يوجد حولنا كثير من النباتات التي نعتقد أنها مجرد زينة للطبيعة، ولكن التجربة تغير من هذه القناعات، وتقدم لنا ابتكارات جديدة تصب في خدمة الإنسان ومنها دبس "الريحان" المنتج الجديد.

الدبس هو اختراع قديم عرفه المشرقيون السوريون منذ العصور القديمة، وهو عبارة عن مستخلص حلو المذاق كثيف الهيئة متعدد النكهات؛ منه "المز" ومنه الحلو، ويصنع من فواكه كثيرة منها العنب والتمر والتين والرمان، إضافة لبعض النباتات البرية كالخرنوب، وفي هذه التجربة التي وثقتها مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 12 كانون الأول 2014، في قرية "جيبول" تم إنتاج دبس من ثمار الريحان (الآس).

أن الدبس كمادة غذائية غني بالفيتامينات المناسبة لجسم الإنسان، وهو لا يسبب في حال تناوله بشكل طبيعي أضراراً، وأهم الفيتامينات والمغذيات فيه، منتجٌ طبيعي وصحي إذ لا يحتوي على سكر صناعي أو بقايا مبيدات سامة أو مواد حافظة، ولدبس الريحان فوائد أخرى

في هذه الطريقة لإنتاج هذا النوع يتم استخدام أي نوع من الريحان، البري أو المحسن المزروع في البساتين، يتحدث اختصاصي الصحة العامة الدكتور البيطري "نزار سليمان" مبتكر هذه المادة للمدونة فيقول شارحاً الطريقة: «في العادة تنضج ثمار الريحان، أو "الآس" كما يسميه الشوام، أو "الحمبلاس" كما نسميه في ريفنا، في فصل الشتاء بدءاً من تشرين الثاني وما بعد، وتقطف كغيرها من الثمار، وتنظف من الشوائب خاصة الأوراق التي تؤدي إلى طعمٍ مرٍّ في حال تواجدها بين الثمار، بعد ذلك يُغسل بالماء النظيف ثم تُهرس حبات الريحان بشكل جيد باستخدام اليد، ويجب عدم استخدام هاون أو طاحون كهربائي أو خلاط فواكه لأن ذلك يؤدي إلى طحن البذور التي تزيد الطعم المر كثيراً. بعد الهرس الجيد تتم إضافة الماء الساخن والنقع للمرة الأولى وتحريك (حوالي 5 ليتر ماء لكل 5كغ ريحان) وانتظار 2 ساعة».

على النار مع المنخل

بعد ذلك نقوم بالعصرة الأول -استخلاص العصير بطريقة العصر باليد- وذلك في مصفاة عادية مع إعادة النقع بالماء الساخن للمرة الثانية مع تخفيض كمية الماء وتحريك الخليط (3.5 ليتر لكل 5كغ)، وانتظار 3 ساعة ثم استخلاص العصير باليد واستخلاص العصرة الثانية، يلي ذلك، إعادة النقع بالماء الساخن للمرة الثالثة مع تخفيض كمية الماء (2.5 ليتر لكل 5كغ) ومن ثم التحريك قليلاً، ومن ثم انتظار 3 ساعة ثم استخلاص العصرة الثالثة.

يتابع الدكتور "سليمان" بالقول: «تتم تصفية العصير الناتج من ثلاث عصرات مرة ثانية باستخدام قطعتي قماش مع استخدام الفتل لقطعة القماش في النهاية لاستخلاص آخر القطرات، ثم يتم غلي العصير المصفى دون غطاء على النار ويفضل نار الحطب لكونها اقتصادية وبيئية، وإن كان هناك خوف من تساقط أجزاء الرماد يمكن تغطية الإناء بشبك معدني ناعم (منخل معدني ناعم)».

كرات الريحان

تمر عملية الغليان حتى التكثيف بثلاث مراحل حيث يكون في المرحلة الأولى هائجاً مع قليل من الرغوة، أي قلة أو انعدام فوران العصير، وفي المرحلة الثانية من الغلي يتغير شكل الغليان بعد فقدان 50% من حجم السائل ويصبح الغليان أقل هيجاناً وأوسع انتشاراً، وعند فقدان حوالي 60% من حجم السائل نطبق تصفية نهائية.

