صيّاد سمكٍ، معروفٌ بين الصّيادين بلقب "شيخ الصّيّادين"، حيث استفاد معظمهم من خبراته.. وأفاد الجميع بتعاونٍ ومحبة، إنه "غسّان أحمد" المولع بالبحر منذ تفتحه على الدنيا.

مدوّنة وطن "eSyria" التقته في منزله بقرية "الأشرفية" الواقعة في ريف "جبلة"، بتاريخ 6 حزيران 2014، للحديث عن تجربته في الصّيد، وذكرياته مع البحر، حيث ابتدأ حديثه بالقول: «بدأتْ علاقتي مع البحر منذ سنّ العاشرة تقريباً، حيث كنتُ أذهب مع زملائي في الصفّ الرّابع، والخامس، على شكلِ مجموعاتٍ إلى البحر، بحكم قربه من قريتنا "الأشرفية"، وكنّا نسبح قليلاً، ونراقب الصّيّادين على الشّاطئ، ومع الوقت تحوّلتْ هذه المراقبة من متعةٍ إلى رغبة، وبالفعل بدأتُ أولى محاولاتي في الصّيد في هذا السّنّ المبكّر، حيث قطعتُ قصبةً متوسّطة الطّول من أرضنا، وقشرتُها لتكون صالحةً ومناسبةً للصّيد، ولكنّها مع ذلك كانت سيّئة».

من أجمل ما حدث لي في شبابي، هو لقائي بالرّوائيّ الكبير "حنّا مينة" في مقهى "البستان" الذي كان يرتاده، حيثُ كنت أشعر بأنّ البحر حاضرٌ في كلّ ما يكتبه، فمعظم رواياته التي قرأتها كانت تحرّضني على الصّيد، وركوب الخطر

وعن دخوله عالم الصّيد كمحترفٍ، وكوسيلةٍ للعيش تحدّث قائلاً: «بعد حصولي على شهادة "البكالوريا" درستُ الفلسفة، وتزوّجت وأنا في السّنة الثالثة، فازدادت مطالبُ الحياة، ومسؤوليّاتي تجاه أسرتي الجديدة، ولم تكن وقتها وظيفتي في بلديّة "اللاذقيّة"، كافيةً للعيش، فغادرتُ الوظيفة، واتّجهت إلى البحر».

يحضّر لفافة تبغه في جلسة عفوية

وتابع: «اصطدتُ الأسماكَ بكلّ وسائل الصّيد بدءاً من "القصبة، بارودة الصّيد، والأقفاص"، إلى أن اشتريت قاربَ صيدٍ "فلوكا"، وأنا بعمر 26 سنةً، بالاشتراك مع "جابر مسلّم"، أحد صيّاديّ قريتي، ليبدأ الصّيد بواسطة "الشّرَك"، وهي عبارةٌ عن خيطِ نايلون مزوّد بالسّنارات، يمتاز بالمرونة، والقوّة، وبسماكاتٍ معيّنة، حسب السّمك الذي أرغب في صيده، وكنت أنزل مساءً، وأمدّ "الشّرك" في البحر، بعمقٍ يحدّده نوع السّمك المطلوب، فكلّ طبيعةٍ بحريّةٍ لها سمكها، فهناك مثلاً "اللّقس الرّمليّ" الموجود في الرّمل، و"اللّقس الصّخريّ" الموجود في الصّخر، كما أنني اصطدتُ "القجاج البلديّ، المنوّري، المرمور، الطريخون، الجراوي، الجربيدة، الفرّيدة"».

وتابع: «عندما نلتُ الإجازة في الفلسفة، لم أستطعْ التّدريس سوى 16 يوماً في إحدى مدارس "اللاذقية"، لأشعرَ بعدها بالانتماء الكامل إلى البحر، وللصّيد، فهذا عالمي الحرّ، ومعه شعرتُ بأنّني في علاقةٍ مباشرةٍ مع البحر، وأحلى ما فيه أنّ رزقه حلالٌ بشكلٍ كامل، ولكي لا يأخذني البحر بعيداً عن أسرتي، فقد أطلقتُ اسمَ ابنتي الكبرى "سوزان" على "الفلوكا"، لكي لا أنسى أنّني هنا من أجل أسرتي أيضاً، وليس من أجل المتعة والمغامرة».

