عمل في عدة قطاعات إبداعية حقق فيها حضوراً مميزاً، من الشعر إلى الموسيقا فالقصة والسيناريو، تميز بأسلوب ساخر، توجَّه بنيل جائزة "الشارقة" للإبداع الأدبي عام 2003 في أول مشاركة له في المسابقات العربية.

القاص والكاتب والموسيقي "عاطف صقر" ابن نجم الغناء الشعبي "إبراهيم صقر"، من مواليد "دمشق" "قطنا" عام 1965؛ لعائلة من مزرعة "شير النحل" ـ قرية "حمام القراحلة" التابعة لمنطقة "جبلة"، بدأ مسيرته الإبداعية بتسجيل أغنية من كلماته وألحانه هي "بعدت عني البدّي ياها" في إذاعة "دمشق"؛ وكان حينها في الخامسة عشرة من عمره، كما يقول في حديث مع مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 15 كانون الثاني 2015.

التلفزيون يقدم معرفة ولكنه لا يخلو من الهوى؛ لأن لأي تلفزيون أجندته التي يعمل عليها

نشأ الشاب في بيئة عمادها الفن والموسيقا، فقد تعلم عزف العود صغيراً، وعلمه والده الموسيقا سماعاً، ليشاركه وهو يافعٌ تأليف وتلحين لأغانٍ انتشرت في الأوساط الشعبية تلك الأوقات، يضيف في حديثه: «لدي اليوم حصيلة كبيرة من الأغاني التي لحنت منها ما تم غناؤه وإذاعته، ومنها ما لم يذع بعد، وكان زادي الموسيقي والشعري الأول من جو البيت الذي له الفضل الأكبر في حبي وعشقي للموسيقا، بقي والدي لليوم يتعامل معي تعامل الصديق والمسؤول معه عما نقدم للجمهور، قدمنا حفلات جماهيرية كثيرة في القرى حين لم تكن هناك قنوات تلفزيونية ولا إذاعات ولا تقنيات، تواصلنا المباشر مع الناس ترك لدي ذخيرة سماعية وإنسانية كبيرة ساعدتني في الكتابة والتلحين لاحقاً».

غلاف كتاب الترقية

مع إبداعه الموسيقي هذا، ظهر لديه هاجس كتابة الشعر والقصة القصيرة والمقالة كما كتب للسينما والتلفزيون والإذاعة، في تفسير ذلك يقول: «لم أتقصد أن أصبح كاتباً محترفاً، منذ بدأت الموسيقا نمت لدي ملكة الكتابة، وتذوق وملكة إدراك الوزن الشعري، فبت أعرف الإيقاع الشعري مبكراً، وبت أقطع البيت الشعري بسهولة فائقة في الوقت الذي كانت فيه هذه المهمة عسيرة على زملائي، وبدأت أنظم الشعر، وأحياناً ألحن هذه القصائد، وفي وقت متأخر اتجهت للسرد القصصي، فكتبت القصة القصيرة وشاركت في جائزة "الشارقة" للإبداع العربي في دورتها السابعة؛ لأفوز بالمرتبة الثانية عن مجموعتي القصصية "الترقية" عام 2003، وأصدرت بعدها مجموعتين قصصيتين: "الحاجز الأخير"، و"مسلوس باشا"».

تميز نمط السخرية الذي كتب به القاص "صقر" كثيراً، ونال اهتمام الناس، وتجلى ذلك في متابعتهم للزاوية الأسبوعية التي سطرها على امتداد سنوات في جريدة "الوحدة" المحلية، متناولاً فيها مختلف القضايا بلغة ناقدة ساخرة متمكنة من المفردة والمعنى في آن، يقول عن تلك الزاوية: «بدأت الفكرة بيني وبين الصديق الأديب الفنان الراحل "سهيل خليل"، وكان قد أسس صفحة ساخرة بعنوان "الخنفشار"، وبحسه الصحفي أراد إيجاد نوع من الاختلاف في اللغة التي تتعامل بها صحافتنا مع مختلف القضايا الاجتماعية والحياتية، بتقديم مقالات ساخرة ناقدة عميقة من وحي القضايا المعاشية والإنسانية واليومية مع تحميل النص عدة مستويات فكرية وفنية وثقافية، ثم تحول الأمر لكتابة زاوية أسبوعية ثابتة على مدى سنوات».

