"بشّار حسين" شاعر يحيا ما يكتب، ويقطفُ أفكاره من حدائق الخيال وأزهار الواقع آخذاً القارئ إلى أريجِ قولهِ وشفافيةِ لغتهِ الشعرية.

مدوّنة وطن "eSyria" التقت الشّاعر في منزله في "طرطوس" بتاريخ 10آذار 2014، وكان معه هذا الحوار:

ينساب شعر "بشّار" بطريقة تجعل القارئ يشعر كمن أنهى قطعة موسيقية لن ينساها لوقت طويل. وجمال ما يقدّمه يكمن في نقطتين: الأولى: تشكيل المفردة العامّيّة في صور تلمسُ بخفّةٍ نقطةً عميقةً في داخل القارئ؛ وهذا ما أعتقد أنّه شعر حيّ. والثانية: لا يفقد الوزن أبداً ولا يكرّر ذاته بل تشعر بأنّه في كلّ مرّة قادر على الخلق والابتكار

  • كيف اقتحمت عالم الشّعر وبمن تأثّرت؟
  • الشاعر في منزله

    ** استيقظت على الحياة لأجد في مكتبة والدي الموسيقيّة الكثير من أشرطة الزجلِ لكبار شعراء هذا اللون الشّعريّ "زغلول الدّامور، موسى زغيب، أسعد سعيد"، ولاحقاً تمّ تدعيم هذا المناخ من قبل أساتذة اللغة العربيّة أثناء دراستي؛ حيث أوقفوني طويلاً عند جمالية اللغة ودلالاتها، فقرأت في البداية المعلّقات والكثيرين من شعراء العصر العبّاسي وشعراء الأندلس، ولقد تأثرتُ على صعيد اللغة الفصحى بالشّاعرين "أبي نواس"، و"نزار قباني", وتأثّرتُ على صعيد اللغة المحكيّة بالشّاعرين "طلال حيدر، وسعيد عقل".

    *هل ما زالت الكتابة العموديّة صالحةً للتّعبير عن هذا الوجود المُبعثَر؟

    ديواناه "مخابئ العطر، وعرائش النجوم"

    ** الكتابة العموديّة شكلٌ من أشكال التّعبير، ويمكن للشّاعر أن يضمّنها ما يشاء من تداعياته وأفكاره وهذا يرتبط بقدرته وموهبته بعيداً عن محاكاة القدامى، وشريطة أن لا يكون العمود هاجساً وإنّما يجب أن يأتيَ بعفويةٍ وفطرةٍ. فشكل القصيدة يفرض نفسَه دون تدخّل الشّاعر، وليست القصيدة العموديّة رتيبة بإيقاعها وإنّما تتكرّر بتجدّدٍ مثل الموج.

  • نشرت مؤخّراً ديوانك "كمشة ندي" باللغة المحكية. هل تعتقد أنّ اللغة المحكية قد تكون بديلاً من الفصحى ذات يوم؟
  • ** اللغة المحكيّة ابنة الزّمان والمكان، وهي لغة التّواصل اليوميّة، ومن الجميل أن يلتقط الشّاعر اللغة الشّعرية المخبوءة فيها، ولكن لا أعتقد أن تقدِر إحداهما على إزاحة الأخرى في الوقت الحالي على الأقل.

  • هل النقد الآن نقد حياديّ برأيك؟ وأين يكون القارئ وأنت تكتب؟
  • ** النقد لا يعني لي كثيراً وأنا أكتب، وأنا أرفض وجود الناقد في ذاتي لأنّي أعتبر أنّ شيئاً من الحماقة من ضرورات القصيدة. والنّقد بشكلٍ عام جدّيّ يرهق القصيدة ويقولبها. وبخصوص القارئ يحق له رؤية النّص كما يفهمه لكنّه لا يشغلني أيضاً وأنا أكتب.

  • من أين تستقي ثروتك اللغويّة، ولماذا لم تقتحم عالم الحداثة وأنت تمتاز بلغة طيّعة ورؤيا عالية؟
  • ** أستقي لغتي من الطّبيعة ومن قراءاتي وثقافتي وغالباً ما أمزج بينهما لأبتكر لغتي الشّعريّة الخاصّة. وأنا بشكلٍ عام أحيا الشّعر وأكمن له بدءاً من درج المنزلِ حيث موسيقا الصّعود والهبوط، إلى الشّارع والحركة والنّاس وصولاً إلى الكتاب.

