نتداول في حياتنا أسماء تبدو غريبة في نطقها ووقعها ولا نعرف عنها سوى لفظها، أسماء قارات العالم إلى اليوم هي من تلك الأسماء، فما هي حكايتها وما هي علاقتها بأسطورة الأميرة "أوروبا"؟ ومن هذه الأميرة أساساً؟

ترجع هذه الأسماء إلى بدايات نشوء الحضارة الإنسانية الحديثة في المشرق العربي قبيل خمسة آلاف عام، وانتقالها إلى العالم بطرائق مختلفة أبرزها وأهمها التجارة البحرية التي برع فيها أهل المتوسط الشرقي والجنوبي، ومنتوجاتهم التي احتاج إليها التطور الحضاري ومنه ورق البردي والثياب المصبوغة.

عرف زيوس بنفسه، وقال لها إنه كبير الآلهة وإن غايته الحب والزواج، ثم عرج على جزيرة "كريت"، حيث أقيمت له ولمحبوبته احتفالات عظيمة وعمَّت الأفراح، وانهالت التهاني للإله الأعظم، ثم تابع رحلته من جزيرة "كريت" باتجاه اليونان حيث حط وعروسه تحت شجرة دلب ضخمة، وهناك تزوجها بفرح عظيم. أثمر زواج كبير الآلهة من "أوروبا" بعدة أولاد أشهرهم "مينوس" و"رادامانتوس"؛ اللذان كوفئا على عدالتهما في الأرض فجعلهما حاكمين على الأموات

قصة الأميرة "أوربا" هي جزء من القصص اليونانية الذي يُرجع فضل الأبجدية إلى الإله "قدموس" السوري، ويذكر الباحث الدكتور "جوزيف زيتون" من المهتمين بالأسطورة السورية في حديث مع مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 7 تشرين الثاني 2015 التالي: «لا نعلم أصل هذه الحكاية (الأسطورة) الأساسي، ولا إلى أي زمن تعود، ولا نعرف هوية أول من رواها هل هو إغريقي، أم يوناني متأخر، أم سوري؟! لكن الذي نعرفه أنها وصلت إلينا عن طريق الشاعر الإسكندري "موسيخوس" الذي دوَّنها في عصر متأخر؛ أي في عام 1800 قبل الميلاد، لذلك وصفت أنها أسطورة يونانية، ولم يقل لنا ما إذا كانوا هم مَن ابتكروها، أم أنها انتقلت إليهم من جيرانهم، المهم إنها قصة أميرة سورية حسناء اسمها "أوروبا"، اختُطِفَتْ بحيلة محكمة من حضن أهلها في "صيدا" (صيدون) الواقعة وسط صدر "البحر المتوسط". ثم اختفت مع خاطفها بعد الأفق؛ حيث تغرب الشمس في أرض واسعة سميت فيما بعد باسمها (أوروبا)، وهو اسم مشتق أو مُحَّوَّرْ من كلمة (غاروبا)؛ أي حيث تغرب الشمس في اللغة الأكادية الرافدية الشرقية».

د.جوزيف زيتون

مختصر الحكاية هو أنه كان لملك "صور" "أوجينور" (أوشنار) أولاد ثلاثة هم: "فينيقوس، وقدموس، وكيليكوس"، (وهي أسماء ثلاث مناطق سورية)، وفتاة رائعة الجمال واحدة اسمها "أوروبا"، وفي دمها روح إلهية؛ فأبوها ابن بوسيدون إله البحار وأمها ليبيا التي أعطت اسمها لشمال أفريقيا. حيث تابع "زيتون" قراءته للأسطورة: «رأت الأميرة في منامها حلماً غريباً عن امرأتين تتنازعانها فاستيقظت خائفة لتتمشى مع وصيفاتها على شاطئ البحر. ومن السماء كان "زيوس" يراقب المشهد فلفت انتباهه تلك الحسناء، لاحظت "أفروديت" آلهة الحب تلك النظرة فأرسلت سهماً إلى قلب "زيوس" وعندئذ لم يعد قادراً أن يتمالك نفسه من جنون الحب، فقرر النزول إلى الأرض ليخطف هذه الحسناء ويتزوجها، وساعده في سرعة اتخاذ قراره غياب زوجته الغيورة "هيرا".

