تقاعدت "دعد العجي" مبكراً للاهتمام بالجرحى الذين أصيبوا في الأزمة السورية الراهنة؛ متمكنة عبر خمس سنوات من مساعدة وتوثيق أكثر من عشرة آلاف حالة؛ وهو ما منحها لقب "أم الجرحى".

رافقت مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 15 آذار 2016، "دعد العجي" إلى مستشفيات مدينة "اللاذقية"، وفي حديثها تقول: «عملي التطوعي في إسعاف الجرحى وتأمين مستلزماتهم انطلق مع بداية الأزمة في "سورية"، جمعني العمل الإنساني ورسالة المحبة بمجموعة أفراد "شباب إيثار" الذين أخذوا على عاتقهم تقديم المساعدة والعون بالسبل المتاحة والإمكانيات المتوافرة، كنا ننظم زيارات إلى منازل الجرحى في "اللاذقية" و"جبلة" وقراهما كافة، ونقدم لهم الدعم المعنوي والتهنئة بسلامتهم، لكن بعد ازدياد عدد الجرحى وازدياد الحاجة كثفنا عملنا ودعمنا إمكانياتنا ليصبح الدعم معنوياً ومادياً، وأدركنا أن الزيارة الواحدة للجريح لا تكفي، وضرورة وجودنا على الأرض شجعتني على العمل أكثر».

منذ عام 2013 وحتى الآن تعاملني كما تعامل الأم ابنها، عوضتني في غربتي عن عائلتي وتابعت علاجي في المستشفى والمنزل، واهتمت بزوجتي وأبنائي عند مجيئهم إلى "اللاذقية"، وقدمت لهم الطعام والثياب والفرش للمنزل، وهي تعامل الجرحى معاملة واحدة وتحبهم

تقاعدت "دعد" مبكراً من عملها في شركة المحركات الكهربائية؛ لتتفرغ لمتابعة الجرحى اليومية في المستشفيات، حيث تقول: «أصبح عملي على نطاق واسع، أتابع علاج الجرحى في المستشفى، وأستمر بمتابعتهم في المنزل، أقابلهم بابتسامة لا تفارق وجهي وكلمات تعطيهم الثقة والأمان، أقول لكل جريح: (أنا أمك، وأي شيء تحتاج إليه أخبرني لتأمينه لك)، أشعر بالغبطة حين ينادونني أمي؛ فعلاقتي معهم علاقة الأم بأبنائها، وهناك بعض الجرحى أشرف عليهم منذ خمس سنوات، فهم يجدون بمعاملتي حنان الأم الذي فقدوه، كما أقوم بتجهيز وجبات الطعام في منزلي وإحضارها إلى الجرحى في المستشفى وتأمين الملابس، إضافة إلى ذلك أعمل على تنظيف جراحهم وتضميدها، وأساعدهم في حل بعض أمورهم العالقة، حيث قمت بتعليم القراءة والكتابة للجريح "حيدر إبراهيم" من "اللاذقية"، وأحضر لهم بعض الكتب من مكتبتي لملء أوقاتهم بالقراءة، وأطلب منهم أن يكتبوا ملاحظاتهم.

مع عائلة جريح من الرقة

وجهزت ما يلزم وضمن الإمكانيات لخطبة الجريح "محمد حلاق" من "حلب"، وبالتنسيق مع المركز الثقافي في "اللاذقية" قمت بحضور عرض مسرحي برفقة 75 جريحاً لدعمهم وتعزيز ثقتهم، وقبل ذلك ومع بداية الأزمة دعمت بطرائق مختلفة، حيث دأبتُ على التبرع بالدم كل 3 أشهر، وقمت بتنظيم 12 حملة تبرع بالدم خلال سنوات عملي، وشاركت بحملة دعم الليرة السورية، ثم دعم الجرحى ومساعدتهم الصورة الأسمى للإنسانية؛ وهو العمل الذي استحوذ وقتي واهتمامي».

تعد نموذجاً للمرأة الناجحة في عملها الإنساني وفي مجتمعها ومنزلها، تضيف قائلة: «زوجي وأبنائي دعموني في زرع بذرة الخير في كل مكان، وكانوا سنداً لي، فأغلب وقتي خارج المنزل، ومع ذلك هم الداعم الأساسي لي، زرعت الخير والمحبة بتربيتهم فحصدتها في نجاحهم ودعمهم لي، كما أنهم يقدمون المساعدة الإنسانية بطرائقهم الخاصة بهم ضمن المجتمع الذي يتواجدون فيه».

مع مجموعة جرحى

"أحمد محمد الخضر" أحد الجرحى المتواجدين في مستشفى "اللاذقية"؛ وهو من مدينة "الرقة"، يقول عن "دعد": «منذ عام 2013 وحتى الآن تعاملني كما تعامل الأم ابنها، عوضتني في غربتي عن عائلتي وتابعت علاجي في المستشفى والمنزل، واهتمت بزوجتي وأبنائي عند مجيئهم إلى "اللاذقية"، وقدمت لهم الطعام والثياب والفرش للمنزل، وهي تعامل الجرحى معاملة واحدة وتحبهم».

الأسرة الصغيرة كانت بوابة داعمة لعملها الإنساني، يحدثنا عن ذلك زوجها "حسن كحيلة" قائلاً: «خلال الأزمة الراهنة يحتاج المجتمع السوري إلى كل يد تعمل وتقدم العطاء، وبحاجة كل صوت ينطق بالحق، فزوجتي "دعد" إحدى نساء "سورية"، حملت رسالة محبة ودأبت لإيصالها بصدق وأمانة، وأقوم بدوري بدعمها، والحمد لله عملها أخذ صدى في نفوس أولئك الجرحى الذين فقدوا الكثير، فوجب تقديم العون لهم، كما فعّلت دور المرأة في المجتمع وأثبتت أنها جديرة في المجالات كافة؛ وهو ما مثّل دافعاً لأبناء الوطن لينشروا ثقافة التطوع ويعملوا عملاً إيجابياً بروح إنسانية، هي الزوجة والصديقة والأم والمربية والجدة، وأشعر بالفخر حين أسمعهم ينادونها "أم الجرحى"، فتضحيتها وصبرها كانا السبب في نيلها هذا اللقب، تعمل "دعد" في مختلف أوقات اليوم؛ فلا غرابة أن تجدها في المستشفيات في أي وقت تمارس عملها بتفانٍ ونجاح وحب، ولعل هذا سر نجاحها وحب الآخرين لها؛ سواء أكانوا من الجرحى أم من الطواقم الطبية والتطوعية».

دعد العجي

يذكر أن "دعد العجي" من مواليد "اللاذقية" 1961، عملت رئيسة وحدة في الاتحاد النسائي، وقامت بنشاطات عديدة آنذاك، وهي متطوعة في جمعية "إيثار" الخيرية التي تدعم عملها الإنساني.