يقدّر بعض علماء اللغويات أن آخر استخدام للأوغاريتية رسمياً كان بحدود القرن الثاني بعد الميلاد، إلا أن الكثير من ألفاظها لم تمت، بل ولدت من جديد في لغة ورثها السوريون من أهل الساحل.

أحصى علماء اللغويات زهاء ألف مفردة في العربية جذرها الأساسي موجودٌ في الأوغاريتية، ولديهم في ذلك وثائق تثبت صحة مذهبهم، يتحدث الدكتور "جمال حيدر" مدير آثار "جبلة"، ومؤلف عدة كتب بالعربية والإنكليزية عن "أوغاريت" لمدونة وطن “eSyria” بتاريخ 20 تشرين الأول 2014، فيقول: «تشبه اللغة الأوغاريتية اللغة العربية إلى حد كبير، ليس لجهة المفردات فقط، بل من خلال طريقة صياغة الجمل والتعابير، وتطابق قواعدها بوجه عام قواعد العربية في الصرف والنحو، وتشابهاً في اللفظ، ففي لغة أوغاريت ثلاثون رمزاً لكل منها ما يقابله في العربية، أما لجهة المفردات فقد تبين أنها تحتوي على ما يقارب ألف مفردة نراها نفسها في اللغة العربية، مثل نهر، أب، أخ، يد، حلم، حرب، بتول، أم.. إلخ».

تشبه اللغة الأوغاريتية اللغة العربية إلى حد كبير، ليس لجهة المفردات فقط، بل من خلال طريقة صياغة الجمل والتعابير، وتطابق قواعدها بوجه عام قواعد العربية في الصرف والنحو، وتشابهاً في اللفظ، ففي لغة أوغاريت ثلاثون رمزاً لكل منها ما يقابله في العربية، أما لجهة المفردات فقد تبين أنها تحتوي على ما يقارب ألف مفردة نراها نفسها في اللغة العربية، مثل نهر، أب، أخ، يد، حلم، حرب، بتول، أم.. إلخ

تعود نشأة اللغة الأوغاريتية إلى حقبة الألف الثانية بحدود 1500-1300 ق.م، وهي من أكمل الأبجديات القديمة، وقد كتبت بالحرف المسماري، وتتألف من ثلاثين حرفاً كتبت من اليسار إلى اليمين خلافاً للعربية اللاحقة، يقول العالم الإنكليزي "جون هيلي" من جامعة ويلز (بريطانيا) في بحثه "الأوغاريتية ودراسة اللغات السامية"، وقد قدمه في الندوة الدولية للدراسات الأوغاريتية (اللاذقية، 1979): "إن سكان اللاذقية في مجال الثقافة واللغة، هم ورثة الشعب الذي كان قاطناً في "أوغاريت"، فلا نستغرب أن تكون بعض المفردات، وكذلك أشكال من قواعد الصرف، قد بقيت من النصوص الأوغاريتية في اللهجة المحلية الدارجة، ولدينا من هذه الحالات "إسقاط حرف النون في اللغة الأوغاريتية واللهجة اللاذقانية، مثل "بت" عوضاً عن "بنت"، و"إتّ" عوضاً عن "أنتَ" أو "أنتِ"، والمثال الأبرز أيضاً هو استخدام كلمة "حطة" بدلاً من "حنطة" في بعض النصوص الأوغاريتية المكتوبة».

بعض الكلمات ومقابلاتها العربية

لدى البحث في بعض الكلمات اليومية التي بقيت قيد الاستعمال هنا، خاصة في النواحي القريبة من "أوغاريت" مثل: "دمسرخو"، و"بسنادا"، و"القنجرة" وجدنا عدداً من المفردات التي لم تمت وإن قلّ استعمالها، مثل "تلحوك" وتعني "لم يشبع من الأكل"؛ وهذه المفردة في الأوغاريتية موجودة بنفس الشكل، ومثل ذلك، التعجب المستخدم حتى اليوم في الجبل "أيليي!!" الذي يذكر بعبارة السيد المسيح عند صلبه فقد صرخ قائلاً: "إيلي، إيلي، لم شبقتني؟"؛ أي "إلهي إلهي لم تركتني؟" (متى -26-46)، و"إيل" هو كبير آلهة أوغاريت، ومن اسمه اشتق اسم "الله" و"يهوه" وغيرهما».

تذكر الدكتورة "سميرة الراهب" في بحثها "النون والميم في العربية والأوغاريتية، دراسة مقارنة" (مجلة جامعة "دمشق" عام 2010) عن هذه العلاقة المتقاربة بين العربية والأوغاريتية، فتقول: «تؤدي الميم في الأوغاريتية ما تؤديه النون في العربية لجهة التثنية والجمع والتبدلات الصوتية في أبنية الفعل والفاعل والأسماء والضمائر وغيرها؛ ونلاحظ إلى اليوم وجود بعض هذه الحالات في اللغة الدارجة العامية في الساحل وفي الجبل، فمثلاً يقول الناس في الترحيب ببعضهم: "كيفكِمْ" و"كيفكِنْ"، و"جينا عندكِنْ" و"عندكم"، و"أخباركِنْ وأخباركم"، هذا التبادل اللفظي - تقول الدكتورة الراهب في تفسيره: "إن العامة تقلب الميم إلى النون في صيغة الجمع، ومرده إلى أن الأصل المشترك للغتين واحد كما هو في كل اللغات المشرقية الأم التي تحدث فيها هذه الظاهرة"».

د.جمال حيدر

من الكلمات الأخرى التي تتضح في العامية أصولها الأوغاريتية، بعض الظروف الزمانية والمكانية، فمثلاً، تقول العامة "بعدين" و"قبلين"؛ وهذه من حالات إدغام النون وأصلها العربي الفصيح (بعد حين، قبل حين)، كذلك حذف الهمزة المتوسطة والمتطرفة في آخر الكلام، فالسماء يقابلها "السما"، ويقال في العامية هنا "ولا ابن السما"، و"ولا" اسم مستخدم كفعل أمر بمعنى انتبه، ومثلها الكلمة الأكثر استخداماً "عيّن" بمعنى انتبه وركّز أيضاً (مصادر متعددة).

في لهجة أهل اللاذقية "المدينة" أيضاً تأثيرات لغوية أوغاريتية، فمثلاً، ينقل الدكتور "عز الدين آل ياسين" في كتابه "علاقة الألفاظ بين الأوغاريتية والعربية" (بالإنكليزية) عن أهل "الصليبة"، والبحارة منهم خصوصاً، قولهم في شخص تعرض للضرب "ضربناهني" أو "ضربناهنه" بمعنى "ضربناه"، ومثلها "جيناهني" أي "جئناهن" و"جئناهم"، وتكاد تتطابق الأرقام لفظاً بين اللغتين، فمثلاً "واحد" هي بالأوغاريتية "أحد"، واثنان "ثن"، وثلاثة "ثلث" وأربعة "أربعه"، وخمسة "خمس"، وستة "ست" أو "ثت"، وعشرة "عشر".. إلخ.

بعض أدوات الكتابة المسمارية

إننا نحتاج اليوم إلى إقامة معهد لتدريس اللغة الأوغاريتية وآدابها أكثر من أي وقت مضى، فلهذه اللغة من الأهمية ما جعل أكثر من خمسين جامعة في العالم تدرسها وتدرس منتجها الحضاري، وأبعدُ مثال هو جامعة "طوكيو"، وإننا الأولى بهذا المنتج من غيرنا فنحن أهله وأصحابه وورثته الشرعيين».