امرأة شاعرة اختلفت بأنها لم تبدع النص الشعري وفق القيم الفحولية التي كانت سائدة في عصرها، فكتبت الشعر باختلاف عن جماعة مجلة شعر لتخرج عن جماعة الحداثة الشعرية وتكوّن النص الشعري الخاص بـ"سنية صالح".

هي من مواليد "مصياف" عام 1935 درست البكالوريا الفرع العلمي رغبةً منها في دراسة الطب لكن واقعها قضى على حلمها فدرست اللغة الإنكليزية في "الجونيور كوليدج" بين عامي "1957 و1958" وهناك بدأت علائم الموهبة بالظهور بعيداً عن كل أنواع الرقابة والقيود، لكن الأجواء المحيطة وظروف الحرب الأهلية في لبنان أجبرتها على العودة إلى سورية لتعيش إلى جانب والدها فشاركته طقوس الحياة وخاضت معه غمار العمل لكي تساعده قبل أن تعود إلى لبنان في سنة "1961" وتعود معها روح الكتابة من خلال أول قصيدة تطلع عليها شقيقتها "خالدة سعيد" زوجة "أدونيس" وهي قصيدة "جذور الريح" التي ضمها فيما بعد ديوان "الزمان الضيق" وتقول القصيدة:

زواجها من "الماغوط" طغى على إبداعها رغم تفوقها لكن قيم الفحولة وكتابة القلم الرجولي طغت على وجود "سنية" رغم تفوقها

«رياح البحر تخطف الأنفاس/ لكن الشّقاء خمر معتّقة/ وهذه الفصول/ أبداً هاربة إلى عالم التراب/ ألملم جناحي، وأسقط/ كما تسقط رؤوس الأزهار/ شاحبة وبلا جذور/ صفراء آتية من خريف الأرض/ مسحورة برياح البحر... تراب شاطئكَ ذهبُ الندم/ أحلم بك سيداً، أهرب إلى عنفك/ وتطويني بعيداً عن العاصفة... لأنّ الفصول أبداً هاربة/ لن يحملني زورق للرجوع».

على غلاف أعمالها الكاملة

وللحديث أكثر عن أدب "سنية صالح" موقع "eSyria" التقى الدكتورة "لطفية برهم" أستاذة اللغة العربية في جامعة "تشرين" التي رأت بالسيدة "سنية صالح" شاعرة من نوع مختلف اجتازت الحدود بعد حصولها على جائزة مجلة شعر وعبرت عن هذا بقولها: «بدأت "سنية" الشعر في أيام المدرسة وحينها كانت تكتب بعض الكلمات على هوامش الكتب هذه الكلمات ومع مرور الأيام تحولت إلى نص شعري ونثري شكل فيما بعد إبداعاً شعرياً خاصاً بها، لكن بطاقة عبورها الحقيقية حسب اعتقادي كانت بعد فوز قصيدتها "جسد السماء" بجائزة مجلة شعر حيث شكلت هذه القصيدة إعلان ميلاد الحياة الشعرية الحقيقية للسيدة "سنية"، فلو لم تكن القصيدة فنية وذات قيمة متفردة لما حصلت على رضا أعضاء لجنة تحكيم مجلة الشعر المؤلفة من "شوقي أبي شقرا، وصلاح ستيتية، وفؤاد رفقة، وأدونيس، وأنسي الحاج" المشرف على القسم الأدبي في جريدة النهار، هذه الجائزة حصلت عليها في عام "1961" وكانت قيمتها خمسمئة ليرة سورية».

والقصيدة تقول:

«جسد السماء مظلم وحزين/ فليكن الليل آخر المطاف/ الإضاءة وهمية ومؤقتة/ وأكثر حساسية أجنحة الصمت/ لا صوت لي ولا أغاني/ خلعت صوتي على وطن الرياح والشجر/ الظلال أكثر تعانقاً من الأهداب/ وما من أغنية تضيء ظلمات الأعماق/ لكن الأصداء تدقّ صدر الليل/ فأنام في صدري».

