ارتبط اسم المهندسة "ميادة يوسف" بالإيثار لدى كل من عرفها، حيث نذرت نفسها ووقتها طوال السنوات الماضية لتتعرف إلى آلام الناس وتسعى لتلبية حاجاتهم المتزايدة يوماً بعد آخر.

المهندسة "ميادة" من مواليد 1968 في قرية "بيت نافلة" التابعة إلى مدينة "الدريكيش"، خريجة الهندسة الميكانيكية بجامعة "تشرين"، قالت في حديثها لمدونة وطن "eSyria"، بتاريخ 23 شباط 2016: «كان السبب المباشر لدخولي تجربة العمل الإنساني المساهمة في دعم أبناء الوطن، والسبب غير المباشر التعرف إلى أناس ذوي اهتمام مشترك لإنشاء عمل مميز، والسعي إلى الحفاظ على مجتمع متماسك نوعاً ما، في البداية عملت بمفردي، لكن العمل الفردي لا يفضي إلى النتائج المرجوة، فالعمل الإنساني يحتاج إلى الدعم والإيمان به، وقد كان زوجي المهندس "أحمد عبد الرحمن" خير داعم لي من الناحيتين المعنوية والمادية، كذلك أفراد اشتركت معهم في حب العمل والعطاء، فخلال تجربتي اكتشفت أن المجتمع يحتوي الكثير من الطاقات البشرية البناءة التي يمكن استثمارها لسد الثغرات في حياة الأسرة والمجتمع، بعد ذلك أصبح العدد يزداد ويكبر، فعملت ضمن فريق عمل تطوعي أطلقنا عليه اسم "إيثار"».

حين جئت قبل عامين مع عائلتي إلى "اللاذقية" لم نجلب شيئاً من حاجاتنا وأغراضنا، وتركنا منزلنا هناك كما هو، فقامت المهندسة "ميادة" وفريقها بمساعدتنا في فرش المنزل والتخفيف من الألم الذي حلّ بنا، وقدمت لنا خدمات طبية وفرصة المشاركة بالدورة المجانية لشغل الصوف وتسويق أعمالنا اليدوية، وما يزال عطاؤهم مستمراً، حيث قاموا مؤخراً بتأمين عمل لابنتي

تحول هذا العمل إلى جمعية كي يكون أكثر تنظيماً، حيث تم انتخابها من قبل أعضاء مجلس الإدارة رئيسة للمجلس، وتقول: «وضعت ترتيبي رئيسة للجمعية جانباً، وعملت مثل أي عضو في الفريق، انطلقنا بالعمل من غرفة صغيرة في حي "الحمام" (طريق بوقا)، ومع مطلع سنة 2011 وصلنا من هذا المكان إلى أغلب أحياء مدينة "اللاذقية" وريفها واستكشاف حاجات الناس المتضررين، اتخذنا سبيلنا على أرض الواقع لحل مشكلات الكثير من الناس وتخفيف آثار الأزمة عليهم، كما كان لوسائل التواصل الاجتماعي دور فعال في استقطاب المتطوعين والمتبرعين من داخل وخارج "سورية"، فقمنا بالتواصل مع مغتربين سوريين أرادوا مدّ يد العون لأبناء وطنهم، حيث تم إرسال أكثر من حاوية من "فرنسا" ومن "هولندا" من قبل "جمعية إيد بإيد من أجل سورية"، كل من يتعامل معنا يرى مصداقية عملنا ويمنحنا الثقة؛ وهذا ساعد في فتح آفاق العمل المشترك مع جهات عديدة، فنحن نعمل ونأمل».

