للموضوع أهمية اقتصادية وحيوية تجعل الاستثمار فيه مضمون النتائج، لكن هذه الثروة المؤجلة تنتظر تغييراً في نوعية التفكير الاقتصادي والحياتي الذي نتبعه في حياتنا.

النفايات الصلبة هو الموضوع الذي نطرحه هنا، وقد أصبح منذ عشرات السنين علماً يدرس في مختلف الجامعات العالمية، وحددت جوائز للاستفادة القصوى من المخترعات المرتبطة به، وللسوريين نصيب فيها منذ عقود، من دون أن تدخل تلك المخترعات حيز التطبيق العملي في كل أنحاء "سورية".

المكبس يوفر فرصة بتكلفة قليلة لإنشاء صناعة أخشاب من نوع يمزج بين خصائص مخلفات شرائح البيوت البلاستيكية والتوالف الناتجة عن مخلفات الأعمال الخشبية، والخشب الناتج يقاوم تأثير العوامل الجوية بنسبة كبيرة تصل إلى حد نقعه في الماء لمدة أكثر من 260 يوماً من دون تأثر، الأمر الذي يخفف من مشكلة نفايات البلاستيك المتكاثرة في المنطقة الساحلية وفي مناطق سورية أخرى

واحد من أولئك المبدعين الحاصلين على جوائز عالمية هو البروفيسور "عادل عوض" المدرس في جامعة "تشرين"، رائد هندسة الاستفادة من النفايات الصلبة. في حديث مع مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 6 حزيران 2015؛ يعرّف النفايات الصلبة بالقول: "كل النفايات التي تنشأ عن الصناعات البشرية أو عن استهلاك البشر لمنتجات معدنية أو خشبية أو بلاستيكية، أو من مختلف أنواع المواد المستخرجة من الطبيعة أو تلك المصنعة في معامل". وهو حائز على عدة جوائز عالمية عن اختراعاته في هذا الشأن.

د.عادل عوض

يقول البروفيسور "عوض": «إن الدول المتقدمة قد انتبهت منذ زمن إلى فائدة الاستثمار في هذه البقايا التي تشكل نسبة تتجاوز 30% من كامل كتلة المواد المصنعة، وفتحت المعامل التي تستخدم إعادة إنتاج تلك المواد لإنتاج مواد جديدة تستخدم في الشؤون الحياتية لأناس تلك البلدان، عدا فوائدها المباشرة للاقتصاد من تشغيل اليد العاملة والإنتاج؛ فهي تمثل طريقة عالية المستوى لتخليص البيئة من تلك النفايات وإعادة تدويرها بطريقة صحيحة؛ وهو ما يخفف من استهلاك موارد البيئة غير المتجددة كالمعادن والأخشاب».

تتنوع قطاعات النفايات الصلبة واستثماراتها أيضاً، يقول الدكتور "عوض": «هناك نفايات صلبة خطرة على الإنسان والبيئة، تشمل بعض المصادر الصناعية ومنها الكيمائية والأسمدة الزراعية ونفايات المستشفيات، وهناك ناتج لعميات الهدم والبناء والمنازل والزراعة والبلديات، ومنها ما يمكن تدويره والاستفادة منه في عمليات كثيرة، ولكل نوع منها على حدة، لذلك فإن الدول عبر مؤسساتها البلدية تطلب وفق قوانين صارمة القيام بفرز هذه النفايات قبل نقلها إلى معامل إعادة التدوير أو التصنيع، ولأن هذه الثقافة والقوانين غير موجودة لدينا، فإن الحل هو في آلة فرز للنفايات الصلبة في مكبات النفايات (هنا في "البصة" يوجد مكب رئيس للمدينة)».

فرز البالات

تقوم الآلة التي اخترعها الدكتور "عوض" وقدمها إلى مجلس مدينة "اللاذقية" من دون أن توضع موضع الاستخدام الفعلي، على فرز النفايات تبعاً لنوعها عبر حساسات تقوم بفرز المعادن والورق والكرتون والأخشاب والزجاج واللدائن وغيرها، وبعد ذلك يمكن نقلها والاستفادة منها في إعادة التدوير المطلوبة لكل نوع من هذه المخلفات.

في مشروع سابق أيضاً في جامعة "تشرين"، تم تصنيع مكبس يجمع النفايات البلاستيكية مع بقايا الخشب، يقوم بإنتاج نوع جديد من الخشب المقاوم يبقى في الماء لما يقارب العام من دون أن تتأثر خواصه، هذا المشروع للطالبة "إيمان الشيخ مصطفى" يمكن أن يمثل استكمالاً لما طرحه الدكتور "عوض"، في حديث سابق قالت "إيمان": «المكبس يوفر فرصة بتكلفة قليلة لإنشاء صناعة أخشاب من نوع يمزج بين خصائص مخلفات شرائح البيوت البلاستيكية والتوالف الناتجة عن مخلفات الأعمال الخشبية، والخشب الناتج يقاوم تأثير العوامل الجوية بنسبة كبيرة تصل إلى حد نقعه في الماء لمدة أكثر من 260 يوماً من دون تأثر، الأمر الذي يخفف من مشكلة نفايات البلاستيك المتكاثرة في المنطقة الساحلية وفي مناطق سورية أخرى».

فرز بدائي للنفايات

في السياق ذاته، سبق لهيئة التعاون الدولي الياباني (JICA) أن قدمت مشروعاً مهماً بقي لسنوات قبل أن يتحول إلى مجرد لافتات في المدينة الرياضية في "اللاذقية"، يقوم المشروع كما تذكر وثائقه على فرز نفايات المدينة الرياضية قبل نقلها، ويقع عاتق تنفيذ الأمر على المواطن نفسه.

أخيراً، تفرض الدول الأوروبية غرامات كبيرة على كل مواطن لا يلتزم بفرز النفايات المنزلية قبل إرسالها في أكياس مخصصة، في الوقت الذي تقدم فيه حوافز تشجيعية لمن يقوم بتجميع البلاستيك في آلات خاصة موجودة في بعض المناطق وتدفع له مثلاً مقابل كل عشر "قناني" شرب بلاستيك يورو واحد.