لم تتخيل الصبية الصغيرة "راما" ذات الخمسة عشر عاماً أن هناك من سيقوم بتبديل نظارتها الطبية المكسورة منذ أشهر في وقت قصير؛ ومن دون أن تدفع هي أو عائلتها أي مبلغ من المال.

تسكن "راما" مع عائلتها في سكن الشباب غير المكتمل في "اللاذقية"، وهي من الطلاب المجتهدين في المدرسة، حينما التقيناها لم تطلب منا أن نصلح لها نظارتها فقد كانت خجولة جداً، إلا أن فريق "دفانا محبتنا" الذي تشارك معه "مدونة وطن" بادر من تلقاء نفسه لتقديم نظارة جديدة للصبية الصغيرة، ومن جهتها لم تجد "راما" أبلغ من الدمع لتشكر جهود المشاركين في الحملة.

إن ما فعلناه أقل من واجبنا تجاه الوطن وأهلنا وناسنا في كل بقعة داخل وخارج الوطن

هذه الأفكار قادت وفي أقل من شهر ستة آلاف متطوع داخل وخارج "سورية" إلى العمل معاً لتدفئة وخدمة آلاف السوريين المهجرين بتقدمات بدأت بالابتسامة وانتهت بالمازوت، مروراً بكل أنواع المساعدات الممكنة من ثياب وكساء وأدوية وأطراف صناعية وأشياء أخرى كثيرة، برهنت كلها على أن السوريين ليسوا فقط أصحاب تاريخ حضاري، بل وحاضر يتكاتفون معاً للتخلص من تبعاته، تلك هي حملة "دفانا محبتنا".

في حلب

بدأت الفكرة كما يقول السيد "ناجي درويش" مدير "مؤسسة ندى للثقافة والفن" وأحد منسقي المبادرة في حديث مع مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 2 شباط 2015، قبل العاصفة الأخيرة التي ضربت البلاد: «بدأنا بمشروع صغير حمل عنوان "علّمه الصيد" بغاية تعليم المحتاجين أي عمل يدر عليهم ربحاً بسيطاً بدل انتظارهم للسلة الغذائية أو المعونات من أي طرف كان، واتفقنا مع عدد من السيدات لإنتاج قطع من الصوف (كفوف، كنزات، شالات.. إلخ)، على أن نقيم للمنتجات مزاداً علنياً يحضره عدد من رجال الأعمال والمغتربين السوريين يذهب ريعه إلى هؤلاء السيدات والإنتاج إلى المحتاجين من الأطفال».

مع بدء العاصفة "زينة" كان لزاماً الإسراع بالعمل، يتابع "درويش": «فطلبنا من السيدات توزيع القطع مباشرة دون انتظار المزاد، وافقت السيدات، وفوق ذلك قامت كل منهن بإضافة ما تستطيع من ملابس شتوية إلى القطع الخمسمئة اللواتي أنتجنها، ونشرت الخبر على صفحتي وعلى صفحة عامة تحت شعار "دفانا محبتنا".

في دمشق

أيام قليلة وانتشر الخبر كالنار في هشيم صفحات التواصل الاجتماعي، مئات الأصدقاء سمعوا النداء وبدأوا التنسيق مع بعضهم بعضاً ومع الجمعيات الأهلية، والبحث عمن يحتاج إلى مساعدة في الكساء أو المأوى أو التدفئة، وكانت الحصيلة في أقل من أسبوع انضمام أكثر من ألف شخص للحملة داخل وخارج "سورية" وخاصة في "لبنان" حيث تجمعات النازحين الأكبر والوضع الأسوأ في ظل سقوط كثيف للثلوج في مناطق المخيمات».

وصلت المساعدات إلى أكثر من عشرين ألف إنسان في وقت لا يتجاوز نصف الشهر، في كل أنحاء "سورية" وخارجها، يقول السيد "عصام حبال" رئيس مجموعة "بادر" أحد المساهمين في المبادرة: «إن التحدي الذي أطلقناه -وهو تحدٍ يشابه تحدي دلو الثلج الذي نفذ في إطار حملة عالمية للتوعية بمرض التصلب اللويحي- بقدر ما هو بسيط بقدر ما هو مثمر ويقدر على تنفيذه أي إنسان، كانت فكرة التحدي قائمة على اختيار قطعة من الملابس وتقديمها لمن يحتاجها عن طيب خاطر وتتحدى عشرة من أصدقائك أن يردوا عليك بالمثل».

عصام في بازار الشام

وقد افتتح "حبال" التحدي عبر فيديو مصور قدمه على صفحة الحملة، لم تمض ساعات حتى بادر ناشطون وإعلاميون وسياسيون للتحدي ونقلوه إلى أصدقائهم، وكان آخرهم الفنان "دريد لحام" الذي تبرع بلباس "غوار الطوشة" مقابل مزاد بدأ بكسوة 300 طفل ليرتفع العدد إلى ألف خلال ساعات».

في "لبنان" قامت حملة متممة شملت مختلف المناطق اللبنانية، قادتها الآنسة "نسرين زريق" التي بدأت جولة في أنحاء المدن اللبنانية بحثاً عن سوريين يحتاجون إلى الدفء، وقد نجحت "نسرين" في إكساء ما لا يقل عن ألف طفل ومحتاج، تقول في حديث لها: «إن ما فعلناه أقل من واجبنا تجاه الوطن وأهلنا وناسنا في كل بقعة داخل وخارج الوطن».

عبر المدن السورية كافة توزع المتطوعون لخدمة أبناء بلدهم، في "دمشق" و"اللاذقية" و"طرطوس" و"حلب" و"ريف دمشق" وسط الثلج، ورغم قسوة الظروف واصل المتطوعون تنفيذ مهامهم من دون توقف، في "حمص" هناك تجربة مختلفة، في كل مكان هناك خلية نحل تعمل ليل نهار لإيصال الكساء والدواء إلى كل سوري محتاج.

أخيراً، شاركت "مدونة وطن" في الحملة في "اللاذقية" بتقديم قرطاسية متنوعة لعدد من الأطفال المهجرين من مدينة "حلب" في سكن الشباب غير المكتمل، ولمهجري ريف "اللاذقية" الشمالي أيضاً.