"سليمان محرز" مثقّف مثابرٌ، دخلَ معتركَ الثقافة باكراً، فكتب المقالات والقصائد، واشتغلَ كمراسلٍ صحفيّ، وأسّس النّادي الثّقافيّ في قريته "القطيلبيّة"، ليستقطبَ كبار المبدعين، مساهماً بذلك في رفدِ الواقع الثقافيّ وتنميته.

مدوّنة وطن "eSyria" التقته في مكتبته في قرية "القطيلبيّة" بتاريخ 9 تمّوز 2014، حيث تحدّث عن بداية حبّه للّغة العربيّة والقراءة بالقول: «لم يوجدْ في المرحلة الابتدائيّة من يشجّعنا كتلاميذ على حبّ القراءة، ولكن في المرحلة الإعداديّة لعبَ الأستاذ "أحمد معروف" الدّور الأساسيّ في لفت نظرنا كطلابٍ إلى أهميّة اللّغة العربيّة، حيث كان يتحدّث باللّغة الفصحى طوال شرحهِ للدّروس، وكان يدعم كلّ طالب بربعٍ ليرةٍ أو كتابٍ صغيرٍ، كمكافأةٍ لكلّ من يحاوره باللّغة الفصحى، حيث كانت هذه الحالة هي الحافز الأوّل لي».

بعد مغادرة العمل في الرّابطة، كان لا بدّ من التّفكير بمتابعة النّشاط الثّقافيّ كي لا يموت، فبحثت عن بديلٍ له، وبعد البحث اكتشفتُ أنّ البديل، هو العمل على تشكيل جمعيّة ثقافيّة، حصلت على ترخيصها باسم "جمعيّة القطيلبيّة الثّقافيّة"، والآن تحضّر هذه الجمعيّة لنشاطاتها الثّقافيّة

وتابع: «في العام 1975 بدأ اهتمامي بشكلٍ واضحٍ بالثّقافة، حيث اشتريتُ المجلّات والجرائد، مثل "هنا دمشق"، وجريدة "الثّورة" بشكلٍ أساسيّ، وبدأتُ استعارة الكتب، وأحياناً أشتري بعضَها، وكانت أولى الكتب المشتراة كتب "نزار قباني"، و"جبران خليل جبران"، ومتفرّقات فكريّة وفلسفيّة، وقد لعبتْ سينما "الفردوس" في مدينتي "جبلة" دوراً مهمّاً في تنمية هذا الوعي المبكّر. وبعد نجاحي بـ"البكالوريا" درستُ الجغرافية في جامعة "دمشق"، وكان لدراستي الجامعيّة الدّورُ الأكبرُ في تحفيز الذّائقة الأدبيّة، حيث كانت "دمشق" المرتع الخصب لنموّ الفكر، والانطلاق في مجالات الثقافة، فكانت مكتبة "ميسلون"، ومقهى "الهافانا" من أهم محطّاتي، حيث ألتقي الأصدقاء، ونتبادل الحوار والأفكار».

يقرأ في مكتبته

وتابع: «في المدينة الجامعيّة التقيت بعض الأدباء مثل "حسين عبد الكريم" الّذي كان يتابع دراسته، ويعمل في جريدة "الثورة". والصحفيّ "علي جديد" الذي شجّعني على الكتابةِ، ونشرِ بعض المقالات الأدبيّة. عملت في هذه الفترة كمراسل شعبيّ لجريدة "الثورة"، وجريدة "الوحدة"، ونشرت في أدب الشّباب في جريدة "البعث"، وكان للصّحفيّة الكاتبة "رواد إبراهيم" دورٌ أساسيّ في ذلك. ونشرت كذلك بعض القصائد في مجلّة "الهدف" في ثمانينيات القرن الماضي».

