اختار أن يكون شاعراً، ومن خلال الشعر أفرغ وجعه الداخلي، ورصد معاناة السوريين خلال سنوات الحرب بكل صدق وعفوية، فكان صوت حال مجتمعه عبر التقاط صورٍ واقعية، ووظف رؤيته الشعرية للتعبير عنها.

مدونة وطن "eSyria" تواصلت بتاريخ 11 آب 2018، مع الشاعر "زياد جبيلي" ليحدثنا عن مسيرته الأدبية بالقول: «علاقتي مع الأدب بدأت منذ الطفولة، نشأت في بيت يعنى بالثقافة، والدي كان يقتطع من راتبه مبلغاً من المال ليشتري كتباً أول كل شهر، حتى إنه لم يعد هناك مكان لنضع فيه كتباً جديدة، فالقراءة كانت السمة الطاغية على المنزل وجزءاً أساسياً من تراث عائلتي ومكونات منزلي، كما أنني أذكر أن أبي حين كان يوقظني لأذهب إلى المدرسة يأتي إلى جواري وأنا نائم، ثم يذكر بيتاً من الشعر الكلاسيكي، ويجب علي بعد أن أستيقظ أن أكمل باقي القصيدة، ضمن هذا الجو الثقافي نمت موهبتي الشعرية وتكونت ذاكرتي الثقافية ومفرداتي اللغوية التي استمدت مقوماتها من القراءة التي هي أولاً وأخيراً تجعل اللعبة ممتعة؛ مع وجوب التنبيه إلى أن القراءة وحدها لا تصنع شاعراً، فالموهبة شرط أساسي لولادته، ولا بد للشاعر من أن يمتلك موهبة تظهر مهاراته وجودته بالأداء الشعري والمفردات اللغوية. أما التميز، فذاك شأن الصنعة التي تحتاج إلى الموهبة والقراءة والنضج والتجارب، وبرأيي أيضاً تحتاج إلى حياة كاملة، فالشاعر يولد شاعراً، وما يميز ساحراً عن آخر هو طريقة تنفيذ الخدعة وخفة اليد وطريقة الاستعراض، فالإبداع لا يأتي من فراغ؛ فهو نتاج مجموعة تقاطعات تتفاوت مستوياته بحسب الخبرة والممارسة وصدقية التعبير وسعة الاطلاع».

الملتقيات الأدبية تساهم في شيء آخر غير تنشيط الحركة الثقافية، فهي تساهم أيضاً في التخلي عن العالم الأزرق والجلوس على كرسي والاستمتاع أو عدم الاستمتاع بما يحدث أمامك، في "الفيسبوك" الجميع يصبحون شعراء، ولا أحد يريد أن يقرأ، حتى لنفسه، لا أعرف كيف يمكن الحد من شعرية الجميع، وعلى الرغم من ذلك الشعرية تبدو جيدة مقابل أن الجميع يتحولون إلى نقاد في لحظة. لقد شاركت بالعديد من الملتقيات والأمسيات منذ كنت طالباً في الجامعة، ولاحقاً شاركت بأمسيات في مدينتي "اللاذقية" و"دمشق"، وكان لي مشاركة في ملتقى "يا مال الشام"