على دراجته النارية لتجارة السمك

معظم الصّيّادين في ميناء "سوكاس" تعلّموا الصّيد وأحبّوه بسببه، وعن ذلك قال: «عندما دخلتُ مهنة الصّيد كانت معرفتي قليلةً به، ولكنّ إصراري على عدم الفشل، دفعني للمعرفة، فتعلّمت من الصّيّادين القدامى كلّ ما أحتاجه، ونقلتُ معارفي هذه لمن يرغب، حيث أحبّ أبناء قريتي الصّيدَ بطريقتي، وكان وسيلةَ عيشٍ مهمّ لهم، حيث كنتُ على علمٍ ودرايةٍ بأنواع الصّيد، وطرقه، ومناطقه، وامتدّت خبراتي لتشملَ صيّادي القرى المجاورة، ومن أبرزهم "هيثم القاضي" من قرية "الزّهيريّات"، وهو حاليّاً "ريّس" كبيرٌ، وهناك من مدينة "جبلة" الصّيّاد "أحمد شهوان". وبعد أن كان ميناء "سوكاس" لا يحتوي سوى قارب أو قاربين، فإنّه اليوم يحتوي أكثر من عشرين قارباً، ومعظم أصحابها يعترفون بدوري وتأثيري فيهم، حتّى إنّهم يطلقون عليّ لقبَ "شيخ البحر، وشيخ الصّيّادين"، وشهرتي تشمل السّاحل من "طرطوس" حتّى "البسّيط"، وهم يعرفونني باسم "أبي علي سوكاس" على صعيد السّوق، والتّواصل الاجتماعيّ».

وعن معاناته مع الصّيد قال: «غرق قارب صيدي الأوّل في عام 1978 على الشّاطئ، فاضطررتُ لسحبه، وبيعه، كخشبٍ للحرق في الأفران بمبلغ 500 ليرةً، ولكنّي اشتريت قاربَ صيدٍ كبيراً "لانش"، وتابعت حياة الصّيد. وأكثر من مرّة واجهت أنواءَ البحر، وعرفتُ أنّ الإنسان ضعيفٌ أمام تحدّيات الطّبيعة، وانتهت حياتي البحريّة في عام 2000 بعد إصابتي بآلامٍ في الظّهر ناجمة عن صعوباتِ وتعب الصّيد، ولكنّ هذا الألم الذي منعني من متابعة الصّيد، لم يمنعني من تجارة السّمك، حيث إنّني أشتري من الصّيّادين على ساحل "سوكاس" معظم ما يصطادونه، وكذلك من سوق السّمك في مدينة "جبلة"، وأتجوّل على دراجتي النّاريّة باحثاً عن الرّزق، وتأمين طلبات النّاس من السّمك».

قاربا صيد راسيان في ميناء "سوكاس"

وختم حديثه بالقول: «من أجمل ما حدث لي في شبابي، هو لقائي بالرّوائيّ الكبير "حنّا مينة" في مقهى "البستان" الذي كان يرتاده، حيثُ كنت أشعر بأنّ البحر حاضرٌ في كلّ ما يكتبه، فمعظم رواياته التي قرأتها كانت تحرّضني على الصّيد، وركوب الخطر».

الصّيّاد "منير نعمان" قال: «هو من الأوائل الذين رسا قارب صيدهم في ميناء "سوكاس"، وكنّا نذهب لنراقبه حين ينطلق للصّيد، وننتظره حتّى يعود. ومن المشاهد التي لا أنساها، والّتي شجّعتني على الصّيد، هي رؤيتي لسمكة "بلاميدا" محمّلة على درّاجته النّاريّة، فقد كانت أطول من الدرّاجة».

ابنته مدرّسة الفنون "ليال أحمد" تحدّثت عنه بالقول: «كأيّ أبٍ سعى لتأمين لقمة العيش لنا، ومع أن مهنته التي اختارها صعبةً، إلا أنه كان يعشق البحرَ لدرجةٍ ترك معها وظيفته، فكان البحر عوناً له في تربيتنا نحن الخمسة؛ إخوتي وأنا. كان يقضي ليله في الصّيد، حيث تتلاطم أمواجُ البحر ومركبه الصّغير، داعياً مع كلّ موجةٍ أن تأتي إليه بالسّمك. وكلّما وقفتُ أمام البحر تحضرني صورة وجهه المشرق بابتسامة الأبوة، عندما كان يأتي صباحاً وهو واضعٌ يديه بالماء السّاخن، ليقدر على تحريكهما. كان البحر بالنسبة له، كالوالد الذي يقف سنداً إلى جانب ولده. وأقول له: أبي ضحكتك هذه رغم التّعب، هي من أجبرتِ الشّمس أن تشرقَ في حياتنا، لترسم بها مستقبلنا، بفضلكما أنت والبحر أصبحنا أسرةً نموذجيّة، نال أفرادها جميعهم الإجازات الجامعيّة، وعاشوا بكرامة».

يُذكر أنّ، الصياد "غسان أحمد" من مواليد "الأشرفيّة" 1956، حاصل على إجازة في الفلسفة، ولديه اهتمامات أدبيّة.