السيدة سنية

بعد حصولها على الجائزة ساهمت في تأسيس الحداثة الشعرية العربية مع "مجلة شعر" لكنها خرجت عنهم بالتأسيس لقصيدة تبتعد عن الشعارات البراقة حسب ما حدثتنا به الدكتورة "برهم" قائلة: «تأتي أهمية "سنية" من كونها أسست للحداثة الشعرية العربية مع مجلة "شعر" وخرجت عنها بالتأسيس لقصيدة تبتعد عن الشعارات البراقة وتلتزم قضية من قضايا الواقع هي قضية المرأة التي تمثل كل إنسان عربي ولا تنفصل عن الواقع، فتحدثت في شعرها عن عذاب المرأة بإيديولوجية خاصة بها أتت فيها إلى المشهد من الخلف متحدثةً عن المرأة ومعاناتها بطريقة غير مبتعدة عن الواقع ولا تُدْخل الشعارات بالنص الشعري، فكتبت بذلك شعرا نوعيا مختلفا عن السائد عالجت فيه المشكلة من العمق ورصدتها برؤية كافية تضيء على الواقع بطريقة تعي نفسها وذاتها وتساهم في نشر الوعي العام من خلال معجمها الشعري الخاص».

الدكتورة "برهم" ترى أن شعر السيدة "سنية" ارتبط بالمرأة ومعاناتها باعتبار الكثير من النسوة لا يستطعن التعبير فأبدعت نصاً شعرياً بلسانهن دون النيابة عنهن، هذا النص جعل القارئ عندما يقرأ شعرها يشعر بوجود عالم آخر في داخله يفضح تهميش المرأة وينمي الحزن المنقول بواسطة شعرها في داخله عن طريق شعوره كإنسان بالهم الإنساني.

وتضيف "برهم": «عاشت السيدة "سنية" وسط أجواء من المعاناة والألم ناتجة عن ظروفها المرضية وقبلها مرض والدتها وظروف أختها "خالدة سعيد" ما ساهم في تكوين المعجم الشعري الخاص بها، فكانت كلمات معجمها الشعري تدل على الكآبة والحب والمرض والموت وما يدور في فلكها من ألفاظ، وهو معجم يحتاج لقدر من الثقافة للوصول إلى بنيته العميقة وسهولته تكمن في أنه يمس الحس الإنساني ويتواصل مع الآخر مع الحاجة لأدوات نقدية، كما أن بنية شعرها تشكلت عبر سياقات مختلفة (سياسية واقتصادية وإنسانية).

الرؤيا العامة للمجموعات الشعرية التي قدمتها "سنية" هي الموت باعتباره بداية لحياة جديدة لكن هذا الموت بدأ بشكل تدريجي من المجموعة الأولى وصولاً إلى مرضها العضال، فأصبحت كتابة النص الشعري نوعاً من المقاومة بتحدي الموت فكان البدء لحياة جديدة».

الدكتورة "برهم" توافق الرأي القائل إن زواج السيدة سنية من "محمد الماغوط" طغى على إبداعها وتقول عن هذا الزواج: «زواجها من "الماغوط" طغى على إبداعها رغم تفوقها لكن قيم الفحولة وكتابة القلم الرجولي طغت على وجود "سنية" رغم تفوقها».

حتى إن "محمد الماغوط" قال عنها: «"سنية" هي حبي الوحيد، نقيض الإرهاب والكراهية، عاشت معي ظروفاً صعبة، لكنها ظلت على الدوام أكبر من مدينة وأكبر من كون، إنها شاعرة كبيرة لم تأخذ حقها. ربما آذاها اسمي، فقد طغى على حضورها، وهو أمر مؤلم جداً، كما أنها لم تأخذ حقها نقدياً».