الحاجز الأخير

لم يقرأ القاص "صقر" الآداب الساخرة حتى وقت متأخر، والكتابة بهذا النوع كما يقول: «من الصعوبة بمكان، فأية كلمة لها حضورها النافذ والمهم، وفي الكتابة أحترم القارئ دون أن أجامله، وأنا مؤمن أنه في السرد يجب تجنب الحشو والحمولات الزائدة، فسياق النص عليه أن يمشي إلى هدفه بقوة وباتجاه خلق حالة مع القارئ تجعل المادة تحقق الغاية المطلوبة».

ومن أبرز مواده: "أولاد الجارية، شارع الغرام، العاشق القديم، القشة التي قصمت ظهر البعير، بلكي أجا حدا"، وغيرها الكثير، ولاقت هذه المقالات انتشاراً جماهيرياً كبيرا لدرجة أن بعضها قُصّ من الجريدة وعلقت في كثير من الأماكن العامة.

مسلوس باشا

أثبت ذلك للكاتب أن هناك من يقرأ، وأن للكتابة جمهورها، يضيف في حديثه: «رغم اتساع التقنيات وانتشار التلفزيون الكثيف إلا أن المادة المكتوبة ما زال لها جمهورها، ما زال هناك من يقرأ المصادفات التي تشي بذلك تعطيك الدعم وتحفزك على الاستمرار في الكتابة، وعدم فقدان الأمل والتواصل مع الناس سواء كان ذلك في الوسائل المرئية أو المسموعة أو في الكتابة».

من الكتابة الساخرة ورقياً إلى الكتابة في التلفزيون، تابع القاص "صقر" رحلته فكتب سيناريوهات مسلسلات وأفلام منها الكوميدي ومنها التاريخي وبرامج تلفزيونية وثائقية حملت هم التاريخ، وإعادة تقديمه بطريقة حيادية تقوم على "رواية الحادثة كما هي أملاً أن يقوم الجمهور بتحليلها"، ولكن هل يخلق التلفزيون ثقافة؟ أجاب: «التلفزيون يقدم معرفة ولكنه لا يخلو من الهوى؛ لأن لأي تلفزيون أجندته التي يعمل عليها».

كتب عدداً من الأفلام الوثائقية منها فيلم حمل اسم (أدونيس) عن الشاعر السوري الكبير، وعدداً من البرامج للتلفزيون، منها "معارك غيرت وجه التاريخ"، أما برنامجه المهم الذي أعاد ربطه بالموسيقا، فهو برنامجه الإذاعي "سحر الغنية" على إذاعة "صوت الشعب FM"، مع الإعلامية "لبابة يونس"، وهو برنامج كما يقول: «يتناول أغاني رسخت في الذاكرة السمعية لأجيال من الناس ولمطربين عرب راحلين وأحياء، تحتوي (نقدياً على إضافات إبداعية) نقوم في البرنامج بتحليل كلمات ولحن الأغنية، المؤلف والظروف والأمكنة التي غنيت فيها، الانتشار الذي حققته، والتعريف بمبدعيها الأصليين وإنصافهم وخصوصاً شاعر الأغنية وملحنها، ومن ثم نقد موسيقي حديث ومبتكر لم يسبق أن قيل عن هذه الأعمال، بما يحقق ثقافة موسيقية حقيقية للمستمعين ويعيد التذكير بهذه القامات الكبيرة».

نجح البرنامج باستقطاب الناس بشهادة موسيقيين ومغنين، تقول الإعلامية "يونس" التي شاركته بالعمل: «قدم البرنامج جرعة ثقافية موسيقية بطريقة جديدة تعتمد تفكيك الأغنية للوصول بها إلى المستمع كمادة ثقافية حقيقية، منذ الحلقة الأولى وحتى إعادته اليوم على أثير إذاعة "أمواج" زاد عدد متابعيه كثيراً، "عاطف" قدم عصارة موسيقية نقية للمستمع الشغوف حقاً بالموسيقا».

يستعد "صقر" لطباعة مجموعته الشعرية الأولى قريباً، ويجمع فيها بين العامية والفصحى، وضمن هذا التنوع الجميل يبقى محافظاً على أصالة الكلمة وحضورها الشجي وحرفيتها. يقول في إحدى قصائده العامية:

"رحْ أنطرْ العصفورْ عالشَّجْرَهْ

وطَيِّرْ ألفْ عَصْفورْ من إيدي

يا حبْ بلكي الجَنى بُكرَه

يا فرحةْ الفرحاتْ يا بعيدي

يا طفلتي الي بعيدْها عَيَّدْتْ

يا هلْ تَرى بتعيِّدي بعيدي؟".