تمثل مرحلة ما بعد الجامعة الشغل الشاغل لجيل الشباب، فمن المفترض أن يعقبها مباشرة دخولهم إلى سوق العمل والشروع في بناء مستقبلهم، لكن قد لا يكفي الطالب أن يتخرج في الجامعة حتى ينجح في عمله.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 4 شباط 2015، "يوسف رحمون" (المسؤول عن مشروع عمل خاص) في مدينة "اللاذقية"؛ الذي تحدث عن الفجوة بين الدراسة وسوق العمل، ويقول: «كشخص يبحث عن مصلحته ومصلحة العمل أهتم للتعاقد مع ذوي الخبرة بصرف النظر عن دراستهم الجامعية، فالعمل يتطلب خبرة وأشخاصاً مدربين، وعلى سبيل المثال اليوم معقب معاملات مجاز قانونياً ويحمل شهادة ثانوية يفيدني أكثر من محام أو خريج جامعي، وكذلك كم من مساعد مهندس يتقن عمله أكثر من مهندس، حقيقة هناك فجوة واضحة بين العمل الميداني والتعليم الجامعي، وكثيرون من شبابنا أو طلبتنا لا يبذلون جهداً أثناء دراستهم الجامعية في التدريب العملي، ومع ذلك فإن بعضهم ومن لحظة تخرجه يريد أن يتعين مديراً!

لقد جربتها شخصياً واخترت أن أدرس رياض الأطفال، وأن أكون مدربة في مجال التنمية البشرية

ومن خلال تجربتي، فشل كثيرون من الخريجين الجامعيين في العمل معي بينما نجح آخرون بذلوا جهداً أكبر على صعيد التدريب، بعضهم لا يحمل شهادات وبعضهم مازال في مرحلة الدراسة».

المدربة نجوى نوري

الجامعة لا تؤهل الطالب لدخول سوق العمل حتى ولو كان متفوقاً، هكذا يجد طالب الهندسة "عمار زيروق"، وهو من المتفوقين في المسابقة البرمجية لطلاب الهندسة المعلوماتية، ويقول: «الجامعة تضع الطالب على الطريق وعليه أن يسير فيه معتمداً على جهوده، وهذا يعني أن يبذل جهداً ويبحث ويتدرب في كل مادة من المواد التي يدرسها ليتقن علمها، فالطالب الذي يدرس دراسة سطحية ويعتمد على أسئلة الدورات ويسعى فقط للحصول على الشهادة؛ بالتأكيد سيفشل في دخول سوق العمل».

ويتابع: «أنا لم أتخرج بعد ومع ذلك فإنني أسست عملاً جيداً ضمن اختصاصي، وأعمل إلى جانب الدراسة، وأي شخص يمكنه أن يفعل مثلي بمجرد أن يعقد العزم على ذلك، ويعمل على تكريس وقته لتطوير ذاته ومعارفه وخبراته العملية، وأن يكون على احتكاك بمشاريع تطبيقية يستفيد منها، فالأساس هو الخبرة والمنهجية؛ وهما يحتاجان جهداً فردياً».

الطلبة على مدرج الجامعة

يعترف خريجون جامعيون كثر بفشلهم في دخول سوق العمل مباشرة بعد تخرجهم، تقول "هند قاسم" وهي خريجة "علم اجتماع": «للوهلة الأولى بعد تخرجي شعرت بأنني منفصلة عن الواقع، وجدت نفسي وكأنني إبرة في كومة قش، وعلى الرغم من تعييني في إحدى الدوائر الحكومية إلا أنني بقيت عامين حتى استطعت الانخراط بالعمل بوجه جيد وتأدية مهامي».

أفكار كثيرة تطرح حول هذا الموضوع الإشكالي بعضها يصل إلى مرحلة بعيدة كرأي المدربة الشابة "نجوى نوري" التي تجد أن على الإنسان أن يدخل سوق العمل بعد الثانوية مباشرة أي قبل الجامعة، وتقول: «في هذه الفترة يكون قد كوَّن فكرة عن واقع العمل وحدد الاختصاص الذي يجد نفسه فيه، ومن ثم ينطلق للدراسة الجامعية ويرفقها بالتدريب والعمل الميداني».

