية، وقد توحدت مياهه مع مياه "نبع البلسم" الساخن في السنوات الأخيرة.

  • الينابيع المعدنية الساخنة: وهي ثلاث مجموعات من الينابيع المعدنية الحارة وتقع جميعها في النصف الجنوبي الغربي من المنبسط السهلي وهي:

  • ينابيع الحمة

    حمة الريح: نبعان في شرقي النصف الجنوبي الغربي من المنبسط السهلي، وشمال نهر اليرموك، تصل نسبة الكلور في مياههما إلى (240 ملغ ل)، وتبلغ حرارة مياههما نحو /37/ درجة مئوية، أي إنها تعادل الحرارة الطبيعية لجسم الإنسان وتخدم مياههما قاعتين للاستحمام.

    عيــــن المقلــى: تقع إلى الغرب من حمة الريح، أقيمت عليها بركة جميلة من الحجارة البازلتية، تصل نسبة الكلور في مياهها إلى (540 ملغ ل)، وتبلغ حرارة مياهها نحو (51 درجة مئوية)، وبذلك تكون الأكثر كلوراً وحرارة، وتعرف هذه العين بأسماء أخرى، هي: "حمة سليم"، "بركة الحبل"، و"حمة الشيخ".

    عين البلسم: أيضاً تعرف بـ "حمة الجرب" وتقع في الجزء الشمالي الغربي، تفوح منها رائحة كبريتية قوية، وتبلغ حرارة مياهها نحو (42 درجة مئوية)، وتصل نسبة الكلور في مياهها إلى (300 ملغ ل)، وبذلك نجد أن هذه العين تحتل مركزاً وسطاً بين حمة الريح، وعين المقلى، من حيث الحرارة ونسبة الكلور، تحتوي مياه هذه الينابيع على مواد كبريتية، وكلورية، وصودية، إضافة إلى مواد أخرى كالرادوم المشع بمقياس صغير، والراديوم، والهيدروجين الكبريتي، وتفيد هذه المواد في معالجة أمراض عدة، كالروماتيزم والأمراض الجلدية والنسائية وأمراض الجملة العصبية».

    وعن الحمامــــــات الموجودة في الموقع فقد عثر حتى الآن على سبع برك للسباحة والاستجمام، مختلفة من حيث الشكل والحجم ودرجة الحرارة ونوعية الماء، وعن ذلك يتحدث الباحث بتاريخ الجولان الأستاذ "تيسير خلف" قائلاً: «تقع أهم هذه البرك في مجمع الحمامات، وهو مجمع كبير بني في أوائل القرن الثاني الميلادي، يحتوي على عدة قاعات، تضم بركاً للسباحة، وفي هذا المجمع قاعة رئيسية، تصل أبعادها إلى 22.6× 10.5م، فيها صفان من الأعمدة الحجرية المتوجة بالتيجان، وبركة سباحة مدرجة في وسطها، إضافة إلى ثلاثة أحواض صغيرة، وتوجد في قسمها الشمالي منصة عالية نسبياً، مرصوفة بأحجار ملونة، ومفصولة بممر من الأعمدة، التي تحمل تيجاناً، وأسكفة عليا مقوسة، ومزخرفة على النمط الروماني، إلى جانب هذه القاعة، التي تعرف بقاعة الزخارف، هناك قاعة إضافية، تعرف بقاعة الكتابات، حيث عثر فيها على 35 كتابة يونانية، وهي أصغر من القاعة الرئيسية، إذ تبلغ أبعادها فقط (15× 10م)، وتتصل عبر ممر/ مدخل/ ببركة سباحة مدهونة بالكلس، أيضاً في هذا المجمع قاعة بيضاوية، تبلغ أبعادها (24× 12م) فيها بركة سباحة بيضوية وبرك دائرية وأحواض صغيرة، كان كل حوض منها مخصصاً لشخص واحد، وقد تمت إضاءة هذه القاعة بنوافذ كبيرة في الجدار الجنوبي الغربي، منها ثلاث نوافذ في الوسط على شكل أقواس النصر الرومانية، وتصل أبعاد الكبيرة منها إلى (4.8× 3.5 م) ويعتقد أن هذه القاعة كانت مسقوفة بسقف مقبب يرتفع نحو عشرة أمتار».

    ويتابع "خلف": «هناك قاعة أخرى تعد الأروع من حيث الحجم والتصميم الهندسي، تعرف بقاعة النوافير، وتبلغ أبعادها (29.6× 13.9م)، وتضم جناحين ملحقين يصل طولهما إلى (3.9م)، بذلك يبلغ طول هذه القاعة (3.5 م)، وتوجد في وسط هذه القاعة بركة سباحة تنتصب على محيطها 32 نافورة، كانت مياهها تتساقط من كل جانب، ويعتقد بعضهم أن هذه القاعة كانت مكشوفة بخلاف القاعات الأخرى التي كانت مسقوفة».

