تحول جزء من الحلم إلى حقيقة، عبر مشروع مميز للمهندسة "إيمان الشيخ مصطفى" لإنتاج "الخشب الصناعي" من النفايات، إذ يشكل البحث عن بدائل للخشب لوقف قطع الثروة الحراجية، وحل مشكلات تكاثر النفايات في البيئة، هاجساً من هواجس العلم الدائمة.

وهنا في كلية الهندسة بجامعة "تشرين"، انطلقت فكرة المشروع، كما تقول الطالبة "إيمان" في حديث مع مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 18 حزيران 2014، من الاهتمام بالبيئة المحلية للمشروع والنظر إليها على أنها الهدف الرئيسي، فالمنطقة الساحلية ملأى بنفايات ناتجة عن الزراعات البلاستيكية وزراعة التبغ، وتضيف المهندسة "إيمان": «تعدّ قابلية إعادة تصنيع المخلفات البلاستيكية من الخواص الإيجابية لمواد البلاستيك الحراري، لأنها تمكننا وبسهولة من التخلص بشكل مفيد من هذه النفايات عن طريق إعادة تصنيعها مرات عديدة، وبالتالي فإن إعادة تصنيع البلاستيك فرصة للتخلص من النفايات، وكذلك لتخفيض تكلفة المنتج، ويتم البحث علمياً بشكل جاد بهدف تحسين خصائص المنتجات المصنعة من هذه المواد، وإيجاد تطبيقات صناعية مفيدة بهدف الحصول على منتجات بخواص مقبولة وجيدة، ويمكن استغلال هذه النفايات بشكل كبير في صناعة الأخشاب الصناعية».

يكفي أن نلقي الضوء على أكثر هذه المواد استهلاكاً في المجتمع السوري، ألا وهي أكياس التغليف السوداء والبيضاء، وأن نتجول في مدينة "اللاذقية" الصغيرة حتى نتخيل حجم النفايات الناتجة عن أكياس التغليف، وعبوات الزيت، ومواد التنظيف، وبقايا ألعاب الأطفال المتكسرة كي ندرك بالواقع طبيعة النفايات التي ترسل إلى المكبات الرئيسة

وتشرح المهندسة "مصطفى" ماهية الخشب الصناعي، وأهمية البحث قائلة: «ينتمي إلى الأخشاب الصناعية عملياً فصيل كبير وواسع من الأنواع، مثل: خشب MDF، وألواح الخشب المضغوط، وأنواع أخرى مشابهة، وجميعها تتركب أساساً من مواد سللوزية ومواد رابطة، تنتمي إلى المواد البلاستيكية على اختلاف أنواعها (بلاستيك حراري - بلاستيك متصلب حرارياً)، وحقيقة عندما نتحدث عن المواد البلاستيكية فإننا نتحدث عن مشكلة بيئية برزت في عصرنا الحديث، خصوصاً بعد سيطرة البلاستيك على معظم سمات حياتنا اليومية وتحولها إلى المادة الصناعية الأولى، فعبوات الطعام والمشروبات والأكياس والرقائق البلاستيكية، منتجات مطافها الأخير أكوام النفايات البلاستيكية».

البلاستيك المستخدم في التجارب

هذه الزيادة في الإنتاج البلاستيكي ستحدث زيادة مماثلة في كمية النفايات حتماً، تضيف المهندسة "إيمان": «يكفي أن نلقي الضوء على أكثر هذه المواد استهلاكاً في المجتمع السوري، ألا وهي أكياس التغليف السوداء والبيضاء، وأن نتجول في مدينة "اللاذقية" الصغيرة حتى نتخيل حجم النفايات الناتجة عن أكياس التغليف، وعبوات الزيت، ومواد التنظيف، وبقايا ألعاب الأطفال المتكسرة كي ندرك بالواقع طبيعة النفايات التي ترسل إلى المكبات الرئيسة».

