محدث وفقيه ونحويٌ وفلكيٌّ، من جيل أسس لعلاقة منفتحة بين العلم والدين، تتلمذ على يديه عدد كبير من معلمي اللغة العربية في المشرق العربي، ورحل تاركاً إرثاً غنياً ينتظر من يحييه.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 5 حزيران 2015، الباحث "ياسر صاري" صاحب كتاب "صور"؛ الذي تحدث عن "الصوفي" بالقول: «تتلمذ على يد الشيخ "عبد الغني الرفاعي" في مدينة "طرابلس الشام" صاحب الطريقة الرفاعية في التصوف، وبعد عودته إلى "اللاذقية" علّم اللغة العربية في مساجدها ولم تكن قد افتتحت فيها مدارس على النمط الغربي بعد، وبقي يعلم فيها حتى أواخر أيامه وفياً لهذه الوظيفة التي أحبها».

تم تعيينه قاضياً شرعياً في عدة مناطق منها قضاء "إدلب" و"راشيا" في "لبنان" حالياً، و"الطفيلة" شرق "الأردن"، و"أروفه" شمال "سورية" التي تتبع الآن للدولة التركية، وغيرها من المدن. كما أنه عمل إماماً ومحدثاً بالجامع الكبير في مدينة "مرسين" أيضاً

«تم تعيينه قاضياً شرعياً في عدة مناطق منها قضاء "إدلب" و"راشيا" في "لبنان" حالياً، و"الطفيلة" شرق "الأردن"، و"أروفه" شمال "سورية" التي تتبع الآن للدولة التركية، وغيرها من المدن. كما أنه عمل إماماً ومحدثاً بالجامع الكبير في مدينة "مرسين" أيضاً».

من مخطوطاته

يذكر "صاري" في أحد كتبه أن "الصوفي" خرّج أساتذة كثر وعمل بعدة مناصب أخرى، ويقول: «عمل خطيباً وإماماً في مساجد كثيرة، وفي عام 1891 تم افتتاح أول مدرسة ثانوية في "اللاذقية" وكانت تسمى المكتب الإعدادي، وعهد بإدارتها إلى الأستاذ "عرفان بله" وهو ابن والي سورية "عاصم باشا"، فقام الشيخ "محمد صالح الصوفي" بتدريس اللغة العربية فيها، وقد تتلمذ على يده الكثيرون من كبار العلماء، منهم: الشيخ "عبد القادر الشالاتي الدمشقي"، والشيخ العلامة "محمد بن عبد الرحمن الكزبري"، والشيخ "محمود نشابة" الأزهري الشافعي مدرس جامع "المنصوري" بـ"طرابلس الشام"، وغيرهم من بقاع المشرق العربي من "اليمن" إلى "العراق" و"تركيا"».

تسلم عدة مواقع في سلك القضاء والإفتاء في "اللاذقية"، فكان "قائمقام" لقضائها وانتهت مدة خدمته في 27 آب 1874، وكان مستلماً لمجلس الدعاوى حتى سنة 1875، وعين بدله "علي أفندي شومان"، وفي رمضان من عام 1292هـ، 28 أيلول 1875 أسندت إليه الحكومة وظيفة التوقيت في الجامع الجديد وقد وجهت له إدارة الأوقاف بهذه المناسبة كتاباً جاء فيه: (وقد وجد بك اللياقة والكفاية لهذه الوظيفة لمعرفتك في فن التوقيت فحسب تقرير وكالة الأوقاف، فقد عينتك ونصبتك ميقاتياً في الجامع المذكور توقت الأوقات الخمسة)؛ عن وثيقة لحفيد الراحل "المهند الحسيني الصوفي".

الباحث ياسر صاري

ويذكر الباحث "هاشم عثمان" أن سبب تنصيبه ميقاتياً في ذلك الجامع لكون مئذنته ترى من كل مساجد "اللاذقية"؛ فعندما يحدد الموقت الزمن اللازم لكل وقت، كان يعطي الإشارة إلى مؤذن الجامع الجديد فيشعل الضوء في المئذنة فتراه كافة المآذن في المدينة، ويبدأ الأذان؛ فالجامع الجديد هو الذي يحدد الوقت لكافة مساجد "اللاذقية"، ويقول: «وبما أنه كان صاحب "التوقيت" في زمنه، وهي مهمة عسيرة في ظل غياب الساعات والمواقيت، فقد انبرى لحل مشكلة الأرباع الفلكية، وهي مشكلة مزمنة تتعلق بحسابات التقويم القمري وتأخره عن التقويم الشمسي كل عام بمدة تسعة أيام، ووضع كتاباً سماه "الربع المحبب"، فوضع جداول توقيتية لها معتمداً على الأرباع التي بين يديه مستعيناً بالإسطرلاب، وما تزال هذه الجداول معتمدة مع شيء من التعديل إلى اليوم في توقيت مدينة "اللاذقية"».

ويضيف "عثمان": «كتب "الأفندي صالح" كما كان لقبه، وهو من أرفع الألقاب وقتها في الدولة العليا العثمانية كثيراً من الكتب والأشعار، وقد حرق أكثرها في حريق ثورة جبل "صهيون" (الحفة) على العثمانيين، ولكن رغم ذلك بقي الكثير مما كتبه مخطوطاً ينتظر إحياءه، ومن أعماله الباقية كتاب "بارقة النور" و"جالبة السرور" ورسالة في استعمال "الربع المجيب" الفلكي.

ربع فلكي ـ المتحف البريطاني

عرف الشيخ الراحل بعلاقته الطيبة مع محيطه، وقد كان لا يرد محتاجاً عن بابه، ولا سائلاً عن مقامه، درّس العامة قبل الخاصة وبذل من أجلهم كل الجهد لتعريفهم أصول اللغة والفقه، كما كان يشارك في أفراح وأتراح الناس حاضراً في كل مكان يقتضيه الحال».

يذكر أن "محمد صالح الصوفي الحسيني" من مواليد مدينة "اللاذقية" في 31 آب عام 1827، والدته "فاطمة"، ووالده شيخ ومحدث أيضاً، ينتسب إلى "آل الصوفي" ممن ينتهي نسبهم إلى آل الرسول (ص)، وهم عائلة غفيرة العدد كثيرة الانتشار في بقاع العالم، ومنها فرعها هنا في المدينة، بلغ من علو شأنه وهو خطيب جامع "المغربي" لسنوات طوال، أنه عند وفاته عن 92 عاماً أذيع نبأ وفاته في كل أقطار العالم الإسلامي من "السند" إلى "المغرب"، وقد رحل تاركاً ولدين وابنتين، وذكر في عدة كتب منها: "الأعلام" للزركلي، و"نفحة البشام في رحلة الشام" للقاياتي، وغيرها الكثير.