    أمّا بشأن الحداثة فسأكون واضحاً فهي تحتاج إلى الجهد والثّقافة المتعدّدة والتّعب والاطّلاع على تجارب كثيرة لشعرائها، وهذا ما لا يمكن لشاعر مثلي أن يدركه. ولكن هناك الكثيرين من الشّعراء الذين استصعبوا الوزنَ فاستسهلوا النّثر، ولا يمكن برأيي لمن لا يجيد الاستماع إلى "العتابا" أن يكتب قصيدة نثر عالية.

  • لماذا الشّعر في زمن العولمة؟ وكيف يمكن للشعر أن يدافع عن وجوده في عصر الاستهلاك السريع؟
  • ** الشّعر خلاصٌ للإنسان، ولذلك سيبقى الآن ولاحقاً، فالشّعر هو اللاوصول وكلّ وصولٍ موتٌ، وعندما يتعثّر الكون وينفجرُ سنكون دوماً على موعدٍ مع الشّعر.

  • ما هو مشروعك الشّعريّ الآن؟ وهل أنت راضٍ عمّا ينشر على الفيسبوك وفي الصّحافة؛ حيث يجنح الجميع للاستسهال بحجّة الاقتراب من الجمهور؟
  • ** دائماً يسكنني هاجس التّجريب؛ فكلّ كتابة لا تتجاوز ذاتها لا يعوّل عليها، فأنا أحاول أن أتخطّى كتاباتي السّابقة. وبشأن ما يُنشر فإنّي أرى استسهالاً في الكتابة لدرجةِ أنّكَ ترى "لا منتجاً أدبيّاً" في السّاحة، وقد أثّرتْ هذه الكثرة السّلبيّة في الكتابة النّوعيّة وانتشارها.

    النّاقد والقاصّ "علي الشاويش" تحدّث عن تجربته الشّعرية بالقول: «يمكن اختزال تجربته بالقول إنّها دراما الصّور التي تعبر إلى الذات بخفّة اللمعان، لابسةً ثوب الشّعر وحده بعيدةً عن التّكلّف والآيديولوجيا، وهي صورٌ فائقة الجدّة ليست بحاجة إلى الاستعارة إلا من ذاتها، ورغم أنّ الصّورة لديه تنتمي إلى حالة الشّعر الحديث غير أنّه آثر إظهارها في قالب الشّكل التقليدي "الوزن، اللموسيقا"، المتمكّن فيهما أيّما تمكّنٍ وهذا لا ينقص من جودتها العالية. وأنا أرى أنّ تجربته تجربة هامّة ستثمر إلى خصوصيّة حداثويّة لا محالة».

    الشّاعر "علاء أحمد" أضاف: «ينساب شعر "بشّار" بطريقة تجعل القارئ يشعر كمن أنهى قطعة موسيقية لن ينساها لوقت طويل. وجمال ما يقدّمه يكمن في نقطتين:

    الأولى: تشكيل المفردة العامّيّة في صور تلمسُ بخفّةٍ نقطةً عميقةً في داخل القارئ؛ وهذا ما أعتقد أنّه شعر حيّ.

    والثانية: لا يفقد الوزن أبداً ولا يكرّر ذاته بل تشعر بأنّه في كلّ مرّة قادر على الخلق والابتكار».

    من ديوانه "كمشة ندي":

    "ضوّ القصيدِه انْدلقْ

    والكاسْ حدّ النّارْ

    حلوِه القوافي حلَقْ

    حلوِه عقدْ وسْوارْ

    يا بنت أختْ الحبقْ

    يا توبْ ريحْ وغارْ!

    زنّار خصركْ خلَقْ

    كلّ المعاني زْرارْ".

    من ديوانه "عرائش النّجوم":

    "يا لَلقصيدة حين يكتبها الجنون بريشة الفكر

    صوراً كوجهكِ في تجدّدها كأمواجٍ من العطرِ

    يا أنت يا قلقَ النّبوءة .. ما لها وعدٌ مع الحبرِ

    تأتين ساعة تشتهينَ جليّةً وخفيّة السّرّ

    أنثى لشعري أو إله خصوبةٍ لأنوثة الشّعر".

    يُذكر أنّ الشّاعر "بشّار حسين" من مواليد "اللاذقية" 1966، وهو مقيم حالياً في "طرطوس"، وصدرت له ثلاثة دواوين شعرية:

    - "عرائش النجوم"، 2008.

    - "مخابئ العطر"، 2009.

    - "كمشة ندي"، 2014.