"دير الفاروس" دير ضائع المعالم لم يبق منه ما يدل عليه إلا اسمه المذكور في بعض المراجع التاريخية، وإنجيل فريد من نوعه عرف باسمه...

مدونة وطن "eSyria" التقت القائد الكشفي "سمير صدقني" بتاريخ 9 شباط 2014؛ الذي تحدث عن اكتشاف دير "الفاورس" ويقول: «صحيح أننا لم نكن نعلم بموقع هذا الدير إلا أنه كان حاضراً بيننا من خلال إنجيل "الفاروس" الذي لطالما أقسم به المسيحيون في "اللاذقية"، واكتشاف الدير جاء بالمصادفة، فبينما كانت الآليات الثقيلة تؤسس لإشادة طريق عند المنحدر الجنوبي للتل ظهرت معالم من الحجارة والقطع مع جزء من عمود ضخم وكسر فخارية، وهذه المعالم تشكل أجزاء من عمارة قديمة، ما دفع المنقبون للاعتقاد بأنهم عثروا على بداية معالم دير "الفاروس"، لكن حتى الآن لا يمكن الجزم بالمكان الذي بني فيه الدير المذكور على وجه الدقة».

لقد أتقن "المعري" الفلسفة اليونانية والديانتين اليهودية والمسيحية في دير "الفاروس" بالذات

بعض مكتشفات الدير تعود إلى القرنين الخامس والسادس الميلادي وهي تؤكد بوضوح أن تاريخ بنائه يعود إلى تلك الحقبة بحسب الدكتور "جمال حيدر" مدير آثار "اللاذقية"، وعن مكتشفاته يقول: «إلى جانب وجود عشرات القطع الأثرية توضح لنا خلال التنقيب معالم لنسيج عمارة قديمة مشيدة بالحجارة والنحيت مع طبقة قبور، كما عُثر على معالم معصرة ضخمة مع خزانها وجرة فخارية كبيرة الحجم مغروسة بالأرض خصصت لتخزين الزيوت أو الخمور، إضافة إلى اكتشاف جدران مبانٍ وأرضيات مبلطة نافرة كانت تستخدم كعناصر تزيينية في واجهات المباني، إضافة إلى العثور على إنجيل "الفاروس" الذي يعود إلى القرن السادس الميلادي وما قبله، حيث وجد في موقع الدير منذ قرون بعيدة وأعيد ترميمه عام 1727م».

تلة الفاروس التي يعتقد أن الدير كان قريباً منها

يعيد بعض الباحثين تاريخ بناء هذا الدير إلى القرن السادس الميلادي، حيث يشير المؤلف الراحل "إلياس الصالح" في كتابه "آثار الحقب في لاذقية العرب" إلى هذا التاريخ، ويقول: «في الجيل السادس بني دير "الفاروس"، وقد شيد على اسم القديس "جوارجيوس"، وكلمة "فاروس" يونانية تعني "المنارة" ولعله دعي منارةً لارتفاعه».

شهد القرن السادس ازدهاراً في بناء الأديرة في "سورية"، ما دفع الباحث الراحل "جبرائيل سعادة" إلى دعم ما قاله "الصالح": إنه القرن الذي بني فيه "الدير الضائع" كما يحب أن يسميه، وتدعم ذلك المكتشفات الأثرية التي عثر عليها في موقعه المفترض والتي تعود إلى تلك المرحلة، لكن "سعادة" وهو أهم الباحثين في تاريخ "اللاذقية" يتساءل عن تسميته "المنارة"، ويقول في كتابه "أبحاث تاريخية وأثرية": «هذه الكلمة قد تكون مأخوذة في غير معناها الحقيقي، فالحي الذي يقع فيه الدير حي "الفاروس" يبعد عن الشاطئ مسافة غير قليلة ومن الصعب تصور وجود منارة في هذا الموضع، كما أن الهضبة الموجودة في الحي لا يوجد فيها الارتفاع اللازم لنصب منارة بعيداً عن البحر، فهل تكون التسمية نوعاً من الرمز؟ وهل مهمة الدير كالمنارة إنارة الطريق أمام المتخبطين في الظلمات؟».

رئيس دائرة آثار اللاذقية "جمال حيدر"

تقول بعض المراجع التاريخية أن الشاعر العربي الشهير "أبي العلاء المعري" نزل هذا الدير خلال زيارته للمدينة في نهاية القرن العاشر الميلادي، ويؤكد ذلك "سعادة" مستشهداً بكتابات الدكتور "طه حسين" الذي يقول: «لقد أتقن "المعري" الفلسفة اليونانية والديانتين اليهودية والمسيحية في دير "الفاروس" بالذات».

كما يذكر "حسين" بهذا الصدد الأبيات الشهيرة المنسوبة إلى المعري:

"في اللاذقية ضجة ما بين أحمد والمسيح

هذا بناقوس يدق وذا بمئذنــــة يصيـــح

كل يمجد دينـــه يا ليت شعري ما الصحيح".

اشتهر دير "الفاروس" بجماله وقد تغنى به بعض الكتاب، حيث قال فيه "عماد الدين الأصفهاني"؛ وهو أحد الذين رافقوا صلاح الدين خلال فتح "اللاذقية" عام 1188م: «وبظاهر "اللاذقية" كنيسة عظيمة نفيسة قديمة بأجزاء الأجزاع مرصعة، وبألوان الرخام مجزعة، وأجناس تصاويرها متنوعة وأصول تماثيلها متفرعة .. إلخ».

فيما يصف "ابن بطوطة" هذا الدير ويقول: «دير "الفاروس" أعظم دير في "الشام" و"مصر"، يسكنه الرهبان ويقصده النصارى من الآفاق وكل من نزل به من المسلمين».

خلال فتح "اللاذقية" على يد "صلاح الدين" تعرض الدير لبعض الأضرار نتيجة الحرب، لكن هذه الأضرار لم تقلل من أهميته بحسب الباحث "سعادة" الذي يقول: «موقع الدير كان قريباً نسبياً من الهضبة التي دارت عند سفوحها المعارك قبل تسليم المدينة، وقد تضرر من جراء ذلك، لكن أعيد ترميم الأجزاء المتضررة منه وعاد الكتاب ليتغنوا به من جديد؛ فيقول عنه "الدمشقي" في القرن الرابع عشر: (دير الفاروس من أعجب البناء في الديور)».

جدير بالذكر أن "دير الفاروس" سمي بالدير الضائع نظراً إلى عدم وجود دليل قطعي على المكان الذي كان موجوداً فيها، لكن بعض المكتشفات والأبحاث غير القطعية أشارت إلى أنه يتوسط التل الأثري الموجود في حي "الفاروس" الشهير، والتل عبارة عن هضبة صخرية ترتفع عن سطح البحر نحو 30 متراً.