بعد حصوله على دبلوم التّأهيل التّربويّ، وإنهاء خدمة العلم، عاد إلى قريته ليهتمّ بمشروعه الثقافيّ أكثر، حيث قال: «بدأتُ من خلال رابطة الشّبيبة، حيث تسلمت أمين وحدة شبيبية من أجل تنشيط العمل الشّبيبي، والاهتمام بمواهب الشّباب. كانت الشّبيبة في أوج عطائها في تسعينيات القرن الماضي، فأنشأت منتدىً ثقافيّاً. كانت البداية بالتعاون مع الكوادر الثقافيّة ضمن القرية، وتمّ خلال هذه الفترة استقبالُ العديد من المبدعين، فاستقبلنا الرّوائيّة "أنيسة عبّود" في العام 1992، والمحامي "نجاة قصّاب حسن"، والشّاعر "ممدوح عدوان" في العام 1994، والصّحفيّ الكاتب "حسن م. يوسف" حيث استقبلناه أكثر من مرّة. وكذلك الأستاذ "فايز فوق العادة" رئيس الجمعيّة الكونيّة السّوريّة الذي ساهم في دعم النّادي من خلال المحاضرات المتتابعة التي ألقاها، والدّكتور "حيّان سلمان" بمحاضراته السّياسيّة، والاقتصاديّة. والرّوائيّ "حيدر حيدر" الذي ألقى محاضراتٍ عن الأدب، وعن تجربته الشّخصيّة الأدبيّة. وكذلك استقبلنا الشّعراء: "عمر الفرّا، وخالد أبو خالد، ومالك الرّفاعي، ومناة الخيّر، ومحمّد كامل حسن"، واستقبلنا الكثيرين من الأدباء الشّباب من أبناء المحافظة. خلال فترة وجودي في الرّابطة، تحوّلتْ إلى ورشة عملٍ ساهمت في إحياء وتفعيل الهمّ الثقافيّ، وكان هناك تعاون بين النّادي الثقافيّ، واتّحاد الكتّاب العرب حيث ساهم في رفد النّادي بالمحاضرين والشّعراء، وإقامة المهرجانات الأدبيّة، ومعارض الكتاب، والعروض السّينمائيّة والمسرحيّة. وكانت الرّابطة تضمّ في كوادرها فرقة مسرحيّة، وفرقة للرّقص الشّعبيّ».

من الأرشيف مع الرّوائي "حيدر حيدر"

وعن مشروعه الحاليّ، ختم حديثه بالقول: «بعد مغادرة العمل في الرّابطة، كان لا بدّ من التّفكير بمتابعة النّشاط الثّقافيّ كي لا يموت، فبحثت عن بديلٍ له، وبعد البحث اكتشفتُ أنّ البديل، هو العمل على تشكيل جمعيّة ثقافيّة، حصلت على ترخيصها باسم "جمعيّة القطيلبيّة الثّقافيّة"، والآن تحضّر هذه الجمعيّة لنشاطاتها الثّقافيّة».

الموظّف في مديريّة التربية "شفيق عبّاس" قال: «درست معه المرحلة الإعداديّة، ولاحظت اهتمامه الثّقافيّ بدءاً من جريدة "الحائط المدرسيّة"، وبعدها كتاباته في الصّحف والمجلّات. عرفته خلوقاً متواضعاً، محباً لمن حوله ويأخذ بيد كل مهتم إلى الطريق الصحيح، ولا تزال الثّقافة شغله الشّاغل، يساهم كأبرز أفراد قريتنا في تنشيط العمل الثّقافيّ والتّربويّ».

أمام مكتبته مع أحد أبناء قريته

الشّاعر "علي عاصي" تحدّث بالقول: «في جغرافيةٍ ساكنة، كالتي نعيش فيها، قلّما تظهر نماذجُ خارجة على جمال السّكون، ولكن هناك كينونات قليلة، ترفض الموت الجميل، وتعيش على طريقتها بعيداً بعيداً؛ يمكن أن نقول ذلك في "سليمان محرز" الذي يعمل في فضاء كهذا، بكل إنسانية ومحبة، وهو محبوب من جميع من حوله، يقدم المساعدة للآخرين بكل تفانٍ، ولو كانت الضّريبة غالية. أعرفه منذ زمنٍ بعيدٍ، حيث ابتعدَ عن المبصرين، واختار الحياة إلى جانب أصحاب البصائر. اختار التمرّد، فدفع الضّريبة على المذبح الذي يحبّ. حياته، وحياة أمثاله، أكثرُ فعاليّةً من الكتابة؛ فليست الكتابة هي السّبيل الوحيد للعطاء. لم ألتق به منذ فترةٍ طويلة. ترى، هل ما قلته لا يزال صالحاً ليُقال عنه؟».

يذكر أنّ المثقّف "سليمان محرز" من مواليد "القطيلبية"، في ريف "جبلة"، عام 1960.