وعن الأنواع الأدبية التي يفضّلها يقول: «لست قارئاً جيداً للروايات والقصة القصيرة، فأول رواية قرأتها كانت في المرحلة الثانوية؛ فقد كنت أقرأ وأحفظ الشعر قبل ذلك بزمن كبير، لذلك لم أجرّب -ولو لمرة واحدة- أن أكتب رواية أو قصة؛ فالرواية نفَسها طويل، وأنا أحب اللهاث والنفَس المتقطع في كل شيء، لذلك اخترت الشعر، ولا أستطيع مواصلة الحياة من دون كتابة، هي مسألة هاجس في النهاية، لا أعرف كيف كانت ستبدو حياتي لو انشغلت بشيءٍ آخر غير الشعر. بالنسبة للنقد، هناك من يولد شاعراً أو روائياً أو قاصاً، وهناك من يولد ناقداً، فأنا مجرد قارئ أحاول قدر الإمكان أن أخرج نصي وهو كامل أو بأقل قدر ممكن من الأخطاء، صحيحٌ أنّ داخل كل أديب ناقداً يقوم عمله ونتاجه الأدبي، لكن كتابة النقد مسألة أخرى، ولكي أتجه إليها تنقصني قراءة ألفي كتاب على الأقل لأفعل ذلك. أما ما كتبه النقاد عن ديواني الأول، فرأيهم كان يعنيني بالدرجة الأولى لكونهم شعراء وأصحاب تاريخ في الشعر واللغة، مهم أن تعرف رأي صانع أكبر منك عمراً وتجربة، ومهم أن تلتقط أماكن الاستحسان ومواطن الضعف في كتاباتك، الكتابة لم تخترني، أنا من اختار أن يصبح شاعراً، أو هكذا أتمنى أن يكون قد حدث فعلاً؛ في الحقيقة لم أفكر بالأمر كثيراً، هي أشياء تحدث فجأة، ولا أجد جدوى بالبحث عن تبريرات لها طالما أنها ممتعة بالنسبة لي، هذا الكلام ينطبق على حالة الكتابة، المهم أن تأتي اللحظة التي أمسك فيها القلم، وأبدأ إفراغ الأصوات من رأسي، لم أفكّر بعفوية أو قصدية لحظة الكتابة من قبل، ولن أفكر لاحقاً، ففي الغرب لم يعد هناك حدود فاصلة في الكتابة، أصبح يطلق مصطلح (نص) على أي نوع من الأنواع الأدبية، المهم هو الأسلوب، باعتبار أن المواضيع جميعها متشابهة، الأسلوب والتكنيك هما الأساس في النص الأدبي، وهذه وجهة نظري؛ أنا كتبت ما عشته فقط بكل صدق وعفوية، لم أكتب إلا عن الحرب، لا أعرف أن أكتب عن شيءٍ لم أعشه، الحرب هي من ساهم في نضجي، لم أُرد إيصال رسالةٍ أو شيء آخر حين كتبت، كل ما حلمت به هو البقاء حياً، كتبت محاولاً دفع الموت خطوة إلى الوراء، هل نجحت؟ لا أعلم، لكنّني ما أزال أتنفّس حتى الآن، ربما هذه هي رسالتي. استهوتني قصيدة النثر لأنها تخرج عن الشروط والقوانين والقوالب، فأن تزود اللغة بتراكيب جديدة هي إحدى وظائف الشعر؛ لكن أن تنقل الصورة كما حدثت محتفلاً بالهامشي واليومي واللامبالاة به، فهو جوهر قصيدة النثر؛ أن تجعل للوحدة صوتاً، وللفراغ لساناً ينطق به، وأن تردّ الاعتبار للفريق الخاسر حين ينساه الجميع حتى مشجعوه، هذا ما أضافته قصيدة النثر بابتعادها عن العناوين العريضة والمدن الفاضلة والمبادئ الطوباوية، وهذا ما أضافه شاعر النثر بتخليه عن صفة الشاعر الرائي الإله، وتحوله إلى شاعر الأشياء البسيطة».

ديوانه "ثياب سوداء في خزائن الحي"

وتابع: «الملتقيات الأدبية تساهم في شيء آخر غير تنشيط الحركة الثقافية، فهي تساهم أيضاً في التخلي عن العالم الأزرق والجلوس على كرسي والاستمتاع أو عدم الاستمتاع بما يحدث أمامك، في "الفيسبوك" الجميع يصبحون شعراء، ولا أحد يريد أن يقرأ، حتى لنفسه، لا أعرف كيف يمكن الحد من شعرية الجميع، وعلى الرغم من ذلك الشعرية تبدو جيدة مقابل أن الجميع يتحولون إلى نقاد في لحظة. لقد شاركت بالعديد من الملتقيات والأمسيات منذ كنت طالباً في الجامعة، ولاحقاً شاركت بأمسيات في مدينتي "اللاذقية" و"دمشق"، وكان لي مشاركة في ملتقى "يا مال الشام"».

ومن كتاباته: "أن تتركَ رفيقكَ ينزف حتى الموت مثلاً دون المغامرة بكشف موقعك

ديوان "لا غيم يقود العربة"

أن تُغمض عينيك وتفتح فمك وتتجمّد حين يمرّ العدوّ أمامك وهو يتفقّد طرائده

أن تأخذ دور العدوّ". أيضاً:

"تختبئ في مكمنٍ آمنٍ

تنتظر اللحظة المناسبة

التوقيت أهمّ شيء -

ادخل الآن في صفوفهم

أصبحتَ واحداً منهم ولن يميّزك أحدٌ طالما الليل يخفي قلق عينيك

كلّ شيءٍ مباحٌ في سبيل أن تحيا -هكذا تقول-".

تحدث الأديب والناقد "تمام بركات" عنه بالقول: «لم تأتِ شاعرية الشاعر "زياد جبيلي" من قراءاته لكبار شعراء قصيدة النثر محلياً وعالمياً، مع أن خوضه في مفازاتها الذهبية فيما بعد، جعله يتعرف إلى ذلك البعد المبهم قليلاً في جانب هذه القصيدة، خصوصاً في مقاربته لها شعرياً، بقدر ما جاءت من الإصرار اليومي للحياة على أن تجعل كلام والده وهو يوقظه إلى المدرسة يكون مفتاح الاستيقاظ، فمن خلال قصائده ترى لغة بصرية واضحة تتراءى للقارئ كأنها مشاهد سينمائية حية وواقعية تترك انطباعاً ينفذ من خلال كلماته الشعرية إلى مسام القارئ اللاشعورية، فقد رصد التحولات العميقة التي تطرأ على المجتمع بوجه عام، وعلى الناس بوجه خاص، حيث عايش الواقع بكل تفاصيله ومعاناته».

الجدير بالذكر، أن الشاعر "زياد جبيلي" من مواليد "اللاذقية" عام 1985، صدر له إصداران: "لا غيم يقود العربة"، و"ثياب سوداء في خزائن الحي".