كما أن الفكر القومي في العالم مقترن، بشكل ما، باسم الفيلسوف الألماني فيختة كما تجلى في كتابه "نداءات إلى الأمة الألمانية"، فإن الفكر القومي العربي مقترن بزكي الأرسوزي دون منازع ودون أي خلاف بين المفكرين والمؤرخين حول ذلك.

فهو أب القومية العربية وفيلسوفها، إنما القومية من الوجهة الفلسفية وليس من الوجهة السياسية كما أدارها الحكام العرب.

ينتمي زكي الأرسوزي لأسرة أنطاكلية (من أنطاكية / لواء اسكندرون) عريقة، أبوه محام بارز وله مشركات مهمة في قيادة الحركة الوطنية وفي النضال ضد الأتراك والفرنسيين.

ولد في اللاذقية عام 1900 وترعرع في أنطاكية، كان كثير المنامات، وكانت أمه تأخذ مناماته هذه على محمل الجد، وتدعو المشايخ إلى المنزل لتقصها عليهم، وكان الأرسوزي- ابن السبع سنوات- يدخل معهم في جدالات واسعة في الغيبيات والله والقدر والأزل...الخ، وهو يروي ذلك بالكثير من الثقة ويقول "كنت بينهم (كالديك المفلفل) الذي يدوّخ –بخفته وسرعته- خصومه"، ويدل ذلك حسب بعض الباحثين على ألمعية وذكاء فطري متفوق.

كان طفلاً محباً للتجول في الأماكن الخالية، وغير محب للعب مع رفاقه، بمعنى آخر: كان انطوائياً، متأملاً، منهمكاً بعالمه الداخلي، وبمناماته العجيبة كما يرى بعضهم.

سافر الأرسوزي إلى باريس ليدرس الفلسفة والعلوم الإجتماعية عام 1927 وهناك حدثت نقطة التحول الكبرى في حياته الثقافية، إذ تعرف إلى فلسفة برغسون- الفيلسوف ذائع الصيت حينها وصاحب الفلسفة المنتشرة في فرنسا وأرجاء أوروبا، فكان يحفظ مقاطع كاملة من فلسفته ويرددها كالقصيدة.

عام 1930 عاد من باريس وعين مدرساً لتجهيز أنطالكية.

عام 1934 أسس في لواء اسكندرون حركة أطلق عليها اسم "البعث"، واستمرت حتى العام 1938 حيث هاجر إلى دمشق عندما قررت تركيا ضم اللواء (1939)، وقد استطاع عبر تلك الحركة أن يجمع شمل اللوائيين خارج المذاهب والطوائف وجعلهم يشعرون أنهم عرب قبل كل شيء، وهذا ما أثار استغراب العرب والأجانب فتم ذكر ذلك في الإعلام العربي والأجنبي بإعجاب متزايد".

في دمشق أسس حزباً سياسياً سماه "حزب البعث" لكنه لم ينجح في ذلك فقرر ترك العمل السياسي وانصرف للفلسفة ولإنشاء نظريته في اللسان العربي والقومية العربية والوجود.

لقبه أهالي اللواء تقديرا ومحبة ورفعة بـ "الأستاذ" وسار لقبه معه أينما حل، كان يكفي أن تقول الأستاذ فذلك يعني زكي الأرسوزي.

كان يؤمن أن اللغة هي سر عبقرية الأمة، لذلك اعتبر ان اللغة العربية مفتاح حل مشاكل الأمة العربية وهي القادرة على بعثها من جديد فكتب ثلاثة كتب في اللغة العربية هي:

"العبقرية العربية في لسانها" (عام 1943 وهو الكتاب الأهم في نظر بعضهم).

"رسالة اللغة" (عام 1952)

"اللسان العربي" (عام 1963)

يرى بعضهم أن الكتاب الأول هو الأساس في كل ما كتبه، ليس عن اللغة فحسب، بل عن القومية والفن والأخلاق والسياسة ...إلخ.

لقد كان الأرسوزي صاحب نظرية تضاهي النظريات الكبر في التاريخ ولقد أثر على مجرى الأحداث في سورية كما في العالم العربي وامتدت نظريته لتسود العالم العربي سيادة كاملة منذ نشوئها لغاية هذا التاريخ (2008).

توفي الأرسوزي عام 1968 وقد شهد هزيمة العرب الكبرى في عام 1967. لكن اسمه انضاف إلى الأسماء الكبيرة في تاريخ العرب الحديث والمعاصر.