«أحيانا تكون أزمة منتصف العمر عند الرجال، ناتجة عن عدم النضج العاطفي، وعدم إشباع تلك المشاعر في سن المراهقة والشباب».

بحسب كلام السيد "ثائر وهبه" أستاذ التربية وعلم النفس، في حديث لموقع eQunaytra (يوم الأحد 8/2/2009) والذي أضاف: «اغلب العلاقات التي يخوضها الرجال خلال مرورهم بهذه المرحلة الحرجة من العمر، لا يكتب لها النجاح، وتكون لها نتائج وخيمة على الرجل والآخرين من حوله. حيث تصاحب التغيرات الجسدية التي تحدث في منتصف العمر، متطلبات عاطفية ونفسية جديدة.

كأن يبدي مزيداً من الاهتمام بمظهره، او يكثر من السهر خارج البيت، وتزداد طلباته ولا يعجبه العجب. وهنا يخطر ببالي بعض الأمثلة عن رجال، يصرون على المشاركة في حضور الأعراس وحفلات الزفاف، ويقومون بتصرفات تشد انتباه الفتيات إليهم... ولكن ألا يحدث ذلك مع النساء؟؟؟!

وأكثر هذه المتطلبات عمقاً هي القدرة على التخلي عن الخيالات التي تتعلق بالإمكانيات غير المحدودة، إذ يستطيع المراهقون وكذلك البالغون، في بداية بلوغهم، أن ينظروا الى المستقبل، ويتخيلوا لأنفسهم أي شيء تقريباً، مثل النجاح الباهر، المغامرات الاستثنائية، المعرفة الواسعة، الثروة الكبيرة، والقوة والجاه. وغالباً ما تكون هذه الخيالات، سلوى تعين على التعامل مع واقع الحياة اليومية، الذي قد يكون محبطاً.

حسين برجاس

وحين يدرك الرجال والنساء منتصف العمر، وحين تصبح معرفة الحياة أعمق وأكثر واقعية، يبدأ الشخص بمواجهة هذه الإمكانية، من خلال مراودة أفكار تفضي الى نتائج، مفادها أن هذه الأهداف او بعضها، لا يمكن تحقيقها، وان الإمكانية لإقامة علاقات جديدة مثيرة، او لمغامرات دراماتيكية او لتغيرات مهنية كثيرة، تغدو شيئا فشيئا بعيدة الاحتمال.

وهنا يشعر بعض الأشخاص في منتصف العمر، بأزمة لا يمكن التكهن بمدى حجمها تسمى "جهلة الأربعين" عند الرجال. فيشعر بعض الرجال الذين يمرون بهذه المرحلة من العمر، بالإلحاح لان يفعلوا وينجزوا كل ما يستطيعون فعله، قبل أن يفر الزمن من بين أيديهم مرة أخرى.

فتحية يوسف

وقد يكون هذا الاندفاع كيفيا ومزاجياً، مثلاً حين يقرر شخص ما في هذا العمر أن يتعلم لغة أجنبية، او أن يذهب في رحلة للتمتع بأشياء يراها جديدة. لكن هذا الاندفاع قد يكون تدميرياً وله عواقب خطيرة، كحال الذي يترك أسرته لإقامة علاقة جنسية، مع فتاة اصغر سناً منه بكثير، او كالذي يترك مهنته ساعياً وراء متع اللحظات الراهنة».

السيدة "فتحية يوسف" المسؤولة في الاتحاد النسائي فرع "القنيطرة" تشير الى أن اصطلاح أزمة منتصف العمر، او جهلة الأربعين عند الرجال، ليس ثابتة ومحددة عند كل الرجال.

الشيخ ضياء الحج علي

وتضيف: «معظم الناس يمرون في أزمة انفعالية، عندما يفجعون على شبابهم الضائع، وعلى أحلامهم التي لم تتحقق. وبالتالي تتباين السن التي يمر بها الرجال بجهلة الأربعين، فالبعض يقول بأنها بين الأربعين والستين، وآخرون يرون أن أزمة منتصف العمر تبدأ في سن الأربعين وتستمر لعقد من الزمن.

وهذا العمر يجد له صدى في ثقافتنا الشعبية، في ما يسمى "جهلة الأربعين". وبالتالي على المرأة الذكية، أن تعرف الوقت الذي يبدأ فيه زوجها بالتصرف ببعض المور الغريبة عنه، والمبادرة الى محاولة فهم متطلباته واحتياجاته النفسية والعاطفية، بهدف الحفاظ على الزوج من الضياع، وبالتالي الحفاظ على الأسرة من التشتت او حدوث الطلاق.

