استطاعت أن تستفيد من مفردات الطبيعة التي أثرت بشخصيتها، وتجعل من المرض تحدّياً لتحقيق النجاح، ومن الأمومة والأطفال هدفاً نبيلاً، فجمعت بين الدراسة الأكاديمية والتطبيق العملي الذي يخدم المجتمع.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 14 تموز 2016، الدكتورة "فتاة صقر" التي تحدثت عن حياتها، وتقول: «كنت من الطلاب المتفوّقين في المدرسة، وإصابتي بمرض "الحمى المالطية" في عام 1989 لم تمنعني من التفوق في "البكالوريا" والحصول على درجات عالية، فاخترت التسجيل في معهد إعداد المعلمين في "حلب" عام 1990، وكنت من المتفوّقين أيضاً، وبعد شفائي قمت بدورة قفز مظلي تحدّياً للمرض، وفي الوقت نفسه درست "البكالوريا" مرة ثانية لتسجيل فرع الصيدلة الرغبة التي أحبها، ولكن بعد تعاملي مع الأطفال أثناء التدريس والتدريبات في المعهد وتعلقي الشديد بهم اتجهت نحو دراسة علم الاجتماع في جامعة "دمشق" عام 1993».

امرأة طموحة ومكافحة في العلم والعمل تعطي الوقت لأسرتها وعملها، وكانت من الطلاب الأوائل، ففضلت أن تمنح الأمومة الرعاية والاهتمام مؤجلة الدراسة بعد تخرّجها، وتسدي النصيحة لصديقاتها وخاصة فيما يتعلق بتربية أبنائهن، وترشدهن إلى كيفية التعامل معهم، وهي صادقة بعملها ومثابرة، وهو ما منحها ثقتهم ومحبتهم، وجعل مسؤوليتها أكبر أمام أسرتها ومحيطها

مراحل حياتها الملأى بالعمل لم تتوقف عند حدّ معين، فقد عملت مع الأطفال والأسرة ضمن المجال التربوي المدرسي، وعن ذلك تقول: «عملي ضمن المجال التربوي المدرسي مرشدة اجتماعية، كان مفتاح الدخول إلى حيّ عشوائي في "اللاذقية"، فقد تم التعامل مع عدة أطفال، وبعض الحالات، مثل: (التسرب الدراسي، والعنف، وتدني مستوى التحصيل الدراسي)، وتم اكتشاف مشكلات أسرية من خلال مشكلات الأطفال، مثل: (التفكك الأسري، والطلاق)، ومن هنا بدأت في عام 2002 توظيف النظريات التربوية في الميدان الاجتماعي التربوي على مستوى الأسرة والمدرسة والمجتمع المحلي، فقد كان للأحياء العشوائية ومعاناتها دور في اختيار عنوان رسالة الماجستير التي قدّمتها، وهو: (العوامل الاجتماعية لتدني التحصيل الدراسي في مادتي الرياضيات واللغة العربية في مدينة "اللاذقية")، وأقوم في عملي بنقل المعارف من الجوّ الأكاديمي وتطبيقه كأمّ وأختٍ وصديقة، وبالمقابل نقل المهارات والخبرات بمجال الأمومة للعمل على أرض الواقع، فالواقع اختبار للأفكار».

نشاط آخر

عملت الدكتورة "فتاة صقر" في عام 2014 مع جمعية "تنظيم الأسرة"، كمشرفة فريق الدعم النفسي الاجتماعي، وعن عملها وأهميته في ظل الأزمة الراهنة، تقول: «فنيات الإرشاد النفسي والاجتماعي قبل وبعد الأزمة لم تتغير، ولكن بعد الأزمة تم توظيفها على شرائح أوسع شملت النساء والأطفال والرجال الذين فقدوا أعمالهم أو المكان الجغرافي المتعلق بهم، وأصبح التوجه إلى الإرشاد أو الدعم أمراً طبيعياً، فقد أخذ دعم النساء المعنفات دوراً بارزاً في عملي ضمن الجمعية ومع الفريق، فهذه الظاهرة لها جذر اجتماعي قوي في مجتمعاتنا التي تدعمها العادات والتقاليد الاجتماعية والأعراف، لقد توسعت هذه الظاهرة بعد الأزمة، وأصبحت المرأة تحمل المعاناة الأساسية، فكان لابدّ من الإرشاد والدعم النفسي والمادي أحياناً لكي يستمر المجتمع بأفراده، وبالنسبة إلى الأطفال نقوم بدعمهم بالوسائل كافة، وبالتشبيك بين مركز عمل الجمعية أو المدرسة والروضة أو أسر منفردة، ومع بعض أسر المجتمع المضيف لتجاوز أزماتهم من خلال الاعتماد على الرصيد الاجتماعي المتوفر ضمن محيطي، حيث حقّقنا نتائج إيجابية وفاعلة في ذلك».

المدرّس "علي سلامة" يتحدث عن نجاحها ويقول: «امرأة طموحة ومكافحة في العلم والعمل تعطي الوقت لأسرتها وعملها، وكانت من الطلاب الأوائل، ففضلت أن تمنح الأمومة الرعاية والاهتمام مؤجلة الدراسة بعد تخرّجها، وتسدي النصيحة لصديقاتها وخاصة فيما يتعلق بتربية أبنائهن، وترشدهن إلى كيفية التعامل معهم، وهي صادقة بعملها ومثابرة، وهو ما منحها ثقتهم ومحبتهم، وجعل مسؤوليتها أكبر أمام أسرتها ومحيطها».

مع العائلة

والد الطفلة "ليمار سليم" من ريف "اللاذقية" الشمالي، يتحدث عن دور الدكتورة "فتاة" الفاعل في حياته وحياة أسرته، يقول: «تعرّضت عائلتي للخطف والقتل والعنف، الذي أثر بطريقة سلبية في حياتهم، وحين عادت ابنتي "ليمار" بعد أن خطفت، كانت تعاني مشكلة نفسية شديدة، ولم أكن أعرف سبيلاً للتعامل معها، كانت تبكي وتحزن وتطالب برؤية أمها التي ماتت، ولكن بعد معرفتي بالدكتورة "فتاة" عن طريق المصادفة اختلف الأمر، حيث ركزت على نقاط القوة في أسرتي وذكاء ابنتي وقدرتها على التعلم، كما قامت بالتشبيك مع روضة وسجلتها مجاناً لمدة عام لتتفاعل مع الأطفال، وتشارك بنشاطات تفاعلية معهم، إضافة إلى زيارتها لنا في المنزل وتقديمها بعض المساعدة المادية والمعنوية، وتقديم الإرشادات لي ولزوجتي، وتكلل عملها بنجاح ابنتي وتفوقها، وأصبحت شخصيتها متكاملة ومتوازنة، ومنحتنا الأمان المجتمعي».

يذكر أن الدكتورة "فتاة صقر" من مواليد عام 1972، في قرية "عين شقاق" في "اللاذقية"، قامت بأبحاث أكاديمية عدة، وأنشأت مركزاً تخصصياً في الإرشاد النفسي الاجتماعي مع كوادر متخصصة، وتدرس في كلية التربية ضمن قسم الإرشاد النفسي، وتسلّمت رئيسة شعبة البرامج لمدة خمس سنوات بين عامي 2009 و2014.