في قرية "بطموش" الكثير من العادات والأساليب الزراعية المختلفة عن باقي القرى المنتشرة في ريف الساحل السوري، حيث تجد لديهم أسلوباً مختلفاً يحتالون به على بيئتهم القاسية جداً والباردة.

حيث إنهم يزرعون أراضيهم وفق تكتيك معين يساعدهم على تأمين محصول جيدٍ من القمح وتأمين وقود للشتاء وبرده القارس في القرية التي ترتفع عن سطح البحر أكثر من 1050 متراً، هذا التكتيك يشرح عنه مختار القريبة "محمد يوسف" قائلاً: «أرضنا ليست خصبة إلى الدرجة التي نحتاجها؛ وهو ما يجعلنا مضطرين لتغذيتها بالسماد العضوي، وهذه التغذية تحتاج تقسيمها إلى قسمين قسم يزرع وآخر يترك لكي يرتاح للعام القادم، القسم الذي لا يزرع يتحول إلى مرعى للماعز الذي يتغذى منه وينشر فيه سماده العضوي الذي يساهم في جعل التربة أفضل وأكثر إنتاجاً زراعياً».

يمكنك ببساطة ملاحظة نتيجة ذلك من خلال نوعية القمح الذي ننتجه والذي يعد جيداً، حيث تنتج القرية القمح بعشرات الأطنان سنوياً، وفي إحدى السنوات احتاجت الدولة قمحاً فزودناها باحتياجاتها من احتياطنا

في "بطموش" يبدع الأهالي بالتأقلم مع واقعهم وتأمين احتياجاتهم وخصوصاً وقود الشتاء؛ الذي يشرح لنا "يوسف" عن تأمينه بالقول: «تربتنا تناسب أشجار السنديان، وعليه فإن الأراضي التي لا تزرع تنتشر فيها خلال أقل من عام عشرات الشجيرات من السنديان التي تتحول إلى مرعى للماعز قبل أن نقوم بقطعها وتحويلها إلى وقود للتدفئة، حيث إن القرية تعتمد على الحطب في مواجهة البرد القارس شتاءً».

أراضٍ مرتاحة وأخرى مزروعة

في كل عام يطبق أهالي القرية هذا الأسلوب ويتم التبديل بين الأراضي؛ وهي تجربة أثبتت نجاحها الكبير بحسب مدير المدرسة "علي صقر"، الذي تحدث لمدونة وطن "eSyria" في 24 تشرين الثاني 2014، عن فوائد هذه الطريقة قائلاً: «يمكنك ببساطة ملاحظة نتيجة ذلك من خلال نوعية القمح الذي ننتجه والذي يعد جيداً، حيث تنتج القرية القمح بعشرات الأطنان سنوياً، وفي إحدى السنوات احتاجت الدولة قمحاً فزودناها باحتياجاتها من احتياطنا».

وأضاف "صقر": «هي طريقة ذات فوائد متعددة، فهي "ثلاثة بواحد": من ناحية تفيد الأرض وتجعلها أكثر قدرة على العطاء، ومن ناحية ثانية تؤمن غذاءً للمواشي وتريحنا في الرعي، ومن ناحية ثالثة تساعدنا في تأمين الحطب لاستخدامه في الشتاء نظراً لعدم قدرتنا على شراء مادة المازوت».

هذه الطريقة لا تؤذي الطبيعة نهائياً حسب تعبير "صقر" الذي يقول: «في قريتنا العديد من الغابات وتحيط بنا أشجار السنديان من كل الاتجاهات؛ وعليه فإننا لا نعتدي عليها بل نحافظ عليها، لكننا ضمن أراضينا نسعى للاستفادة منها، ولا يمكن لأحد تجاهل أهمية الزراعة وفوائدها، ونحن بذلك نتأقلم مع واقعنا ونحتال على صعوبات الحياة وصعوبات الزراعة ومشقتها، ونصل إلى نتيجة مفيدة جداً لنا وللطبيعة بما فيها من كائنات».

لا يغفل أهالي القرية اختيار القمح المناسب لهم حيث يزرعون نوعين من القمح "سورية، كفشون"، يعلق "آصف زهرة" وهو مختار "معرين" قائلاً: «الحنطة السوداء تنتج خبزاً شهياً، وجيراننا في قرية "بطموش" يفضلون خبز التنور على غيره من الخبز، ولذلك فإن الحنطة التي ينتجونها هي الأساس في صناعتهم للخبز الشهي الذي يستمتع في تذوقه ضيوف القرية، وكما تلاحظ فإن "التنور" منتشر في كل مكان بالقرية، فهم لا يأكلون في بيوتهم غيره».

هنا تخزن حبات القمح

لقد أبدع أهالي "بطموش" التأقلم مع واقعهم ووجدوا حلولاً لمشكلاتهم، وهو ما ساعدهم على التثبيت في قريتهم والحفاظ على وجودهم فيها، فتحولت إلى مضرب مثلٍ في الساحل السوري الذي يضم آلاف القرى.