وكثيراً من نسمع في حياتنا اليومية عن حالات من الطلاق تشهدها بعض الأسر التي تكون تعيش حياة هانئة ومستقرة، وفجأة ترى الأمور تندفع باتجاه الهاوية. وهنا لا بد لنا من عدم التهاون او التساهل في التعامل مع جهلة الأربعين عند الرجل، الذي يجد نفسه أمام خيارات واسعة، اقلها ضرراً على الأسرة نشوب الخلافات الزوجية، التي تنعكس سلباً على أجواء العائلة والأولاد».

الشيخ "ضياء الحاج علي" أشار الى أن على الرجل عند سن الأربعين، أن يتقي ربه، ويقبل على المزيد من التقرب الى الله، والاهتمام بالطقوس الدينية. لان الإنسان في هذه المرحلة من العمر يكون قد اكتمل نوه العقلي، وتعمقت خبرته في الحياة، وبالتالي يقع على عاتق كل منا الالتفات الى العلوم الدينية، لان التقرب الى الله من شأنه أن يقوي الإيمان ويبعد الوسواس عن الأشخاص، فبالدين والعمل نستطيع أن نقهر شهوات النفس الأمارة بالسوء».

"حسين برجاس" أستاذ الفلسفة وعلم النفس يقول: «مما لا شك فيه أن بعض الموضوعات النفسية أكثر شيوعاً في أواسط العمر، على سبيل المثال، إعادة النظر في الحياة والأحلام، وقبول الفجوة بين أحلام المرء وانجازاته، مصارعة الركود والروتين، والإحساس بالتثبت والانكماش. إضافة الى مواجهة حقيقة التقدم بالعمر، وحقيقة الموت.

بيد أن هذه الهموم تأتي مبكرة عند البعض، وأكثر تأخرا عند البعض الآخر، وقد لا تأتي أبدا لآخرين. بالنسبة للبعض قد تمتد هذه القضايا لمدة عشر سنوات وحتى عشرين عاماً، في حين يواجهها البعض الآخر ويحلها في زمن قصير.

بعض الأشخاص يواجهون جهلة الأربعين، بسبب حوادث غير متوقعة تجبرهم على التفكير بها، كموت صديق او شخص عزيز، او خسارة بالمال والعمل. كما أن هناك أشخاصاً يميلون الى التأمل في داخلهم ويكثرون من تقييمهم لحيواتهم.

بعض الأزواج يجدون أنفسهم في خط متعرج من الاهتمامات والانفعالات والمشاعر، في هذه المرحلة من العمر، فالزوج الذي يعمل ويكدح لمدة خمسة وعشرين عاماً، قد يبدأ اتجاهه نحو الداخل، فقد يتوق الى تطوير هوايات جديدة، والى قضاء المزيد من الوقت مع الأسرة والأصدقاء، بيد أن زوجته التي قضت خمسة وعشرين عاماً في المنزل، وهي تربي أولادها قد يبدأ تحولها الى الخارج، فقد تكون مستعدة للقيام بنشاطات جديدة، ويزداد لديها توقها الى السفر، ولقاء أشخاص جدد، وترغب في قضاء وقت اقل مع الأسرة والأولاد، وأن تكرس المزيد من الوقت لاهتماماتها الخاصة.

وهنا تبدأ الشروخات والخلافات تكبر وتبدو أكثر وضوحاً، حيث يذهب تفكير كل من الزوجين الى غير المكان الذي يفكر فيه الآخر. وقد تمر علاقة هذين الزوجين بالفعل بأزمة، لان الحياة الخاصة لكل منهما تسير بعكس اتجاه الآخر.

وهنا علينا أن نحتفظ بتعبير أزمة منتصف العمر او جهلة الأربعين، لإطلاقها على السلوك غير المتكيف والخطير، الذي يحدث غالباً في سياق حوادث حياتية شديدة وغير متوقعة، كموت الشريك او خسارة في العمل، او مرض خطير.

والأشخاص رجالاً كانوا ام نساءً، الأكثر عرضة لازمات منتصف العمر، يرجح أن يأتوا من عائلات تتصف بوجود عامل او أكثر من العوامل التالية في فترة مراهقتهم: خلافات بين الوالدين، او انسحاب الوالد من العائلة، او طلاق الوالدة، او من والدين قلقين او اندفاعيين، مع إحساس متدن بالمسؤولية عند الرجل».

السيدة "وفاء صبح" تشير الى بعض التصرفات التي يقوم بها الرجل، ولا تتناسب مع عمره: «كأن يبدي مزيداً من الاهتمام بمظهره، او يكثر من السهر خارج البيت، وتزداد طلباته ولا يعجبه العجب. وهنا يخطر ببالي بعض الأمثلة عن رجال، يصرون على المشاركة في حضور الأعراس وحفلات الزفاف، ويقومون بتصرفات تشد انتباه الفتيات إليهم... ولكن ألا يحدث ذلك مع النساء؟؟؟!».