من المتعارف عليه بأن حضارة الشعوب تقاس بما لديها من مخزون ثقافي, والثقافة هي التي تصنع الحضارة وتدفع عجلة التطور والتقدم فيها الى الأمام, وعلى مر الأزمان تبقى المعالم التاريخية والأوابد الأثرية هي الشاهد الوحيد على حضارة أي شعب وهي الدليل القاطع على مدى التطور الحاصل في تلك الحضارة.

حول ماهية "أوغاريت" وتاريخها التقى موقع eLatakia يوم الاثنين الموافق لـ29/9/2008 الأستاذ والباحث ومدير الآثار باللاذقية "جمال حيدر" حيث شرح مطولاً لنا عن "أوغاريت" وجميع الرحلات الاستكشافية التي تمت فيها فقال:«سورية بكل تأكيد تعتبر قلب الحضارة النابض, فمنها خرجت الأبجدية الأولى واللحن الأول في العالم, لقد خرجوا جميعاً من مدينة أوغاريت التي كانت عاصمة لمملكة سورية قديمة خلال "الألف الثاني قبل الميلاد", وهذه المدينة تقع على بعد 13 كم شمال اللاذقية وتمتد على مساحة قدرها 36 هكتار, وكانت تتصل بدول عالم المتوسط عبر مرفأها الشهير "مينة البيضاء", لقد تم اكتشاف "أوغاريت" في عام 1928 مصادفة عندما اصطدمت سكة محراث فلاح من أهالي "رأس شمرة" بحجارة ضخمة تبين فيما بعد أنها سقف لمدفن أثري, بدأت بعدها أعمال التنقيب الأثرية في الموقع برئاسة عالم الآثار الفرنسي "كلود شيفر", حيث أظهرت نتائج التنقيبات في الموقع واحدة من أشهر الممالك السورية في تاريخ الشرق القديم».

كانت مملكة "أوغاريت" معروفة جداً في عصر البرونز الحديث "1600-1200" ق.م, ووصلت في ذلك العصر الى قمة ازدهارها وامتدت حدودها آنذاك من الجبل "الأقرع" في الشمال حتى نهر "السن" في الجنوب موازية لساحل البحر المتوسط, وكانت سلسلة الجبال الساحلية دعامة اقتصادية أساسية لها, كما قامت جزيرة "قبرص" بدور هام في حياة "أوغاريت" في عصر البرونز الحديث, حيث كانت تشكل نقطة اتصال بين هذه المدينة وعالم البحر المتوسط وحضاراته

وتابع "حيدر" قائلاً: «كانت مملكة "أوغاريت" معروفة جداً في عصر البرونز الحديث "1600-1200" ق.م, ووصلت في ذلك العصر الى قمة ازدهارها وامتدت حدودها آنذاك من الجبل "الأقرع" في الشمال حتى نهر "السن" في الجنوب موازية لساحل البحر المتوسط, وكانت سلسلة الجبال الساحلية دعامة اقتصادية أساسية لها, كما قامت جزيرة "قبرص" بدور هام في حياة "أوغاريت" في عصر البرونز الحديث, حيث كانت تشكل نقطة اتصال بين هذه المدينة وعالم البحر المتوسط وحضاراته».

وعن اكتشاف أبجدية "أوغاريت" قال "جمال حيدر":«لقد أكتشف في موقع "أوغاريت"عدة مئات من "الرُقم" والتي قدمت معلومات أساسية عن الحياة في المملكة, ومن أشهر هذه اللقى الرُقيم الذي يحتوي أبجدية أوغاريت والتي تحتوي على 30 حرفاً, وقد كتبت بالأحرف المسمارية من اليسار الى اليمين, وهي تعتبر من أقدم الأبجديات المعروفة في العالم, وقد استخدمت هذه الرموز في تسجيل "سلم موسيقي" كان أصلاً للموسيقى للموسيقى الغربية التي طورها "فيثاغورث" بعد أكثر من ألف عام على اكتشافها, كما قدم موقع أوغاريت أيضاً عدداً من من اللقى الأخرى التي تشهد على حياة السكان في ذلك الزمان ومنها التماثيل المقدسة والأثاث العاجي والأسلحة والآنية الفخارية والمعدنية».

وقد شكل أرشيف "أوغاريت" الذي كشفته أعمال التنقيب في المدينة مصدراً هاماً لدراسة المجتمع فيها, حيث كانت طبقات المجتمع تقسم الى طبقة الملك والأسرة الحاكمة تليها طبقة النبلاء ثم طبقة الكهنة ورجال الدين ثم الجيش والموظفون وطبقة التجار والصناع وطبقة الأحرار والعاملين في الزراعة وأخيراً طبقة العبيد, وقد كان ملك "أوغاريت" هو الحاكم السياسي والكاهن الأكبر والسيد المطلق والقاضي وقائد الجيش، حيث دلت المكتشفات الأثرية على حياة العظمة التي كان يعيشها الملوك حيث الذهب والعاج, أما الملكة فكان لها مكانة خاصة وكان لها دور مهم في البلاط الملكي والحياة السياسية, وقد كانت الأسرة هي أساس المجتمع الأوغاريتي آنذاك وكان الأب هو رأس الأسرة حيث تنتقل سلطته بعد وفاته الى أكبر الأبناء سناً, وكان الزواج أحادياً ومتعدداً وقد تعدى حدود المملكة لأسباب مختلفة وبالأخص لأسباب سياسية.

أما نهاية هذه المملكة العظيمة فقد كانت عنيفة حيث أبيدت كلياً في العام 1180ق.م ولا تزال آثار الكارثة التي ضربت المدينة موجودة في كل مكان وخاصة في القصر الملكي, حيث تقول الفرضية الأولى أن "أوغاريت" قد دمرت بزلزال أما الفرضية الثانية فترى أن "أوغاريت" قد تلقت مصير جيرانها نفسه, أي انها اكتسحت من قبل غزاة عرفوا بشعوب البحر.

وفي نهاية الحوار ختم جمال حيدر ليقول:«يمكننا القول أن "أوغاريت" قد رقدت لأكثر من ثلاثة آلاف سنة واستيقظت من جديد في القرن العشرين تحت وقع معاول المنقبين لتجعلنا نعيش حضارة براقة كانت نتيجة لجهد شعب سوري عالم وحاذق, واليوم يتابع أعمال التنقيب باحثون سوريون وفرنسيون وفي كل عام تظهر اكتشافات جديدة ورقم كتابية يخبرنا مضمونها عن تاريخ المملكة وجيرانها وكذلك عن الحياة الإقتصادية والإجتماعية والثقافية والدينية لسكانها, و"أوغاريت" اليوم هي موقع سياحي تراثي مدرج على قائمة الوفود السياحية التي تأتي لزيارته من مختلف أنحاء العالم لتتعرف على الحضارة السورية القديمة وإنجازاتها».