بدأت فكرة الأدراج الملونة قبل زمن في عدد من دول العالم بغية التخفيف من طغيان المشهد الإسمنتي والملاط الرمادي الذي يكسو أغلب شوارع المدن، لا يعرف من ابتدع هذه الفكرة عالمياً، ولكن هنا في "اللاذقية" تم تنفيذها باختيار أحد أطول الأدراج في المدينة من قبل فريق "قطرات ملونة" التطوعي في العام 2014، وبمبادرة ذاتية بالتعاون مع مديرية الحدائق في مجلس مدينة "اللاذقية" التي قدمت المواد، ليصبح درج القلعة ملوناً.

مدونة وطن “eSyria” بتاريخ 24 تشرين الثاني 2014، زارت الدرج واطلعت على الجهد المبذول في تلوينه، وهو اليوم مقصد لكثيرين من الزوار الوافدين إلى المدينة، تقول الطفلة "منار علي" وقد التقيناها على الدرج: «أحببت جداً هذا الدرج، وبيتنا الذي يطل على الدرج أصبح أحلى، كل يوم أعبر الدرج إلى مدرستي في حي القلعة، ويفرحني خاصة عندما تمطر السماء عليه».

أحببت جداً هذا الدرج، وبيتنا الذي يطل على الدرج أصبح أحلى، كل يوم أعبر الدرج إلى مدرستي في حي القلعة، ويفرحني خاصة عندما تمطر السماء عليه

تقول "نور الزمان حيدر" من فريق "قطرات ملونة" ومشاركة في العمل: «بدأت الفكرة ضمن برنامج الفريق التوعوي البيئي، وقد كان الهدف تلوين درج "القلعة" الذي يناسب موقعه في ترك أثر بصري مميز في المدينة، فهذا الدرج يقع في منطقة مهمة في المدينة، وله إطلالة يشاهدها أغلب القادمين إلى المدينة، كما أنه يمتد بطول يقارب المئة متر بين حي "القلعة" ومنطقة "السياحة" والثقافي الجديد، وعدد درجاته يفوق المئة وخمسين درجة، إضافة إلى الغيرة الإيجابية؛ فنجاح هذه التجربة في العديد من الأماكن حفزنا أكثر على تكرارها في مدينتنا، كذلك بمحاولة من الفريق لبث الروح الإيجابية عن طريق الألوان في مدينة "اللاذقية"، وإضفاء حياة على مدينتهم المتأثرة كغيرها بالواقع السوري الكئيب».

نور الزمان حيدر

تم التحضير للأمر مدة شهر كامل، حيث قام الفريق في أولى خطوات العمل بأخذ القياسات، وعدد الدرجات، ومن ثم التصميم الفني، وماذا "سنختار"؟ تضيف "نور الزمان" قائلةً: «اعتمدنا في البدء عدة تصاميم، لكن بما يتوافق مع الواقع اخترنا التصميم الحالي المعتمد على توزيع الألوان بأسلوب متناسق ومريح، إضافة للشكل الهندسي في المنتصف، ومن ثم انتقلنا إلى التنفيذ العملي على أرض الواقع».

بدأ الفريق نشاطه الحادي عشر بدهان الدرج في 18 نيسان 2014، وشارك في العملية 32 شاباً وصبية، تم تنظيف الدرج من أعلاه إلى أسفله، ومن ثم توزيع العمل على قطاعات يضم كل منها عدداً من الشباب والصبايا، وبدأ الجميع في "بردخة" الدرجات لتصبح ناعمة وتتقبل الدهان بطريقة صحيحة تحميها من التخريب بسبب العوامل الجوية والحت والتعرية، واختير من أجل ذلك دهان من نوع "البويا" فهو يدوم أولاً ويتناسب مع طبيعة الدرج، واتساخه قليل نسبياً مع الاستخدام، وقابل للتنظيف بالمياه أيضاً.

فريق قطرات ملونة

احتاج العمل إلى يومين فقط للانتهاء منه، فكل الشباب والصبايا عملوا بجد وسرعة للانتهاء من العمل، يتحدث الشاب "لؤي سليمة" عضو بفريق قطرات ملونة – اللجنة الإعلامية عن مشاركته، فيقول: «إن الانتماء الأول لأي شخص بعد عائلته هو إلى مدينته التي يطمح إلى جعلها الأجمل بين المدن وأن يزينها كل فرد على قدر استطاعته، ونحن في الفريق وجدنا الكثير من المدن زينت بعض الأدراج فيها وحولتها إلى علامات فارقة في جماليتها، اخترنا هذا الدرج لتطبيق تلك الفكرة الجميلة عليه، وهكذا كان، وبعد أن انتهينا من العمل أصبح هذا الدرج معلماً حقيقياً للمدينة، وأصبح الكثيرون يأتون إليه لكي يلتقطوا صوراً تذكارية، نحن قمنا بالعمل متطوعين، محاولين نشر ثقافة التطوع لدى شرائح مختلفة من المجتمع، ونعتقد أننا نجحنا في تقديم صورة ملونة لمدينة يليق بها اللون والجمال».

اتفق أغلب المشاركين في العمل على أن الفكرة بحد ذاتها بالنسبة لمدينة "اللاذقية" يمكن تكرارها في أكثر من مكان هنا، فعدا جمالية هذه الأدراج بوضعها الجديد فإنها تعزز الثقافة البصرية المعتمدة على اللون الذي يفرح القلوب بحضوره والتعامل معه يومياً. تقول الآنسة "مايا شما" وهي ممن عملوا أيضاً على مشروع الدرج الملون: «إن في العمل على الدرج نزعة إلى العالمية، ففيها من الفرح الكثير الكثير، وتعزيز الثقافة البصرية المعتمدة على اللون نهج جديد لدينا، وبكل الأحوال يجب تعزيز انتشار هذه الثقافة في كل المدن، ليس لأنها تريح النظر، بل لأنها تعطي المدن صبغة جمالية مختلفة تساعد في تغيير النفوس والعقول أيضاً».

مقطع من الدرج

يطمح سكان "اللاذقية" بتكرار التجربة في مواقع أخرى في المدينة، حيث تصبح كل أدراجها نابضة باللون والفرح.