المشكلة التي عانت منها "سنية صالح" هي أن شعرها لم يلق اهتماماً نقدياً كافياً لأنها صوت نقدي مختلف عن الفحولة، ولو قرأنا شعرها بإمعان لوجدنا أن له دوراً في دفع حركة الشعر العربي نحو الأمام، فهي ليست من الجيل الأول بل من الجيل الثاني، لذلك قالوا إن شعرها سار على خطا الجيل الأول الذي تأثر بالترجمة، هذان السببان اللذان قللا من الاهتمام بشعر "سنية صالح" القوي الذي تكمن قوته باختلافه وهذه المسؤولية عن عدم الاهتمام يتحملها النقاد».

وتختم الدكتورة "برهم" بالقول: «الشعر الذي كتبته السيدة "سنية" في إطار قصيدة النثر هو شعر راق يحمل إبداعاً فلسفياً ومعرفياً متميزاً أفتخر به بصفتي دكتورة في اللغة العربية، لأني كلما قرأت قصيدةً لها قلت إنها الأفضل وعندما أعود للتي قبلها أيضاً أقول إنها الأفضل، لذا أتمنى أن يلتفت النقد إلى إبداع "سنية صالح" لكي تأخذ تجربتها حقها نقديا وتوضع في موضعها اللائق بها في إطار الحداثة الشعرية».

"سنية صالح" شاعرة أبدعت في دفاعها عن المرأة، وظلمت في الحصول على حقها نقدياً وإنسانياً فهي التي جعلت من الألم حياة أخرى ومن معاناتها أملاً متجددأ جعل كل من يقرأ شعرها يعيش الأمل ولو أنه لم يكن يبحث عنه.

من خلال ما بحثت عنه للوصول إلى أعماق شخصية السيدة "سنية صالح" وجدت قصيدة كتبها لها زوجها الأديب والشاعر الراحل "محمد الماغوط" فأردت أن أختم بها الحديث عن السيدة "سنية" على أمل أن تكون هذه القصيدة أوفتها جزءاً من حقها كزوجة وامرأة وشاعرة.

«آه يا حبيبتي/ الآن يكتمل جنوني كالبدر/ كل أسلحتي عفّى عليها الزمن/ كل صحبتي تفرقت/ وحججي فنُدت/ وطـُرقي استنفدت/ ومقاهيّ تهدمت/ وأحلامي تحطمت/ ولم يبق لي، إلا هذه اللغة/ فماذا أفعل بها/ بحروفها الملتصقة بمخارجها كبول الأفعى/ أيتها الزهرة المطرودة من غابتها/ أيتها العضة العميقة في قلب الربيع/ حبك لا ينسى أبداً/ كالإهانة، كجراح الحسين/ كل من أحببت، كن نجوماً/ تضيء للحظة وتنطفئ إلى الأبد/ وأنت وحدك السماء/ ثلاثين سنة/ وأنت تحمليني على ظهرك كالجندي الجريح/ وأنا لم أستطع أن أحملك بضع خطوات إلى قبرك/ أزوره متثاقلاً/ وأعود متثاقلاً/ لأنني لم أكن في حياتي كلها/ وفياً أو مبالياً/ بحب، أو شرف أو بطولة».

في آخر أيامها كان "محمد الماغوط" يجلس بقربها على فراش الموت، يقبّل قدميها المثقوبتين من كثرة الإبر، وكانت هي ترد في عبارة لا تُنسى: «أنت أنبل إنسان في العالم».

توفيت في "دمشق"، في 17 آب 1985

يذكر أن للشاعرة "سنية صالح" عدة أعمال وهي:

الزمان الضيق، شعر، بيروت، المكتبة العصرية 1964.

حبر الإعدام، شعر، بيروت، دار أجيال، 1970.

قصائد، بيروت، دار العودة، 1980.

ذكر الورد، بيروت، رياض الريس للكتب والنشر، 1988.

الغبار، بيروت، مؤسسة فكر للابحاث والنشر، 1982 (قصص).

وفازت بعدة جوائز منها:

** جائزة جريدة "النهار" لأحسن قصيدة حديثة عام 1961.

** جائزة مجلة "حواء" للقصة القصيرة عام 1964.

** جائزة مجلة "الحسناء" للشعر عام 1967.