لا ترى فيها سوى بعض الجدران التي انتقمت منها كلمات من كتبوا في دواوينهم ورحلوا أو حتى بقوا هنا كي تغنى قصائدهم من على جدران وفرت لهم الكثير من المدح الذي أرسى شغفه في أعماق روادها.

مقهى صغير لا يتعدى الأمتار القليلة وفي داخله لا ترى إلا جواً من المرح والسكون الهادئ في غمار مكتبة مستندة بلطف من وضعها، وقبالة المجلس الصغير الذي منح نفسه زاوية بالقرب من بعض اللوحات التي يستضيفها هذا المقهى الصغير، هذا المقهى اختار الأشخاص الذين افتتحوه اسماً غمر اللاذقية بصداه وجعل القاصي والداني يسأل عن مكانه وعنوانه بسبب مسماه الغريب والذي هو قصيدة نثر، وعلى الرغم من أن ظاهرة المقاهي الأدبية قديمة قدم ثقافتنا، وقدم الكتابة الجادة، وارتبطت هذه المقاهي بالنمو والترعرع الفكري العام وساهمت بأداء دور ريادي للتعريف بالقضايا ومناقشة الأفكار القديمة والجديدة، وكانت المكان الطبيعي الذي فيه تنمو ذخيرة اللغة والتأليف للكثيرين.

وكثيرون ممن أدمنوا الكتابة بصحبة جو شعبي و قرقعات فناجين القهوة ورائحتها المميزة ودخان النرجيلة وهو ما توفره هذه الأماكن من مقاهي اللاذقية منذ الزمن الماضي وهنا حيث نجلس ومعنا فئة ممن تدعوهم بمحبي القلم والكتابة فأسموا لقاءاتهم والمكان الذي فيه يتبادلون كل شيء ثقافي بمقهى "قصيدة نثر" المقهى الذي يتربع في عمق تراث اللاذقية وفي نواة مركزها في منطقة ساحة الشيخ ضاهر الأثرية القديمة بأزقتها المغلقة والمبعثرة.

بناءٌ قديم وصغير تعلق على جدرانه قصائد لشعراء قصيدة النثر السوري والعربي ومن مختلف الأجيال الشعرية وبعض الصور واللوحات ليس فقط بل هذا المكان الصغير أصبح مرتعاً للأدباء وبعض الأمسيات العربية الأدبية والغربية الموسيقية بالإضافة إلى احتضانه لأعمال بعض المهرجانات والمعارض التشكيلية.

eLatakia التقى مؤسسي المقهى بريء خليل، ورامي غدير الذين تحدثا عن مقصدهما من إقامة المقهى ودوره فأوضحا بأن الهدف هو نوع من الحراك الثقافي في المدينة وكسر للمعتاد في المقاهي المتعارف عليها وأخيراً هو مزاج تشاركنا به ضمن إلمام أدبي موجود في تفكيرنا وكان هناك رغبة في أن يكون الاسم مناسب لروح المقهى في البداية كانت الفكرة تدور حول انتقاء اسم لأحد الشعراء الذين أحببناهم، ومن بعدها تم اختيار اسم قصيدة نثر لأنها تشبهنا، تشبه جيلنا وتفاصيلنا اليومية وكراساتنا الشعرية التي نحتفظ بها في بهو نوافذنا ونهايات دفاترنا المدرسية.

وعما سيفعله مقهىً ثقافي وحيد مقابل موجة من المقاهي التي تغص مساحتها بطاولات الزهر والشدة وشاشات البلازما قال رامي غدير:"إني هنا أتذكر رفائيل ألبرتي حين قال أنت في وحدتك بلد مزدحم والحركة دوماً أفضل من السكون حتى لو كانت بسيطة، يؤمن الهيوليون أن فراشة في جبال الهمالايا بخفقة من جناحها بوسعها التأثير على الطقس في القطب الجنوبي، أما عن فكرة القصائد المعلقة على جدران المقهى فهي كنوع من التذكير بالمعلقات الشعرية وهي نوع من التجديد في رتابة المقاهي وديكوراتها، ففي البداية بدأنا بتعليق قصائد شعراء النثر أولا أما في المرحلة الثانية فلن نتقيد، سنعلق التفعيلة والقصص القصيرة جداً، فالشعر مدهش والقصص القصيرة جميلة كذلك، وقمنا بتعليق صور صغيرة لشعراء وكتاب عرب وأجانب إضافة إلى لوحات فنية على سبيل المثال مجموعة لوحات رسام الكاريكاتير عصام حسن، والرسام هيشون، وبولس سركو وغيرهم، ولوح كبير من الخشب يعلق عليه الزبائن قصاصات ورقية يكتبون عليها أي شيء يريدونه.

قصيدة نثر هذه القصيدة التي تشد العديد من رواد الفكر وقراء الكلام تبقى هنا مقهى لا بد من قراءة أفكارها من خلال عيون روادها ومعلقات جدرانها.