والتصفية النهائية تكون في نهاية المرحلة الثانية (عندما يبقى من العصير حوالي (30 ـ 40%) باستخدام قطعة قماش مزدوجة وهي ضرورية فقط للحصول على دبس صافٍ جداً حيث يتم استبعاد الرواسب من جزيئات الرماد وبعض التكتلات الناتجة من التفاعلات التي تحدث نتيجة غلي العصير ومن الجيد فتل قطعة القماش باليد لاستخلاص العصير المتغلغل بين خيوطها. ويمكن الاستغناء عن التصفية النهائية ولكن سينتج عنها دبس غير صافٍ.

بعد التعبئة

يعاد العصير الناتج عن التصفية النهائية إلى الموقد لإتمام المرحلة النهائية من الغلي والتكثيف، مع الانتباه إلى ضرورة التغطية بشبك معدني أو منخل معدني ناعم (وليس غطاءً طنجرة) في المرحلة النهائية من الغليان، ويجب مراقبة كثافة السائل كل 10 دقائق مع الانتباه إلى أن تكون النار هادئة كي لا تحرق حواف الإناء وينتج طعم محترق.

تتم المراقبة المستمرة للمرحلة الأخيرة من الغلي، وهي أدق مرحلة، وهنا يلاحظ أن غليان السائل أصبح متجانساً بالفقاعات المنتشرة على كامل سطح السائل وينعدم الهيجان الملاحظ في المرحلتين الأولى والثانية.

"تتم مراقبة كثافة الدبس بأخذ كمية بسيطة من السائل بملعقة طعام ثم تركها لتبرد وملاحظة كثافتها وقوامها وتذوقها أيضاً، وعندما تصبح الكثافة جيدة يمكن إبعاد الإناء عن النار وتركه ليبرد قليلاً، ثم يعبأ ساخناً في أواني زجاجية نظيفة وجافة.

يجب تعبئة الدبس الناتج في أوانٍ زجاجية جافة ونظيفة، يقول الدكتور "سليمان": إن أي قطرة ماء قد تسبب فساده أو تغير خواصه.

يضيف الدكتور "سليمان": «إن دبس الريحان منتجٌ طبيعي مئة بالمئة، إذ لا يحتوي على سكر صناعي أو بقايا مبيدات سامة أو مواد حافظة. وهو حلو المذاق مع طعم قابض خفيف ولذيذ جداً، يمكن استخدامه كطعام في الشتاء البارد خاصة للأطفال المولعين بالسكاكر أو كشراب بارد ممدد في الصيف الحار، كما يمكن إضافته للحلويات والبوظة، ويمكن استخدامه كمنكه بطعم الريحان لعصائر الفواكه الأخرى».

وبالنسبة للمردودية، يؤكد الدكتور "سليمان" أن مردوده ممتاز؛ إذ إن كل 5كغ ريحان تنتج 1كغ دبس جيد الكثافة. وهذا يرتبط بدرجة كثافته وحلاوة ونضج ثمار الريحان، وهو منتج بيئي إذ يُفضل صناعته باستخدام نار الحطب، لأنها أوفر اقتصادياً وأسلم بيئياً، وخاصة أن موسمه يترافق مع الشتاء حيث النار المشتعلة في المدافئ، كما يمكن أن يحفظ لسنوات بدرجة حرارة متوسطة إن كانت كثافته عالية، وقد يكون له استخدامات طبية.

ويختم الدكتور سليمان حديثه بأن صناعته تختصر بالعبارة التالية: (هرس باليد، نقع بالماء ثلاث مرات، استخلاص العصير ثلاث مرات، غلي للتكثيف، تعبئة).

من جهته يؤكد الدكتور "محمد ياسين" اختصاصي التغذية: «أن الدبس كمادة غذائية غني بالفيتامينات المناسبة لجسم الإنسان، وهو لا يسبب في حال تناوله بشكل طبيعي أضراراً، وأهم الفيتامينات والمغذيات فيه، منتجٌ طبيعي وصحي إذ لا يحتوي على سكر صناعي أو بقايا مبيدات سامة أو مواد حافظة، ولدبس الريحان فوائد أخرى».

أخيراً، تتوافر صور للطريقة المشروحة أعلاه في صورة اليوم.