المهندسة كندة متوج

المهندسة "ميادة" وفريقها خلية عمل مستمرة قامت بأعمال كثيرة ومتنوعة، وتضيف قائلة: «نحن فريق متعاون، ويد واحدة في كل مكان، ومع بدء الأزمة ارتكزت أولوياتنا على زيارة أهالي وذوي الشهداء والجرحى والمهجرين في "اللاذقية" و"جبلة" وريفيهما، وتقديم الدعم المعنوي والمادي ضمن إمكانياتنا، وعملنا على تقديم خدمات مجانية لقطاع واسع من الناس، وأبرز تلك الخدمات أدوية واحتياجات طبية ومواد غذائية، وقمنا بدورات مجانية كتعليم النساء الأعمال اليدوية مثل الخياطة والصوف والحياكة ومساعدتهم في بيع أشغالهم اليدوية في المعارض التي نشارك بها، وتأمين فرص عمل لهنّ داخل المنزل، ومن أعمالنا أيضاً جلسات العلاج الفيزيائي المجانية التي كان يقوم بها المعالج الفيزيائي "نضال الطويل"، وحملات التبرع بالدم، وحملات التشجير للمناطق التي نالت منها يد الخراب».

تهتم المهندسة "ميادة" بالعلم والتعليم، وهي التي تنتمي إلى أسرة مؤلفة من المدرسين والمهندسين والأطباء، وعن ذلك تتحدث قائلة: «التعليم من المشاريع التي نالت اهتمامنا ودعمنا، خاصة مع وجود طلاب هجّروا من محافظاتهم وقراهم ففقدوا مدارسهم وتوقفوا عن الذهاب إليها، فكان ضرورياً إعادة تأهيلهم وإعادتهم إلى صفوفهم ومساعدتهم على تجاوز المعوقات التي واجهتهم، وبالتالي منحهم أهم حق من حقوق طفولتهم.

من النشاطات الخيرية.

قمنا في سنة 2012 بإنشاء معهد تعليمي مجاني للطلاب من المهجرين وأبناء الشهداء والجرحى يدرّس فيه مدرسون مختصون متطوعون يعطون دروس تقوية في جميع المواد وفق المناهج الدراسية، حيث بلغ عدد المدرّسين 14مدرّساً وعدد الطلاب يقارب 40 طالباً، ولا نكتفي بذلك، بل نقوم بنشاطات رديفة للتعليم، مثل دورات الدعم النفسي للأطفال المتضررين من الأزمة، ونشاطات ترفيهية؛ وهو ما يعزز وينمي الذات والمجتمع ويعدّ فرداً قادراً على تجاوز الصعوبات، كما نعمل مع بداية كل عام دراسي على تأمين القرطاسية لهم وتكريم الطلاب المتفوقين».

تتقن اللغتين الإنكليزية والألمانية إلى جانب العربية، وتعمل نحو 16 ساعة يومياً، المهندسة "كندة متوج" رفيقتها في العمل منذ سنوات تقول: «اختارت العمل الإنساني وآمنت به، وهذا دليل استمرارها، تعرف كيف تحقق هدفها، وإحساسها العالي بالناس واحتياجاتهم كان يولد الإحساس بالمسؤولية للعمل وتحقيق النتائج الجيدة على أرض الواقع، كما تتسم منهجية عملها بالعطاء والجدية والمحبة والاحترام، معرفتي بها كانت بداية الأزمة؛ حيث جمعنا حب الوطن والرغبة في مساعدة الناس، تأثرت بها وبطريقة عملها ومررنا بظروف صعبة، إلا أن الإصرار على العمل والإيمان به ذلل كل الصعوبات، ويكفينا أن نرى ملامح الفرح على وجوه أبناء وطننا الذين نقدم لهم المساعدة».

من صف التدريس المجاني

ربة المنزل "هناء رزق" القادمة من مدينة "حارم" بريف "إدلب"، تحدثت عنها قائلة: «حين جئت قبل عامين مع عائلتي إلى "اللاذقية" لم نجلب شيئاً من حاجاتنا وأغراضنا، وتركنا منزلنا هناك كما هو، فقامت المهندسة "ميادة" وفريقها بمساعدتنا في فرش المنزل والتخفيف من الألم الذي حلّ بنا، وقدمت لنا خدمات طبية وفرصة المشاركة بالدورة المجانية لشغل الصوف وتسويق أعمالنا اليدوية، وما يزال عطاؤهم مستمراً، حيث قاموا مؤخراً بتأمين عمل لابنتي».

يذكر أنها استطاعت أن تعمل وتلتزم في عملها؛ مهندسة في مؤسسة المياه إلى جانب عملها الإنساني من دون ممارسة عمل على حساب آخر.