بدل "زيوس" مظهره، فتقمص شكل ثور رائع الجمال، وظهر على الشاطئ السوري هادئاً وديعاً بين الفتيات، ولما اقتربت منه "أوروبا" ولمسته بيدها بلطف أصدر خواراً جميلاً، وانحنى أمامها يدعوها للركوب عليه، ففهمت الأميرة الإشارة واستجابت لطلبه، وما إن ركبت عليه حتى انطلق بسرعة باتجاه الغرب، ودخل عباب البحر، لم يغص الثور في الماء إذ كان الموج يهدأ أمامه وتصبح المياه صافية ساكنة وهو يركض على صفحتها، ففزعت أوروبا من هذا المخلوق، وتمسكت بقرنه بيد، وأمسكت باليد الثانية ثوبها حتى لا يطير ويبتل بالماء، وبعد قليل ظهر إله البحر (بوسيدون) وملائكة المياه على ظهر الدلافين تواكبه كجوقة احتفالية من اليمين واليسار؛ يزغردون ويهللون لهذا الزواج الإلهي».

رحلتها إلى القارة العجوز

وتابع: «عرف زيوس بنفسه، وقال لها إنه كبير الآلهة وإن غايته الحب والزواج، ثم عرج على جزيرة "كريت"، حيث أقيمت له ولمحبوبته احتفالات عظيمة وعمَّت الأفراح، وانهالت التهاني للإله الأعظم، ثم تابع رحلته من جزيرة "كريت" باتجاه اليونان حيث حط وعروسه تحت شجرة دلب ضخمة، وهناك تزوجها بفرح عظيم.

أثمر زواج كبير الآلهة من "أوروبا" بعدة أولاد أشهرهم "مينوس" و"رادامانتوس"؛ اللذان كوفئا على عدالتهما في الأرض فجعلهما حاكمين على الأموات».

من التماثيل المعاصرة

تتابع الأسطورة الحكاية أن "أوربا" كانت ترغب في اكتشاف أرض جديدة، وهكذا بدأت رحلتها نحو القارة العجوز، لتكشف عن أرض أو قارة لم يكن يطلق عليها اسم من قبل، فسميت "أوروبا" تكريماً لها، وتكمل الأسطورة عن تلك الأميرة التي انتقلت من بلادها بصورة الإلهة المكتملة، إلى عالم لم يكن معروفاً، وتزوجت وأنجبت من زوجها "زيوس" أولاداً حكم كل منهم مدينة بعد ذلك.

وفي تفسير الأسطورة تذكر المراجع المختصة عدة روايات، حيث يقول "معجم الأساطير اليونانية" إن الإحالة هنا إلى العلاقات الوثيقة التي جمعت أهل جزيرة (المورة وهي اليونان) كما سماها السوريون مع الساحل الشرقي للمتوسط ليس على الصعيد التجاري فحسب، بل وعلى الصعيد الاجتماعي الإنساني، ويذهب الدكتور "أحمد داؤود" في كتابه "تاريخ سورية الحضاري"إلى القول: «إن أهل اليونان هم في الأصل قبائل سورية مهاجرة في وقت من الأوقات عبر آسيا الصغرى وعبر جزيرة "كريت وقبرص" التي يتضح من أسمائها انتماؤها إلى السريانية السورية القديمة، و"قدموس" أخ "أوربا" قد علم اليونانيين اللغة التي وصلتهم جاهزة متطورة؛ وهو الأمر الذي يعترف به علماء اللغات العالميين من أن تطور "اليونانية" بهذا الشكل سببه امتلاؤها بالخزان اللغوي الفينيقي السوري، الذي اعترف به أيضاً "هيرودوت" وكثيرون من مؤرخي تلك الجزيرة النائية العجفاء».