دخل من باب الصحافة المفتوح على مصراعيه لعائلة عريقة في هذا المجال، وبحث دائماً عن القارئ المهتم، فحارب الفساد والتخلف، وتميز بعلاقاته الإنسانية الراقية.

"أعمال التنقيب عن وزارات شاغرة تستمر في العاصمة"؛ بهذا العنوان صدرت صحيفة "الاستقلال" لصاحبها "كمال شومان" منتصف الخمسينيات قبيل تأليف الحكومة السورية وقتها برئاسة "صبري العسلي".. بهذه الروح الناقدة والساخرة بقي الراحل "شومان" يصدر صحفه المتعددة، ويكتب فيها ممارساً وظيفة المحرر والكاتب والرسام والخطاط، يتحدث الدكتور "جمال شومان" ابن الراحل لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 19 أيار 2015، فيقول: «"كمال" خلق للصحافة، ولم يستطع يوماً الابتعاد عن روحها، ورغم توقف صحيفته الأثيرة إلى قلبه "الاستقلال" غداة قرار إيقاف صدور الصحف الخاصة في البلد ربيع عام 1963، إلا أنه بقي قريباً إلى عالم الكتابة يرسم ويحرر في مذكراته التي لم ترَ النور حتى الآن، فألف الكتب عن نضال السوريين ضد مختلف أنواع الاستعمار والتخلف والرجعية، كان مجدداً في عالم الصحافة السورية وترك أثراً تجلى في عدة صحف عربية خارج البلاد طلبت خبرته إلا أنه صمم على البقاء في "سورية"».

إنه كان مهتماً كإعلامي بتوظيف كل ما من شانه التأكيد على هويته الوطنية في حياته، فوطنه هو كل القيم التي يدافع عنها من شرف وكرامة واستقامة، فبقي محارباً شرساً لكل مظاهر الفساد والتخلف التي كان يلتقط صورتها من مجتمعه المحلي أو السوري بوجه عام

ولد "كمال شومان" عام 1918 لعائلة عريقة في اشتغالها بالصحافة وشؤونها، ولذلك لم يكن غريباً أن يصدر صحيفة، فقد سبقه قريباه "محمد جميل شومان" ثم "جلال شومان" في إصدار جريدة "الاعتدال" عام 1924، وتابع "كمال" تحريرها لاحقاً، كما صدرت عن "فايز شومان" جريدة "الطبل" عام 1936.

جريدة الاستقلال

كانت "اللاذقية" سباقة إلى عالم الصحافة منذ صدور الدستور العثماني عام 1908، فقد ظهرت فيها أول صحيفة بالعربية في 4 أيار سنة 1909 بعنوان "من مآثر لاذقية العرب" وقد أصدرها "سعد صفية ومحمد مواهب أزهري"، ثم انتقلت ملكيتها إلى "عبد الحميد حداد" بعد ذلك أصدرت حركة الشباب المناهض للاحتلال العثماني سنة 1911 صحيفة "أبو نواس" لصاحبها "محمد صبحي عقدة"، وقد أغلقتها السلطات التركية مراراً وتكراراً.

يتابع الدكتور "جمال" حديثه فيقول: «درس "كمال" في مدرسة "الفرير" في "اللاذقية" وتخرج فيها، وقد دخل عالم الصحافة منذ كان صغيراً، فحرر وكتب في عدد من الصحف وتسلم رئاسة تحرير بعضها، ومنها "الاعتدال" التي كتب فيها، ثم "صدى البلاد" و"البلاد" التي كان له فيها زاوية تقرأ بكثافة هي زاوية "كاف شين"، وقد استمر في كتابتها في صحيفته الجديدة "الاستقلال" التي استمرت حتى تاريخ 7 آذار 1963».

د. جمال شومان

يذكر الكاتب والباحث "نعمان صاري" عن تجربة "كمال" فيقول: «تميز في عمله الصحفي ببحثه الدائم والدؤوب عن قارئ يهتم بما يقدمه له، فكانت "صدى البلاد" ثم "الاستقلال" التي توقفت منتصف الستينيات، وعلى الرغم من كونها صحيفة محلية صدرت هنا إلا أنها اهتمت بالشأن المركزي فكان لها مراسلون في العاصمة و"طرطوس" و"حمص"، وكتب فيها كتاب مهمون وقتها مثل "أكرم الخالدي" وغيرهم.

تجربة جريدة "الاستقلال" هي واحدة من علامات الصحافة السورية المميزة، فالجريدة بصفحاتها الأربع كانت علامة فارقة تختلف عن غيرها بانتمائها إلى الشارع السوري واللاذقاني بوجه خاص، فقد أفرد فيها زوايا يومية للحديث عن مشكلات الناس وحقوقهم، كما كان لها حضور في الشأن المجتمعي فنشرت مثلاً أسماء الطلاب الناجحين في الثانوية العامة والإعدادية وغيرها.

من أعداد الاستقلال أيضاً

بعد توقفه عن العمل الصحفي، تسلم موقع مدير العلاقات العامة في مؤسسة "الريجي"، ثم أكمل عدة كتب تتحدث عن نضال السوريين ضد الاستعمار الفرنسي مثل كتاب "الحرية الحمراء"، وفي رحلته إلى "فرنسا" كتب "صور ورحلات من الغرب" وتحدث فيه عن انطباعاته عن تلك البلاد».

تميز الراحل بعلاقاته الإنسانية الرفيعة المستوى مع الناس، محباً وصديقاً وأخاً لكل إنسان سوري، يذكر ابنه "جمال": «إنه كان مهتماً كإعلامي بتوظيف كل ما من شانه التأكيد على هويته الوطنية في حياته، فوطنه هو كل القيم التي يدافع عنها من شرف وكرامة واستقامة، فبقي محارباً شرساً لكل مظاهر الفساد والتخلف التي كان يلتقط صورتها من مجتمعه المحلي أو السوري بوجه عام».

رحل "كمال شومان" عن دنيانا عام 1971، بعد أن ترك زوجة وأولاداً وأحفاداً يحققون اليوم في عالم الطب نجاحات في المغترب.