الدكتور مصطفى دليلة

"نوري" تنطلق من ذاتها في هذا الرأي، وتقول: «لقد جربتها شخصياً واخترت أن أدرس رياض الأطفال، وأن أكون مدربة في مجال التنمية البشرية».

"العمل هو الذي حوّل القرد إلى إنسان"؛ بهذه المقولة لـ"أنكلز" يبدأ الدكتور "مصطفى دليلة" حديثه لمدونة وطن، ويضيف: «ترافق العمل مع وجود الإنسان منذ الأزل، وسيرافقه إلى الأبد طالما هناك نبض حياة، وعليه فإن العمل رافق الإنسان قبل وجود الشهادات الجامعية وسيستمر إلى ما بعدها».

"دليلة" لا يرى علاقة للشهادة الجامعية بسوق العمل، ويقول: «كم من مدير ناجح ومؤسسي شركات كبار لم يحصلوا على شهادات جامعية عليا في اختصاصاتهم، المهم أن يكون لدى الإنسان هدف رئيس محدد يقود مسار حياته، يستطيع مثل هذا الإنسان أن يجمع حوله فريقاً من الاختصاصيين الذين يخدمونه في كل المجالات، أي يكوّنون معاً عقلاً جمعياً يخدم المؤسسة التي يعملون فيها.

لكن، ونظراً لزيادة العرض على اليد العاملة في سوق العمالة حالياً باتوا ينظرون إلى الشهادة الجامعية ومستواها ومصدرها، وتبقى الشهادة الجامعية المترافقة مع شهادات خبرة متنوعة تزيد من فرص إيجاد عمل مناسب لصاحبها».

ورداً على سؤال حول إمكانية أن تخرج جامعتنا أجيالاً جاهزة للدخول في سوق العمل؛ يقول الدكتور "دليلة" وهو مدرس في كلية الهندسة بجامعة "تشرين": «بكل أسف لا تلبي معظم الشهادات التي نخرّجها في جامعاتنا ومعاهدنا متطلبات سوق العمل لأسباب متنوعة أهمها: عدم التركيز على الجانب العملي، وعدم تغطية احتياجات السوق من الاختصاصات المتطورة، الزيادة المضطردة لأعداد الطلاب في الاختصاص الواحد وفي السنة الواحدة تمثل عبئاً كبيراً على العملية التعليمية والجزء العملي منها بوجه خاص، عملية ربط الجامعة بالمجتمع وبمؤسساته المختلفة لا تسير وفق خطوات سليمة وممنهجة، حيث يجب إلزام مؤسسات القطاع العام والخاص باستقبال مجموعات من الطلاب للتدريب لديها والالتزام بتعيينهم لاحقاً، فرز الطلاب الجيدين عن السيئين وفصل المتخلفين منهم سنوياً».

إن ثقة الطالب بالتخرج عامل ضرر بحسب وجهة نظر الدكتور "دليلة" الذي يقول: «في جامعاتنا مشكلة حقيقية وكبيرة جداً لأن الطالب سيبقى واثقاً من تخرجه متى ما دخل الجامعة ولديه أمل بالتخرج حتى ولو بعد عشرين سنة، وحتى لو لم يواظب على الدراسة (مشكلة حقيقية وخاصة في الكليات العلمية)، وهذه ميزة فريدة تنفرد بها جامعاتنا ونظام التعليم العالي لدينا عن بقية جامعات العالم».

يقر كثيرون من الخريجين الجامعيين بأنهم شعروا بالصدمة بعد تخرجهم في الجامعة وإقبالهم على سوق العمل، لكن مؤخراً انتشرت ظاهرة التدريب والدورات والعمل إلى جانب الجامعة؛ فهل يمكنها القضاء على الصدمة والمساعدة على الانخراط في سوق العمل، أم أن هذه مسؤولية الجامعة؟