تصنع مركبات الخشب الصناعي من خلال توزيع مالئات عضوية (جزيئات الخشب الناتج عن مختلف عمليات النشر والتصنيع) ضمن المزيج البلاستيكي مع بعض الإضافات لتشكل مواد مركبة من خلال تقنيات تصنيع مختلفة، مثل: البثق - الحقن - الضغط؛ وتعدّ المالئات النباتية أرخص أنواع المالئات العضوية، ويمكن أن تكون نفايات ناتجة عن تصنيع التبغ والقطن وقصب السكر ومعامل الشوندر السكري وورشات النجارة..... إلخ، أو ناتجة عن الطبيعة مثل الأعشاب والأغصان البرية وأوراق الشجر ونفايات العملية الزراعية، مثل بقايا جذوع قصب السكر والقطن والذرة الصفراء ودوار الشمس وقشور الأرز والتبن.

المكبس المستخدم تصنيع محلي

تم في هذا البحث، تشكيل عينات الخشب الصناعي من نفايات رقائق البيوت البلاستيكية كمادة أساس رابطة، حيث تنتشر وبكثرة هذه النفايات في الساحل السوري، باعتبار معظم السكان المحليين يعملون بالزراعة، ومن نفايات ورشات النجارة الناتجة عن عمليات تشكيل المنتجات الخشبية كمادة مالئة عضوية، كما تمت عملية التشكيل باستخدام مكبس تشكيل هيدروليكي عند درجة حرارة وضغط مناسبين، حيث تتحول المادة البلاستيكية إلى الحالة اللدنة بتأثير الحرارة والضغط، وتصبح قادرة على ربط جزيئات الخشب مع بعضها بعضاً، وبالتبريد نحصل على المنتج بشكله النهائي».

الدكتور "رامي منصور" المشرف على رسالة الماجستير للطالبة "مصطفى"، يقول: «بعد انتهاء التجارب الأولية، تم الحصول على نتائج جيدة رخيصة الثمن، ومن هذه النتائج: إمكانية تصنيع النفايات القابلة لإعادة التدوير على اختلاف أنواعها، والحصول على منتجات خشب صناعي بكثافات مختلفة، وهذا أعطى طيفاً واسعاً لإمكانية استخدام هذه المنتجات انطلاقاً من استخدام المنتج في العزل الحراري، وصولاً إلى الاستخدام المنزلي، كذلك كان من اللافت أنه على الرغم من غمر هذه العينات في الماء لمدة 250 يوماً إلا أنها بقيت متماسكة وبخواص جيدة».

عينات الخشب الناتجة مع أساساتها

هذه النتائج اللافتة، أوضحها الصناعي السوري "محمد علي البيلاني" في حديث حول نفس الموضوع جرى أثناء معرض كلية الهندسة الميكانيكية والكهربائية، مؤكداً إمكانية استخدامها عملياً في بناء معمل لإنتاج الخشب الصناعي المحلي، ودون الحاجة إلى تقنيات مستوردة كثيرة، حيث تم تصنيع المكبس المستخدم في المشروع في الجامعة، ويقدم هذا المشروع -فوق ذلك- حلاً مثالياً لكثير من القضايا المرتبطة، ويضيف: «هذا المشروع، يحتاج إلى تضافر الجهود الأهلية والحكومية؛ إذ لا يمكن تنفيذه من قبل القطاع الخاص وحده، حيث نحتاج إلى تطبيق آليات فرز للنفايات في المدينة كما في كل المنطقة، بوضعها منفصلة في حاويات خاصة، وهي التجربة التي قامت بها مؤسسة "الجايكا" قبل سنوات، ولكن لم يقيض لها الاستمرار لأسباب كثيرة، أيضاً نحتاج إلى تقديم محفزات اجتماعية للبدء بتجربة واسعة النطاق لحل مشكلة العصر في "سورية" كما في كل دول العالم، وهذا الربط الأهلي والحكومي يجب أن يكون سياسة استراتيجية على مستوى الوطن كله».