    حظيت هذه القاعات والحمامات باهتمام كبير، فقد غطيت جدرانها بالرخام وزينت بالزخارف والأعمدة المتوجة بالتيجان، وكان يعمل فيها مدلكون وكوميديون، إضافة إلى العناصر التي كانت تدسها السلطات الرومانية بين الزوار لتسقط أخبارهم ومعرفة آرائهم ومواقفهم السياسية».

    شهدت "الحمة" حركة ثقافية نشطة منذ العصر الهيلينستي، فقد عثر في الموقع على بقايا مسرح، يشهد على مدى الاهتمام بالمسألة الثقافية في تلك العصور القديمة، وبني في الجانب الشمالي الشرقي لتل اصطناعي يقع شمال شرق مجمع القاعات/ الحمامات، ويقول "خلف": «هو مسرح لافت النظر بحجمه وسعته، إذ يتألف مدرجه من 15 صفاً من المقاعد وعلى شكل نصف دائرة يبلغ قطرها 30 متراً، ويرتفع الصف العلوي للمدرج عن حلبة المسرح بحوالي 6.60 أمتار، ويضم حلبة دائرية كانت مخصصة للأوركسترا التي كانت جزءاً من الدراما اليونانية، وفقدت جزءاً من دورها في العصر الروماني حتى ألغيت لاحقاً، وكذلك يضم منبراً يبلغ طوله 30 متراً، وعرضه 6 أمتار، إضافة إلى ملحقات المسرح، منها بناء قوي ذو أقواس وأعمدة وتيجان أعمدة، مقاعد المسرح من الحجر البازلتي، وهي مقاعد مريحة إذ يبلغ ارتفاع المقعد 45 سم، وعرضه 76.25 م، وهناك مقاعد مميزة بالمساند، ويعتقد أنها كانت مخصصة للأثرياء والوجهاء، ولا يزال يقوم في الموقع مبنى قديم مع ثلاث قناطر، وإلى جواره مبنى مقنطر آخر، ويشار إلى أن هذا المسرح كان يستوعب جلوسا ما بين (1500– 2000) شخص».

    عثر في الموقع على تماثيل حجرية، منها تمثال إله الطب (ايسكولاب)، ووجدت كوى كانت الأصنام توضع فيها، كما عثر على صلبان منحوتة على الحجارة، وأعمدة مجدولة وقواعد أعمدة، وقد تحدث "شوماخر" عن مغاور طبيعية في الجروف المحيطة بالموقع يبدو أن الإنسان استخدمها في فترة ما، وإضافة إلى الصلبان المنحوتة على الحجارة، في الموقع بقايا كنيسة تقع إلى الجنوب الشرقي من المسرح، والشمال الشرقي من مجمع الحمامات، وهذا أمر طبيعي في السياق العام لانتشار المسيحية في مختلف أنحاء الجولان ولاسيما في العصر البيزنطي وقد احتلت "الحمة" حيزاً لابأس به في الموروث المسيحي».

    وذكر الدكتور "عرسان عرسان" مدير الموارد المائية بمحافظة "القنيطرة" أن ينابيع المياه المعدنية الحارة في "الحمة" جنوب الجولان تُستغل كمركز علاجي وسياحي، وتم حفر الآبار قرب الينابيع لامتصاص المياه منها، وبالتالي حرمان السكان من مصادر هذه المياه. كما ذكرت الصحيفة الإسرائيلية /يدعوت احرونوت/ في تموز2007: أن إسرائيل تسرق منذ سنين مياه ينابيع هضبة الجولان المحتلة قبل تدفقها إلى سورية، وأن إسرائيل تضخ منذ عدة سنين مياه الينابيع من مرتفعات الجولان إلى الجليل ما يحرم سورية من مصدر رئيسي للمياه. ويعتقد خبراء المياه في شركة مكروت (وهي سلطة المياه الإسرائيلية) أنه لو لم تكن إسرائيل تجر المياه إليها لكانت تدفقت إلى سورية، ووصفت هذه السرقة بأنها مادة متفجرة. وحسب الصحيفة المذكورة أعلاه فإن الكيان الإسرائيلي يستنزف أكثر من /10/م.م3 سنوياً من الينابيع.

    ملاحظة: الصور من أرشيف الاستاذ "تيسير خلف".